العزب: السادة النقاد اختفوا فى ظروف غامضة

السبت، 06 سبتمبر 2008 01:05 ص
العزب: السادة النقاد اختفوا فى ظروف غامضة الروائى محمد صلاح العزب
حوار جريدة الجمهورية مع محمد صلاح العزب - حاوره عمرو رضا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا طلبت من كل نقاد مصر أن يضعوا قائمة بأهم كتاب الرواية الجديدة فى مصر، فمن المؤكد أنها لن تخلو من اسم محمد صلاح العزب، ليس تقديرا لمكانته الروائية ولا أرقام مبيعاته القياسية فحسب، ولكن اعترافا بأنه صاحب "وصفة" كتابة تلك الرواية الجديدة، ودوره فى ربط الجسور بين المبدعين الشباب والقراء العاديين، فعلى يديه عرفنا أرقام المبيعات القياسية.

محمد يمثل طليعة الكتاب الجدد، وقد تختلف معه فنيا، أو تراه سببا لانتشار ظاهرة استسهال كتابة الرواية على يد معاصريه، ولكن لا يمكن تجاهل موهبته الظاهرة بوضوح فى أعماله "لونه أزرق بطريقة محزنة".."وقوف متكرر" .."سرداب طويل يجبرك سقفه على الانحناء" ..وأخيرا "سرير الرجل الإيطالي" وكلها أعمال حققت نجاحات ولاقت الكثير من المتابعة والنقد والاهتمام على الساحة الأدبية..

فى المؤتمر الأخير للرواية اختلف النقاد والأدباء الشبان حول الصلة بين الروايات الجديدة ونهر الرواية المصرية، فادعى البعض أنكم امتداد طبيعى لنجيب محفوظ وجيله، وأكد البعض الآخر أنكم تنتمون لتيار أكثر انفتاحا على الكتابة فى العالم وأكثر تأثرا بالوسائل الرقمية(النت والشات والمدونات) برأيك أيهما أقرب إلى الصواب؟
هذا المؤتمر أثبت أنه رغم وجود إقبال كبير من القراء على الرواية، إلا أن هذا الإقبال لم ينجح فى إغراء الكتاب والنقاد والمثقفين أنفسهم بقراءة أعمال بعضهم البعض، الكتاب لم يعودوا يقرأون، صاروا يكتفون بالكتابة فقط، وهذا يجعلنى أجيب على سؤالك بأن نجيب محفوظ موجود بشكل بالغ الأهمية فى أرفف مكتبات الجميع، فقط لا غير، وأنه –بالذات- أقل الكتاب تأثيرا فى أعمال ما اصطلح على تسميته جيل الألفينات أو الكتاب الجدد –وإن كنت ضد هذه التسميات- ومعظم هذا الجيل ينظر إلى محفوظ باعتباره كاتبا كبيرا، لكنه يراه: "الله يرحمه كان كلاسيكيا قويا"، وهذا يجعلهم لا يفكرون فى إعادة قراءته، واعتباره كان يكتب فى منطقة تخصه وحده.

لكن ليس معنى هذا مقاطعة الكتاب الحاليين، بالعكس، فجيلى من الكتاب قرأ جيدا، ربما بداية من يوسف إدريس، مرورا بجيل الستينيات ومابعده، حتى معظم ما أنتجه جيل التسعينيات السابق عليه مباشرة، إضافة إلى أدب أمريكا اللاتينية والكتابات المهمة فى أوروبا وأمريكا، وهذا يظهر جيدا فى تنوع الكتابات ليس فقط بين كاتب وآخر، ولكن بين ما يكتبه الكاتب نفسه، كما أن الثقافة السنيمائية والبصرية والإلكترونية حاضرة بقوة فى هذه الأعمال.

النت والشات والمدونات تحديدا لها فضل كبير على هذا الجيل، لكن ليس من حيث التأثير فى كتاباتهم، فهذا سيظهر بشكل أوضح لدى الأجيال التالية، وإنما من حيث التعريف بهم وبأعمالهم، وفى خلق نوع من الدعاية والتواصل بينهم وبين القراء، وأرى أن هذه الوسائل سبب رئيسى فى حالة الانتعاشة القرائية فى الآونة الأخيرة. كما أن هذه الوسائل أدت إلى ظهور نوع من الكتاب الرقميين الذين نشأوا وكتبوا فى ظل هذه الطفرات التكنولوجية، حتى أصبح يمكن تقسيم الكتاب إلى كتاب ورقيين وكتاب إلكترونيين.

صرعة أكثر الكتب مبيعا وحفلات التوقيع وغيرها من مظاهر تسليع الثقافة وتحويلها لمنتج يخضع للعرض والطلب، برأيك هل ستؤثر على الكتابة الجديدة، بمعنى هل ستكتبون وفقا لمعطيات السوق أم تعتبرها موجة عابرة ؟
لا أرى مطلقا أن كل هذا التغير الذى حدث على مستوى القراءة والإقبال على شراء الكتب، والاهتمام الكبير بحضور الندوات والحصول على توقيع الكاتب، واقتصاد نقود من ميزانية القراء الفقيرة أصلا لإنفاقها على الثقافة، وغيرها من المظاهر الرائعة التى تسعد أى كاتب أو مهتم يمكن اختصارها فى كونها "تسليع"، بالعكس، الطبيعى هو ما يحدث حاليا، أو ما بدأ فى الحدوث، المشكلة فقط أن هذا جديد تماما علينا، ولهذا يتم استقباله بتوجس وريبة كما يحدث مع كل جديد، الآن أصبح لدينا قارئ مختلف، يستحق مزيدا من العناية، ليس من الكاتب فقط، وإنما من صناع الكتاب، ومن الإعلام، لا يمكن أن تظل المعادلة تسير بطرف واحد هو الكاتب إلى ما لا نهاية، الكاتب لا يكتب لنفسه، هناك قارئ يتوجه إليه، وكل هذه العزلة بين الكتاب والقراء - التى بدأت فى الذوبان حاليا - سببها كتّاب نظروا إلى الفن نظرة خاطئة، وترفعوا على القارئ، متهمين إياه بضحالة الثقافة وربما الغباء والغفلة أحيانا، ثم أبدعوا كتابات لا ترقى إلى أى مستوى فني، فأهدروا الكثير من الأوراق والأحبار فى طبعات هى إلى الآن حبيسة المخازن، لا يفكر حتى أصحاب مطاعم الفول والطعمية فى شرائها للف الساندويتشات فيها، وهؤلاء كان الأولى بهم أن يكتبوا لأنفسهم ثم يقرأوا ما كتبوه أمام المرآة بصوت عال فقط، بدلا من كل هذه الكوارث التى حملوها للعالم.

الكاتب الذى يكتب وفقا لمعطيات السوق كاتب لا يحترم نفسه ولا إبداعه، لكن فى الوقت نفسه الكاتب الذى يتعالى على القارئ هو كاتب غبي، وطوال تاريخ الفن لم يخلد إلا من يستطيع حل المعادلة، فيحافظ على رقى ما يبدعه، مع وعيه الكامل بالمشترك الإنسانى الذى يجب أن يضع يده عليه. وهذا لا يعنى أننى أنفى وجود كتاب يكتبون فقط لجمهور معين، بوصفات جاهزة، واضعين فى اعتبارهم أرقام المبيعات والأرباح والترجمة وتحول العمل إلى فيلم ثم مسلسل، وهكذا، وهؤلاء جمهورهم معروف سواء فى الداخل أو الخارج، وتصنيفهم أيضا معروف، وهم لا يمثلون واجهة للأدب العربى بأى حال.

مع طفرة قراء الروايات تحديدا كيف تنظر لقارئك ؟ كيف تفكر فى علاقتك به ؟ هل تتعامل من منظور المسافة الضرورية بينكما باعتبارك منتج السلعة وهو مستهلكها ؟ أم تنتمى للرؤية الأقدم التى ترى كليهما منتجا للنص، كل بطريقته ؟ أم تراه أهم منك، لأنك بدونه ناقص وعملك لم يخرج للنور، لم يتحقق فعليا ؟ أم ترى نفسك لست بحاجة لخطب وده بالأساس ولا الاعتناء به، منتميا لصورة المثقف النخبوى الذى يرى أن العدد فى الليمون وأن نجاح كتاب فى السوق لا يعنى جودته؟
القارئ الآن من أجمل الأشياء فى الحياة، هذا الذى يخرج من بيته ويركب المواصلات ليحضر حفل توقيع، أو يشارك فى ندوة، أو حتى ليشترى الكتاب، هذا القارئ لم يكن موجودا لدينا قبل سنوات، وقد ظهر مع جيل الكتابة الحالى، كأننا وقعنا عقدا مشتركا أننا سنكتب وأنه سيقرأ، وأنا لا أتعامل معه إلا باعتباره زميلا، فأنا فى الأساس قارئ ولست كاتبا، أنا مع كل كتب العالم مجرد قارئ، لست كاتبا إلا مع كتبي، إذن أنا مثله، إلا أنه ربما أكثر وضوحا مع نفسه فاكتفى بصفة واحدة هى كونه قارئا.

حين أكتب أكون أنا القارئ الأول، القارئ اللحظى لما أكتبه، لا أفكر فى غيري، أستمتع جدا بما أكتبه، أتحول إلى اثنين: كاتب وقارئ، وأصير أنا "كاتبى المفضل"، الكتابة لعبة ممتعة، من طرفين، إذا غاب أحدهما أصبحت لا معنى لها. وكثيرا ما يخرج قرائى المفترضين إلى الواقع ليصيروا أصدقاء، لدى الكثير من الأصدقاء الذين كانوا قراء فى وقت ما، نتبادل التليفونات ونجلس على المقهى، وكثيرا ما تحولوا إلى كتّاب فيما بعد، يكتبون ثم يقولون لي: ما رأيك فى هذا؟ فيقلبون اللعبة معى تماما، يحولوننى إلى قارئ، ويتحولون هم إلى كتّاب، وكما قيل قديما: الكتابة دول.

ولى مع القراء مواقف كثيرة طريفة، أقول لك آخرها فقط: هناك قارئة جميلة أخبرتنى مؤخرا أنها ظلت لشهور طويلة تبحث فى محلات المصوغات عن سلسلة بها لعبة على شكل دولفين يفتح فمه قليلا، كالتى كان الرجل الإيطالى يهديها لصديقاته فى روايتى سرير الرجل الإيطالي، وحين لم تجد، أوصت صائغا ليصنعها لها بهذه المواصفات، بعد أن نقلتها من الرواية فى ورقة وأعطتها له.

بالمناسبة، هل قارئ الرواية الجديد قلص كثيرا من سلطة الناقد الأدبى، الذى لم يعد معيار النجاح من عدمه؟
هذا السؤال يطرح سؤالا أهم: أين هو الناقد الأدبي؟ هل لدينا شخص ما بهذه الصفة؟ غالبا لا يوجد، وأرجوك بشدة إذا وجدت هذا الشخص أن تتصل بى حتى أحضر فورا لمشاهدته. لدينا الكثير جدا من الكتاب، وأكثر منهم بكثير من القراء، لكن السادة النقاد اختفوا فى ظروف غامضة، لدينا نقاد كبار يتعاملون على أنهم كبار، وهؤلاء لا يعرفهم أحد ولا يعرفون أحدا، وكلما سألت واحدا منهم يقول لك: "والله أنا مهتم إنى أتابع الحاجات اللى الشباب بيعملوها بس للأسف عندى مشغوليات"، ولدينا نقاد أصغر قليلا، منهم من يقبع داخل كليته، ومنهم من يحمل حقيبته ويدور بها من ندوة إلى ندوة إلى مؤتمر إلى مهرجان، ولدينا نقاد شباب مازالوا يحاولون، وفى النهاية لن تخرج سوى بأربعة أو خمسة نقاد محترمين من كل الأجيال، يقع عليهم عبء متابعة كل هذا الكم الهائل من الإصدارات، وهذا مستحيل طبعا.

وإذا كان أحد أهم أدوار النقد هو الربط بين القارئ والنص، فإن القارئ الآن استغنى عن هذا الدور، واستطاع امتلاك الوعى الذى يربطه بالنص مباشرة دون وسيط، وهذا يحسب للنص وللقارئ معا، وهذا وضع لن يتغير إلا حين يثبت لنا نقادنا الأعزاء أن لديهم شيئا جديدا يقولونه.

هل سنصير مثل صناع الأفلام نكتب ما يريده الجمهور لننجح ونشتهر؟
حتى الأفلام، لا أعتقد أن ما ينجح منها هو ما يريده الجمهور، فى الحقيقة الجمهور لا يريد شيئا بعينه، كل ما يريده هو الفن الحقيقى الذى يستطيع التواصل معه، ليس هناك شروط أكثر، لكن فى الفترات التى يختفى فيها هذا الفن الحقيقي، تظهر الأنواع الاستهلاكية، وهذه رغم الإقبال الكبير عليها لا يريدها الجمهور، وإنما يسلى نفسه بها فى انتظار الفن الحقيقي، وحين يظهر يذهب الجميع إليه مختارا، لكن المشكلة فى المبدعين الذين يعتقدون أن الجمهور يحب الاستسهال والسطحية والمباشرة، فيتخلون عن الفن لصالح مجد زائف، فيخسرون كل شيء، الجمهور أكثر وعيا مما نتخيل، ويفرّق بمنتهى السهولة بين العملتين الجيدة والرديئة. فكل القراء الذين يقبلون على الروايات السطحية التى تحقق مبيعات فلكية يعرفون تماما أنهم أمام روايات سطحية. هذه نقطة، والنقطة الأخرى أن الكاتب الذى يبحث عن الشهرة لديه قصور فى التفكير، فيمكنه أن يمثل أو يغنى أو يلعب كرة قدم أو حتى يرشح نفسه لمجلس الشعب، ففى كل هذه الأحوال سيحقق شهرة أكبر كثيرا ومن غير وجع دماغ.

لماذا يخشى كتّاب الأجيال الجديدة من الرواية الطويلة؟ ولماذا يبخلون على قرّائهم باكتمال المتعة؟ لماذا النوفيلا؟
جميل أنك طرحت هذه النقطة، فهذه قضية فى منتهى الأهمية لابد من توضيحها، وهى تضعنا أمام إشكالية غريبة: إذا كان المتر هو وحدة قياس الطول، والكيلو جرام هو وحدة قياس الوزن، والدرجة المئوية هى وحدة قياس الحرارة، فما هى وحدة قياس الرواية؟ مؤكد أنها ليست "الشبر"، ولا عدد الصفحات. الرواية الجيدة معيارها الوحيد هو كونها رواية جيدة، وهذا غير مرتبط بطولها ولا عرضها ولا عدد الساعات اللازمة لقراءتها، هل العجوز والبحر رواية أم ليست رواية؟ الغريب؟ المسخ؟ وردية ليل؟ ليس لدى الكولونيل من يكاتبه؟ الحرير؟ سيد هارتا؟ وغيرها العشرات من الروايات التى شكلت تاريخ الأدب فى العالم دون أن يتجاوز عدد صفحاتها الـ 150 أو الـ 200 صفحة، أى معيار لتقييم الأدب من خارج التجربة الفنية لامجال له هنا. وإذا كان الإبداع يقاس بالحجم فإن محاضر اجتماعات المجالس المحلية جديرة بالحصول على جائزة نوبل.

يقول سوينكا إن مهمة الأدب ليست إثارة الغبار بل مهمته إطلاق الوعى.. ما ردك على من يتهمونكم بإثارة الغبار فقط؟
أقول لمن يتهمنا بإثارة الغبار إن ما نفعله يطلق الوعى بطريقة لا غبار عليها، هناك أشخاص لا يجدون شيئا يفعلونه، يقضون أوقات فراغهم الدائمة ليس فى إثارة الغبار حتى، ولكن فى إطلاق الأحكام الزائفة والشائعات التى لا معنى لها، ومن يدعى أن الجيل الجديد من الكتاب اكتفوا بصنع ضجة مثلا، أو أنهم لم يفعلوا شيئا أو يؤثروا فى الواقع، فهذا شخص لا يرى ما تحت عينيه، فحسب التقسيم الشائع ظهر هذا الجيل مع بداية عام 2000 ، فى عقد من أهم العقود فى تاريخ مصر والعالم، كل شيء يتغير، الناس والثقافة والوعى وحتى طبائع الأشياء، وهذا الجيل محظوظ أنه جاء وسط كل هذه التغيرات، لكن ليس هناك أدنى شك فى انه يشارك فيها ويصنعها، بل ويقودها، وهذا كلام نهائي، وعلى من يقول العكس، أن يثبت صحة كلامه.

"كتاب" الرجل الإيطالى الذى يعثر عليه بطل روايتك الأخيرة "سرير الرجل الإيطالي" الذى يسكن تلك الشقة القديمة فى ذلك الحى الهادئ، تبدو وكأنها "صندوق باندورا" الذى يفتح أمام البطل والقراء دهاليز وسراديب خفية فى النفس البشرية، هذه الطريقة فى الكتابة تم استنساخها مؤخرا فى العديد من الروايات وأصبح الأمر شبيها بقصيدة النثر فى بداياتها عندما كانت كلها تشبه بعضها؟ برأيك متى ستتضح الفروق الفنية بين أبناء جيلك؟
هناك كتابة أصيلة، وكتابة مزيفة، وكتابة متأثرة بغيرها، وكتابة فيها من كتابات الآخرين أكثر مما فيها من إبداع صاحبها، الكتابة أشبه بسوق صغيرة، لكن القارئ الجيد بستطيع أن يفرق بين كل هذه الأنواع، أنا شخصيا لدى مشروع كتابى واضح منذ بداياته، من يتشابه معه فى شيء فهو المسئول عن هذا، لكن ما أعلمه جيدا هو أن الكتابة الأصيلة هى التى ستبقى، وأنا معك فى أن هناك تشابهات واضحة فى كتابات هذا الجيل، ربما يكون وراءها الاشتراك فى كل شيء، فى ظروف الحياة، والعمل، والنشأة، والروافد الثقافية، لكن أرى أن هذا طبيعى وغير مقلق، لأن كل جيل يفرز كتابه، وكل حقبة زمنية تفرز أهم الكتب التى صدرت فيها، وعملية الفرز هذه تكون دقيقة جدا، وما يخرج منها غالبا لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة، وهذا هو التحدى الحقيقي.

اعتمدت فى روايتك على مناورة لغوية جاورت فيها بين الفصحى الكلاسيكية إذا جاز التعبير والفصحى العصرية، إلى أى حد ستصل بمناورتك هذه؟ ولماذا الشغف أصلا بلعبة اللغة؟ وهل يمكن أن يصبح الحكى _وهو أقرب للفنون الشفاهية_ التيمة الأقرب لروح العصر بدلا من السرد الذى هيمن على كتابة العقدين الماضيين؟ هل تنحاز أنت شخصيا للحكى على حساب السرد؟
كتبت حتى الآن 4 روايات ومجموعة قصصية، نشرت كلها ما عدا رواية واحدة هى صلاة العزلة، واللغة عندى مكون أساسى فى منتهى الأهمية من مكونات النص الأدبي، وكل عمل فى رأيى يحتاج إلى لغة من داخله، غير منفصلة عنه، فاللغة مستويات متعددة، وأساليب السرد فيما يتعلق باللغة لا بد أن تختلف من عمل إلى آخر، واللغة هى التى تميز كاتبا عن آخر، والأسلوب هو الرجل، وفى كل أعمالى أحرص على أن تتنوع اللغة بشكل كبير، تبعا لتنوع ما تدور حوله الروايات، أعى هذا تماما منذ مجموعتى الأولى، وأنا لا أفضل الروايات القائمة على الحكي، ولا ألجأ إليه فى أعمالي، الأدب يقوم على السرد، لكن ليس هناك مانع من استخدام الحكى كتيمة إذا كانت هناك ضرورة فنية تدعو إليه.

وأحب أن أؤكد أن ظاهرة خطيرة بدأت فى الانتشار لدينا مؤخرا، وهى أن بعض الكتاب من أصحاب اللغة الرديئة والأساليب الركيكة، يقدمون أعمالهم لآخرين لتحريرها وإعادة صياغتها فى شكل أدبي، والغريب أن كثيرين صاروا يتعاملون مع هذه الظاهرة باعتبارها شيئا عاديا، وحين تبدى دهشتك يردون عليك بأن هذا يحدث فى الغرب أحيانا، وأنا أرى أن كاتبا لا يجيد الكتابة أشبه بمطرب قبيح الصوت والصورة، لم يسمع أغنية فى حياته، ثم يريد أن يواجه الجمهور بثيابه المهلهلة وشعره المنكوش وصوته النشاز، فأنى يستجاب له؟!

هل الجنس وحده سبب عدم استكمال نشر الرواية فى جريدة الدستور؟
روايتى الأخيرة سرير الرجل الإيطالى نشرت فى جريدة الدستور المستقلة قبل صدورها مباشرة، كان هذا فى بداية 2008، طلب منى الأستاذ إبراهيم عيسى رئيس تحرير الجريدة نشرها على 4 حلقات أسبوعية فوافقت، وبالفعل نشرت الحلقة الأولى وكتب أسفلها: نتابع الأسبوع القادم، ثم نشرت الحلقة الثانية وكتب أسفلها: نتابع الأسبوع القادم، لكن فى الأسبوع التالى توقف نشر الرواية، دون إخطارى ودون الاعتذار للقراء، طوال الأسبوعين كانت ترد للجريدة تليفونات وإيميلات ورسائل تطالب بوقف نشر الرواية، وأنا شخصيا كانت تصل إلى رسائل شديدة اللهجة تطالبنى بالكف عن الكتابة، ورسائل استتابة، لدرجة وصلت إلى ما يشبه التهديد بالقتل، طبعا هذا لم يؤثر معى مطلقا، لكن الجريدة كانت لها حسابات أخرى، لكننى أقدر موقف الدستور، وقد جلس معى إبراهيم عيسى وشرح لى موقفه الشخصى وأنه مع نشر الرواية بدليل أنه هو الذى طلبها، وأنا تفهمت موقفه، خاصة أنه مبدع وروائى قبل أن يكون صحفيا.

تحول موضوع الموت إلى لعبة مليئة بالإثارة والمفاجآت كالذى يحدث مع ألعاب الجرافيك أو أفلام الكارتون عندما تموت شخصياتها فلا نشعر بالشفقة أو الحزن، بل نظل مدركين أن الموت نفسه ليس سوى واحد من طرائق اللعب، هل تقصد قتل فكرة "اليقين"؟
ليس هناك فى الحياة شىء أكثر عبثية من الموت، ليس هناك سبب واحد يدعو ميتا للحزن على ميت، كلنا ميتون، فلا يجب أن يكون شعورنا نحو زملائنا الأموات هو الشفقة أو الحزن، ربما الأولى أن يكون هذا حافزا لنا لكى نموت بشكل أفضل، ربما يكون الأجدر بنا حين نقف أمام الموت أن نضحك، لأنه أفلتنا هذه المرة أيضا، وإذا كان هناك شيء يدفعنا الموت القادم لممارسته فهو الحياة، من يحيا جيدا يموت جيدا، ومن يحزن فلن يحيا، وسيموت بشكل رديء، الحياة ليس فيها ثانية واحدة زائدة لنضيعها فى الموت.








مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة