توفى مساء السبت المشير عبد الحليم أبو غزالة عن عمر يناهز الـ 78 عاماً، بعد صراع طويل مع مرض السرطان، أبوغزالة اسم ملأ الدنيا بقوة، فهو يعد من كبار القادة فى القوات المسلحة المصرية، اعتنى بالجنود والضباط، وكان صاحب أسلوب فى رفع الروح المعنوية لدى أفراد القوات المسلحة، دخوله وخروجه من القوات المسلحة كان تحدياً كتحديه للمرض، الذى ظل يقاومه حتى تغلب عليه الموت السبت 6 سبتمبر 2008، بدأت رحلته العسكرية فى 13 شارع المهدى بحلمية الزيتون، الذى سكن فيه المشير أبو غزالة منذ أن كان ضابطاً صغيراً، وشارع المهدى هو شارع صغير خلف مسجد الشيخ بخيت بميدان حلمية الزيتون، بنى فيه الضابط الشاب "ثروت" منزلاً من ثلاثة طوابق سكن فى الأخير منها، لم يأنف من تلك الحارة الضيقة التى لا يزيد عرضها عن أربعة أمتار، حتى بعد أن وصل إلى رتبة اللواء، ربما كان أهل الحى يتحدثون فخراً عن "سيادة اللواء" طوال عشرتهم معه، إلا أنه لم يجد فى نفسه ما يستحق الفخر، ففى التواضع يكمن مفتاح شخصية هذا الرجل البسيط الذى يلعب كرة القدم مع جنود معسكره.
ولد المشير فى فبراير 1930 بقرية زهور (قبور) الأمراء بمركز الدلنجات، محافظة البحيرة لعائلة ترجع فى أصولها إلى قبائل أولاد على، وبعد دراسته الثانوية التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها سنة 1949، ثم حصل على إجازة القادة للتشكيلات المدفعية من أكاديمية ستالين بالاتحاد السوفيتى سنة 1961، وهو أيضاً خريج أكاديمية الحرب بأكاديمية ناصر العسكرية العليا بالقاهرة، ثم حصل على درجة بكالوريوس التجارة وماجستير إدارة الأعمال من جامعة القاهرة.
تدرج فى المواقع القيادية العسكرية، وعين وزيراً للدفاع والإنتاج الحربى، وقائداً عاماً للقوات المسلحة سنة 1981، تم ترقيته فيما بعد إلى رتبة مشير سنة 1982، ثم أصبح نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع والإنتاج الحربى، وقائداً عاماً للقوات المسلحة منذ 1982م وحتى 1989.
شارك فى ثورة 23 يوليو 1952م حيث كان من الضباط الأحرار، كما شارك فى حرب فلسطين وهو لا يزال طالباً بالكلية الحربية، وشارك فى حرب السويس وحرب أكتوبر، وكان أداؤه متميزاً، ولم يشارك فى حرب 1967، حيث كان بالمنطقة الغربية وانقطع اتصاله بالقيادة، وعاد ليفاجأ بالهزيمة.
أقاله الرئيس المصرى محمد حسنى مبارك من منصب وزير الدفاع سنة 1989، واعتبر الكثيرون القرار وقتها مفاجئاً، وفسره البعض بأنه قرار للتخلص من المشير، نظراً لتزايد شعبيته فى الجيش، لكن المراقبين الغربيين يرون أن سبب إقالته هو فضيحة تهريب أجزاء تستخدم فى صناعة الصواريخ، خلفه فى وزارة الدفاع الفريق أول صبرى أبو طالب كمرحلة انتقالية، حتى تم تعيين المشير محمد حسين طنطاوى والذى يشغله حتى الآن.
وترددت شائعات عن قيام أبو غزالة بدور قوى فى تطوير برنامج الصواريخ المصرى، وهو ما أثار استفزاز الولايات المتحدة الأمريكية، ثم شغل منصب مساعد للرئيس مبارك حتى عام 1993، وعلى أثر تقديم استقالته اختفى من الحياة العامة بعدما تردد اسمه كأحد أهم وأبرز الأسماء، إن لم يكن الاسم الوحيد لتولى منصب نائب الرئيس فى مصر.
وقدم أبو غزالة العديد من المساعدات للعساكر المصريين وجنود الصف والضباط، واهتم بمظهر ومكانة الجندى المصرى، وعمل على تطوير مدرسة المدفعية فى ألماظة، حين كان رئيساً لأركان المدفعية.
أهم مؤلفاته:
إن المخزون الثقافى لدى المشير أبو غزالة يصعب حصره، لكن المؤلفات التى كتبها، فضلاً عن التراجم تشير إلى ذلك المخزون العلمى ومدى تنوعه، فقد كتب عن المصطلحات العسكرية وعن فنون الحرب وعن الانتصارات العربية فى صدر الإسلام، وعن الحرب العراقية الإيرانية مؤلفات عديدة، منها "تاريخ فن الحرب" (أربعة أجزاء) وهى عمل موسوعى رفيع المستوى، فضلاً عن دراسته الرائعة لحرب الصحراء، ومؤلفه عن حرب الخليج الثانية وعلاقتها بالأمن القومى. ولأنه كان يبشر بنصر أكتوبر منذ زمن بعيد، فضلاً عن كونه أحد فرسانها تخطيطاً وتنفيذاً، فقد كتب عن دور المدفعية التاريخى كتاباً بعنوان "وانطلقت المدافع عند الظهيرة".
ولعل الذاكرة تسعفنى فى أسماء بعض التراجم، وهى عديدة منها ترجمة عن استخدام الطرق الرياضية فى الحرب الحديثة ومنها ترجمة كتاب "بعد العاصفة"، فضلاً عن الترجمة الشهيرة للكتاب القيم "الحرب وضد الحرب"، وهو يتحدث عن أسرار وعوامل البقاء فى القرن الواحد والعشرين، لقد وضع المشير أبو غزالة أيضاً مقدمة موجزة لكتاب "نصر بلا حرب" الذى ألفه الرئيس الأمريكى السابق "نيكسون".
دخل المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة مساعد رئيس الجمهورية ووزير الدفاع الأسبق فى غيبوبة كاملة، نتيجة جرعات العلاج الكيماوى التى كان يتلقاها بمستشفى الجلاء للقوات المسلحة حالياً، حيث كان يعانى من الإصابة بسرطان الحنجرة، وكان أبو غزالة قد قام بفحوص طبية فى فرنسا وعدد من الدول الأوروبية، قبل أن يقرر العودة إلى مصر للاستمرار فى العلاج تحت إشراف الأطباء الأجانب والمصريين الذين يشرفون على إعطائه جرعات العلاج الكيماوى.
وقد اضطرت أسرته لنقله إلى مستشفى الجلاء العسكرى، بعد أن تأثرت حالته الصحية بسبب العلاج الكيماوى، ودخل فى غيبوبة كاملة، وخضع لرعاية مركزة من قبل الأطباء المشرفين على حالته.
خاض المشير أبو غزالة صراعاً عنيفًا مع المرض اللعين الذى أودى بحياته فى لحظة، لكنه كان يرفض الاستسلام لهجومه الشرس، ويقاومه بإرادة المقاتل الذى يرفض الاستسلام حتى آخر لحظة
وأبو غزالة يعد من أشهر وزراء الدفاع فى تاريخ مصر، وكان يحظى باحترام وحب شديدين، استمرا حتى بعد إصدار الرئيس مبارك قراراً جمهورياً بتعيينه مساعداً لرئيس الجمهورية بعد تركه منصب وزير الدفاع قبل 18 عاماً، وقد ترددت وقتها شائعات عن أن الإدارة الأمريكية كانت غاضبة جداً على أبو غزالة، بحجة أنه كان يخطط لإنشاء صناعات كيماوية.
مقاتل هزمه المرض!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة