لا يعرف الكثيرون عن المهندس أحمد عز سوى أنه الرجل الذى احتكر الحديد فى مصر، فرفع سعره إلى عنان السماء، وبغض النظر عن الظلم الذى تعرض له عز فى هذه المسألة، فإن هناك وجها آخر للرجل لا يعرفه إلا أعضاء الحزب الوطنى الديمقراطى، وجه أحمد عز الآخر قد يدخله التاريخ من أوسع أبوابه إذا نجح فى خطته الرامية إلى إعادة صياغة الحزب الوطنى من المربع رقم واحد.
عندما تولى أحمد عز مسئولية أمانة التنظيم فى الحزب الحاكم، اصطدم بعقبة صخرية تضرب أى حزب فى أساساته، فالحزب الحاكم رغم ثرائه الفاحش فيما يتعلق بعدد أعضائه، إلا أنه يفتقر إلى القواعد الحزبية التى تشكل القوة الأساسية لأى حزب على مستوى العالم، باعتبارها الأقدر على التغلغل فى صفوف الجماهير وتقديم الوجه الحقيقى للحزب، وليس أولئك الذين يجلسون فى مكاتبهم ولا يظهرون إلا أمام كاميرات التليفزيون.
أيقن أحمد عز أن السبيل الوحيد لكى يصل الحزب الوطنى إلى الشارع المصرى هو القيام بثورة تنظيمية تؤدى إلى تغيير أساليب العمل رأساً على عقب، بحيث يصبح أمين الوحدة الحزبية الصغيرة فى الحى أو القرية هو أهم شخصية يعتمد عليها الحزب فى تحركاته المقبلة فى الشارع السياسى، ولأن هذا "الانقلاب التنظيمى" جديد على قيادات الحزب الحاكم، حيث يضعهم طوال الوقت فى موضع تقييم واختبار لأدائهم الحزبى، فقد أحدث صدمة لديهم، لدرجة أن نسبة الذين استوعبوا أساليب العمل الجديدة لم تتجاوز 15% من القيادات الحزبية فى المحافظات.
وكان رد فعل أمين تنظيم الحزب الحاكم على ذلك عقد ورش عمل وندوات تدريبية لهيئات مكاتب الحزب فى الجمهورية، من أجل مزيد من الشرح والتوضيح لهذه الأساليب التى تعتمد أساساً على التحرك من أسفل إلى أعلى، بدلاً من الصورة القديمة التى كانت تعتمد على التحرك من أعلى إلى أسفل، والتى أدت إلى خلق كوادر حزبية خاملة ليس لديها قدرة على التحرك بين الجماهير، وبالتالى لم تنجح فى جلب أعضاء جدد للحزب الوطنى.
ولم يقتصر الأمر على ورش أحمد عز التنظيمية، بل شكل كتيبة من المتابعين والمراقبين يطوفون أسبوعياً على مقار الحزب فى المحافظات، لمتابعة تنفيذ أساليب العمل الجديدة وكيفية التعاون بين أمناء الوحدة وأمناء الأقسام والمراكز ونواب مجلس الشعب والشورى، فى حل مشاكل جماهير منطقتهم ومدى نجاحهم فى ضم أعضاء جدد وتسديد اشتراكات الأعضاء القدامى.
وكانت المفاجأة الأكبر التى هزت قيادات الحزب الوطنى، إصرار المهندس عز على تفعيل لائحة العمل الحزبى، التى تقضى بالاستغناء عن أى قيادة حزبية لن تنصهر فى بوتقة العمل ولن تقدم أى جديد فى محاضر اجتماعاتها، مؤكداً أنه لا معنى للعدد الكبير للأعضاء إذا لم يواكبه عمل يؤكد أن الحزب الوطنى ليس مجرد تنظيم على الورق، بل فكر عقائدى يطبقه فى الشارع ويلقى احترام الجماهير.
ولأن المهندس أحمد عز يدرك أن هذا الهدف لن يتحقق بسهولة وفى مدى زمنى قريب، فقد قرر أن يقوم بنفسه بزيارة مقار الحزب فى أنحاء الجمهورية وعقد جلسات عمل طويلة، اختصاراً للزمن، تحقيقاً للفائدة من ثورته التنظيمية الجديدة، وهذا ما جعل عددا كبيرا من قيادات الحزب تطلق على هذا الإلحاح بأنه "كرباج أحمد عز".
الطريف أن أساليب العمل الجديدة لم تلق ترحيباً من التنفيذيين الذين يمثلون حكومة الحزب الوطنى، لأن نجاح هذه الأساليب يعتمد على حل مشاكل الجماهير فى الوحدات الحزبية الصغيرة، والتى تظهر فى نفس الوقت تقاعس بعض الأجهزة الحكومية عن أداء مهامها وإظهار النواحى السلبية فيها، ولكن يبدو أن هذا الأسلوب الجديد يلقى مباركة من القيادات العليا للحزب بعد إدراكها أن الحزب الحاكم لا يزال بعيداً عن الهموم الحقيقية للشارع المصرى.
لكن المشكلة التى سيقع فيها أحمد عز والتى ستؤدى حتماً إلى تأخر مرحلة جنى ثمار ثورته التنظيمية، هى حالة الركود والخمول التى تصيب أمانات الحزب الأخرى، فعدا أمانة السياسات مازال الآخرون على عهدهم القديم الذى إذا لم يتغير سيشكل أثقالاً مربوطة بأقدام أمانة التنظيم، فلا تدعها تتحرك خطوة واحدة من مكانها، لذا أعتقد أن كرباج أحمد عز لن يؤتى ثماره إلا إذا أصبح أسلوب عمل موحد يعلنه رئيس الحزب أو الأمين العام، عدا ذلك ستصبح ثورة عز التنظيمية جعجعة بلا طحين.
الرجل الذى سيعيد الحياه للحزب الوطنى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة