مع وصولها، فتحت أبواب كانت مغلقة منذ نحو 50 عاماً.. وصلت أخيرا وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس إلى طرابلس، فى زيارة تاريخية أبرز ما فيها لقاؤها بالزعيم الليبى العقيد معمر القذافى، الذى كان حتى الأمس القريب العدو اللدود للولايات المتحدة. تأمل رايس فى أن تحقق نجاحا دبلوماسيا نادرا لإدارة بوش، وأن تظهر لكوريا الشمالية وإيران الفوائد التى يمكن أن تحصلا عليها بتخليهما عن أسلحتهما للدمار الشامل مثلما فعلت ليبيا.
واستقبلت رايس، التى حطت طائرتها فى مطار معيتيقه العسكرى قرب طرابلس، من قبل الأمين الليبى لشؤون الأمريكتين فى الخارجية الليبية أحمد الفيتورى. وبدأت على الفور مباحثات مع نظيرها الليبى عبد الرحمن شلقم، ومن المقرر أن تشارك لاحقا الزعيم الليبى معمر القذافى مأدبة إفطار رمضانية.
ويرى المراقبون أن اهتمام أمريكا بليبيا يأتى لعدة أسباب، أبرزها النفط الليبى الذى، وبسبب مواصفاته الفنية العالية، يعد أكبر تعويض لأزمة الطاقة التى تعيشها أمريكا، خصوصا فى حالة نشوب حرب بين أمريكا وإيران، فالنفط العراقى لن يكون كافيا، وربما يكون النفط الليبى أحد الدعامات للاقتصاد الأمريكى، وهو أحد مؤشرات النزاع الأمريكى مع أوروبا عموما ومع فرنسا خصوصا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تبقى ليبيا رقما مهما فى المعادلة الأمريكية فى الشرق الأوسط، حيث أشارت رايس إلى الدور المهم الذى يمكن لليبيا أن تقوم به فى المغرب العربى وفى الاتحاد الأفريقى، مؤكدة على رغبتها فى أن تبحث مع الزعيم الليبى الوضع فى السودان حيث تقوم ليبيا بدور هام.
كما تبقى ليبيا الدولة الممانعة للانصهار فى بوتقة الاتحاد من أجل المتوسط، وهو أحد أبرز عوامل الدفع الأمريكى نحو ليبيا كشريك مهم فى الشرق الأوسط. كما أن أمريكا تريد أن تغير ليبيا على الطريقة الأمريكية، وخصوصا فى مجال حقوق الإنسان، وهو الأمر الذى ستبحثه رايس خلال لقائها القذافى، ولا سيما قضية المعارض الليبى فتحى الجهمى (66 عاما) الذى يعيش أخوه فى المنفى فى بوسطن. وترى ليبيا أن زيارة رايس تكرس عودتها إلى المسرح الدولى، وتشكل نجاحا مدويا لدبلوماسيتها الجديدة التصالحية بدفع من سيف الإسلام القذافى نجل الزعيم الليبى.
لكن بعد عشرات السنين من العلاقات المتوترة، ما زال القذافى حذرا. وقال الاثنين إن "ملف الخلاف بين الولايات المتحدة وليبيا أقفل نهائيا، ونحن لا نطمع فى صداقة أمريكا ولا فى عداوتها، فقط يتركوننا فى حالنا والمهم أن العلاقات لن تكون فيها حروب ولا غارات ولا إرهاب".
وأشاد البيت الأبيض، الجمعة، بالفصل الجديد فى العلاقات الأمريكية مع ليبيا. وقالت دانا بيرينو المتحدثة باسم البيت الأبيض إن "زيارة رايس إلى ليبيا تمثل فصلا جديدا فى العلاقات الثنائية" بين البلدين. العلاقات تغيرت فى أعقاب احتلال العراق بشهرين، بعد قرارات ليبيا التخلى عن أسلحة الدمار الشامل وقدراتها على إنتاجها.
يبقى دور النفط هاما فى شكل العلاقة بين البلدين، فمنذ منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، حيث كان السوق الأهم والأول للنفط الليبى هو السوق الأمريكى، لأن النفط الليبى من النوع الخفيف، والآن بعد رفع الحظر بدأت كميات متزايدة تأخذ طريقها إلى أمريكا وسوف تزداد هذه الكميات .
وبالتالى، سيكون النفط العنصر الهام فى العلاقات الليبية الأمريكية فى عالم يزداد فيه الاحتياج إلى الطاقة، ما سيؤدى إلى مزيد من إنتاج النفط الليبى لدخول الأسواق العالمية، وخصوصا السوق الأمريكى. وقطعت العلاقات الليبية الأمريكية فى العام 1981 بسبب دعم ليبيا المفترض للإرهاب، ولم تستأنف إلا فى 2004 بعد إعلان الزعيم الليبى تخليه عن السعى إلى حيازة أسلحة دمار شامل.
يشار إلى أن ما ساهم أيضا فى تحقق زيارة رايس لليبيا، التوقيع الشهر الماضى على اتفاق بشأن تعويضات للضحايا الليبيين والأمريكيين للنزاع بين البلدين فى ثمانينيات القرن الماضى. وازدادت العلاقات سوءا مع الولايات المتحدة عندما شن الطيران الحربى الأمريكى فى الرابع من أبريل 1986 غارات على ليبيا قصف خلالها منزل القذافى فى طرابلس، ما أدى إلى مقتل ابنته بالتبنى، بعد اتهام ليبيا بالقيام باعتداء مناهض للولايات المتحدة فى برلين الغربية.
وتحول القذافى إلى "أكبر عدو" للغرب بعد اعتداءين وجهت أصابع الاتهام فيهما لليبيا، الأول على طائرة أمريكية لشركة بأنام فوق بلدة لوكريى الاسكتلندية، والذى أسفر عن سقوط 270 قتيلا فى 21 ديسمبر 1988، والثانى على طائرة يو.تي.اى الفرنسية فوق صحراء تينيرى فى النيجر فى التاسع عشر من يوليو 1989 (170 قتيلا).
لقاء تاريخى بين خصمين - AFP
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة