الدكتور كمال مغيث أستاذ التربية بجامعة حلوان ناقد وأديب وناشط سياسى، عضو فاعل فى العديد من الجمعيات الأهلية ومهتم بشكل خاص بقضية أطفال الشوارع. التقى اليوم السابع د. كمال مغيث فى حوار يستشرف مستقبل الواقع الراهن، بعد سيطرة العشوائية وغيبة القانون، وحالة فقدان الثقة التى يعانى منها المواطن البسيط ..
فى ظل التردى المستمر للواقع، كيف ترى المستقبل؟
نحن فى النفق المظلم والاستبداد الذى تحمله الناس طويلاً لابد أن يدفع ثمن دخولنا هذا النفق. وأرى فوضى اجتماعية كبيرة فى المستقبل القريب، وربما نتعرض لأشكال من العصابات المسلحة التى تخطف الناس من الشوارع، أو حدوث انتفاضة شعبية تهاجم مراكز صنع القرار، وتهاجم الأثرياء، وأعتقد أن النظام الموجود إن لم يدرك ويحس بنبض الشارع المصرى، سيتحول الظلم إلى قنبلة تنفجر بين عشية وضحاها.
وكيف ترى أساليب مواجهة النفق المظلم كما أسميته؟
لابد أن يحدث تغيير وتداول للسلطة، وأن يعى الحزب الوطنى أنه لم يعد يمثل الناس البسيطة، وأصبح يمثل فئة قليلة فى المجتمع وهى فئة رجال الأعمال. وإما أن يعيد بناء بنيه اجتماعية حقيقة، ويصنع لنفسه توجها حقيقيا نحو الشارع ونحو الفقراء، ليواصل العقد الاجتماعى الذى يسمح للصغير أن يعرف حقيقة وجود الغنى والفقير بمصداقية، فمصر طويلاً فيها أغنياء وفقراء، ولكن كان الأغنياء زمان لديهم مقومات غنى يحصلون على أموالهم بمصداقية، فإما يملك مؤهلات علمية أو ميراثا أو يحصل على أموال بطريقة مشروعة، أما الأثرياء اليوم يتربحون بكسب غير مشروع من السلطة واستغلال النفوذ والفساد وليس لهم مصداقية. وهذا يؤكد ما يطرح حول الحزب الوطنى من سيطرة بعض رجال الأعمال عليه "اللى فاقدين مصداقيتهم وثروتهم فاقدة مشروعيتها"، وبالتالى هذا جزء أساسى من التهديد ومن الفوضى القادمة.
العشوائية وظاهرة غيبة القانون من أبرز الظواهر المطروحة الآن تتناولها الأعمال الإبداعية، هل تجد علاقة بين الفن والسياسة؟
بالتأكيد وأنا معك تماما أن العشوائية وظاهرة غيبة القانون من أبرز الظواهر المطروحة، نحن الآن فى مجتمع يعانى من حالة فوران وشعور بالانتهاك، ولديه العديد من المشكلات التى تؤرقه ولا يستطيع التعايش معها، لكنه لا يعرف ما هو القانون والآليات والإجراءات التى يتمكن بها من تغيير هذا الواقع المؤلم الذى يعيشه، وبالتالى ينتهى الأمر إلى أن كل شخص يصنع قانونه الخاص به، فهناك من يصنع قانون البلطجة، وهناك من يصنع قانون التلصص والغش والسرقة والغش فى الامتحانات، ويصل الأمر إلى أن تكون كل هذه الممارسات من وجهة نظر الرأى العام مقبولة، ففى حالة تسريب الامتحانات والغش الجماعى، مثلا لا يمكن أن نغفل ما كرسته الحكومة من ضرورة الإنفاق على الدروس الخصوصية ما لا يقل عن 10آلاف جنيه، حتى يستطيع الطالب التعلم والحصول على مجموع يؤهله لكلية محترمة، فماذا يفعل الفقير الذى لا يملك عشرة آلاف جنيه، لو يقدر يشترى الامتحان من على باب المدرسة بـ 200 جنيه، لن يتردد وبدون أدنى تفكير سيشتريه، وعلى هذا الأساس أن النتيجة الأساسية الموجودة الآن هى غيبة القانون.
هل تستطيع أن تحدد أهم القضايا المطروحة على قائمة المجتمع المدنى؟
الفقر الآن يلعب دورا فى عدد كبير من الجمعيات الأهلية التى تعمل على مكافحة الفقر والباعة الجائلين، وعلى فكرة القروض الصغيرة وانتهاك حقوق الإنسان، أشكال من التداخل فى العملية التعليمية للتربية المدنية أو تعليم حقوق الإنسان، والرقابة على الامتحانات العامة كمحاولة لمواجهة ظاهرة تسرب الامتحانات والغش الجماعى.
هل مسألة خطف الأطفال قاصرة فقط على أطفال الشوارع أم أنها تشمل أيضاً خطف أطفال من أسرهم؟
كلما كان الطفل يعيش فى ظروف صعبة، فى أسرة مفككة أو أسرة فقيرة أو طفل شارع يكون عرضة أكثر للخطف وهذا يكثر فى العشوائيات والأماكن البعيدة عن أعين رجال الشرطة.
هل هناك علاقة بين خطف الأطفال وموضوع تجارة الأعضاء؟
هناك علاقة بين خطف الأطفال وبيعهم للتسول بهم، وهذه فكرة قديمة من أيام "جعلونى مجرماً"، أو للتبنى وتهريبهم خارج البلاد واستغلالهم، ولكنى أستبعد أن تكون هناك علاقة بين خطفهم وتجارة الأعضاء، لأن فى حدود معلوماتى، تغيير الأعضاء لا يتم إلا مع البالغين، لاكتمال نمو العضو، فضلاً عن أن فكرة تغيير الأعضاء قائمة على وجود مقاييس ومعايير دقيقة لقبول الجسم العضو الجديد له، حتى الحالات التى تم اكتشافها الفترة الماضية لبيع الكلى الجزء الطبى فيها كان متوفرا، وحدث أنه أجريت لهم فحوصات.
هناك بعض الجمعيات الأهلية تتبنى أطفال الشوارع وتقدم لهم خدمات لا يحتاجونها، بناءً على أجندة دولية يتم وضعها للجمعيات الأهلية ترصد لها مبالغ التمويل؟
بالتأكيد هذا يحدث، لأن ظاهرة أطفال الشوارع تزداد تفاقم ويزداد عددهم وتزداد خطورة، وأنا أشيد هنا بفيلم "حين ميسرة" للمخرج خالد يوسف، الذى لفت النظر لمشكلة وخطورة أطفال الشوارع، وهى مشكلة تحتاج لجهد عشرات من الجمعيات الأهلية، بالإضافة إلى أنها محتاجة دعما قوميا بقرار سياسى لهم.
ما أسباب فقدان الثقة بين أطفال الشوارع وكثير من الجمعيات الأهلية؟
أسباب عديدة وقريبة جداً من الواقع، لأننا نحتاج عشرات الجمعيات الأهلية التى تتبنى أطفال الشوارع وتحتاج دعما من أجل وجود شكل من أشكال المعايير والمنهج لتنال مصداقية كبيرة، ولكن وجود جمعية تشتغل يومين وتقفل لانتهاء التمويل كل هذا يفقد الثقة فى هذه الجمعية، وخاصة عند أطفال الشوارع. وكل السياسات العشوائية فاقدة المصداقية.
هذه الجمعيات تتعامل مع الطفل "كسلعة" تروج لها لنيل التمويل فقط والنتيجة هى استمرار ظاهرة أطفال الشوارع، هل تتفق معى؟
بالتأكيد، طبعاً فى كثير من الجمعيات تخصصها فى مجال رعاية أطفال الشوارع مجرد مشروع يبحث عن تمويل، فى وقت لا تؤمن فيه الدولة بأن مشكلة أطفال الشوارع مشكلة قومية، وهو ما يجعل الطفل فى مهب الريح ولقمة سائغة فى يد من لا يؤمنون بحقه فى الحياة بشكل كريم، بعيداً عن المشروعات المكتوبة التى تقدم على الورق. وهو ما يجعلنا نطالب بضرورة دور الدولة فى تحديد الأبعاد القانونية والأمنية للتعامل مع هذه الظاهرة لكسب ثقة أطفال الشوارع أنفسهم، ولابد أن يبدأ القرار من قبل الحكومة.
هل هذا يلغى دور الجمعيات الأهلية فى أن تكون صاحبة الخطوة الأولى فى التأثير بشكل فعال فى قضية أطفال الشوارع؟
لا يلغى دورها، ولكننا نحتاج أن يكون هناك اتفاق بين الجمعيات والحكومة على أن هناك مشكلة، ومتفاقمة وأنها أكبر من طاقة الجمعيات الأهلية وطاقة الحكومة أيضاً، وهذا ما يجعلنا فى حاجة إلى تضافر الجهود والتنسيق حتى نصل لمجموعة من السياسات التى تحظى بمصداقية لدى المجتمع وأطفال الشوارع ولدى صاحب القرار.
أجندات الجمعيات الأهلية فى مجالات التنمية والرعاية تتشكل حسب جهات التمويل وتتغير بتغير الممول، هل هذا حقيقى؟
حقيقى هذا يحدث، فهناك مواسم لأجندات الجمعيات الأهلية على سبيل المثال البيئة ـ تمكين المرأة ـ الحق للسكن فلا يوجد لدينا جمعيات أهلية كثيرة متخصصة تحفر لنفسها مجرى، فمثلاً تحدد الجمعية المجال الذى تعمل فيه وتبحث عن جهات تمويل، وعندما تجدها تحدد بناء على جهات تمويل أى الموضوعات ستعمل عليه، وتبقى المشروعات مرتبطة بفكر الممول الأجنبى بعيداً عن أرض الواقع المصرى.
مغيث: لابد أن يعى الحزب الوطنى أنه لم يعد يمثل الناس البسيطة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة