رئيس الوزراء تجرأ على اختصاصات رئيس الجمهورية

إلغاء شركة الرعاية الصحية.. لكمة جديدة لنظيف

الجمعة، 05 سبتمبر 2008 02:06 م
إلغاء شركة الرعاية الصحية.. لكمة جديدة لنظيف الحكومة المصرية لا تشبع من لكمات الشعب
كتب محمود سعد الدين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حينما يتجرأ رئيس وزراء مصر على اختصاصات رئيس الجمهورية المحددة بالقانون، فمن الطبيعى أن يتلقى لكمة أقوى من فعلته العنترية، التى تمثلت فى اتخاذ قرار بحل الهيئة العامة للتأمين الصحى، وهذا الأمر لا يمكن له أن يتم إلا بقرار من رئيس الجمهورية، أو عن طريق مجلس الشعب.

هذه العنترية فى اقتناص صلاحيات لم الغير، كانت سببا فى تكاتف جهات عديدة، أهمها منظمات المجتمع المدنى والأحزاب والحركات الشعبية، فى توجيه لكمة قوية لقرار رئيس الحكومة المصرية، لتحصل على صافرة قضائية بإلغاء قرار رئيس الوزراء، وإلقاء فكرته الهادفة للربح فى عرض البحر.

كانت المبررات عديدة أمام جهات الاعتراض، منها: عدم تخلى الدولة عن دورها فى أداء الخدمات الصحية للمواطنين، وعدم سلامة قرارها بإسناد تلك الخدمات لأى وحدات اقتصاديه تهدف للربح، وإصدار قرار من غير ذى صفة دون عرضه على مجلس الشعب، وكانت هذه المبررات نفسها حيثيات دفعت المستشار أحمد الشاذلى بمحكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة فى جلستها المنعقدة صباح الخميس الماضى، بوقف قرار رئيس الوزراء المصرى د. أحمد نظيف، بإنشاء الشركة القابضة للرعاية الصحية، التى كان من المفترض أن تنتقل إليها كافة أصول مستشفيات وعيادات التأمين الصحى.

مارس 2007 تاريخ إصدار قرار رئيس الوزراء بإنشاء الشركة القابضة للرعاية الصحية لتحل محل الهيئة العامة للتأمين الصحى، ليترتب على ذلك تحويل الأموال العامة إلى أموال خاصة ونقل ممتلكات هيئة عامة إلى شركة من شركات قطاع الأعمال العام، وتغيير طبيعة العلاقة القانونية لموظفى هيئة التأمين الصحى بتحويلهم من موظفين عموميين إلى عاملين بإحدى شركات قطاع العام لتكون أولى الحملات الموجهة لخصخصة التأمين الصحى من قبل الحكومة.

هذا ما دفع أكثر من 20 منظمة من منظمات المجتمع المدنى والعديد من المراكز القانونيه والنقابات المهنية والأحزاب وحملات شعبية إلى معارضة هذا القرار، على رأسهم "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهى منظمة حقوقية رفعت دعوى قضائية برقم 21665 /61، فى أبريل 2007، تطالب فيها بوقف قرار رئيس الوزراء رقم 637 لسنة 2007 بإنشاء الشركة المصرية القابضة للرعاية الصحية.

خالد على المحامى بمركز هشام مبارك والمترافع فى تلك القضية أشار إلى أن رئيس الوزراء تجاوز حدود اختصاصاته وتعدى صلاحياته القانونية بإصدار هذا القرار، فطبقا لنص المادة 17 من قانون الهيئات العامة رقم 61 لسنة 1963، لا يمكن أن تحل الهيئة العامة للتأمين الصحى إلا بقرار من رئيس الجمهورية أو عن طريق مجلس الشعب.

ووصف خالد هذا القرار بأنه أولى خطوات الطريق إلى خصخصة التأمين فى مصر ليؤكد بذلك ما قاله الدكتور محمد حسن أحد مؤسسى لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، ورئيس قسم بمستشفى التأمين الصحى بمدينة نصر، والذى تمت إقالته من منصبه لاشتراكه فى وقفة احتجاجية أمام مجلس الشعب فى يونيو 2007، طالب فيها بإلغاء هذا القرار.

قال الدكتور حسن إن الهيئة العامة للتأمين الصحى تعتبر هيئة غير ربحية تم تأسيسها عام 1964 من اشتراكات المواطنين، لخدمتهم بالتكلفة العادية، بينما الشركة القابضة للرعاية الصحية تعتبر هيئة ربحية، تهدف - حسب نص المادة (11) - تعظيم العائد وزيادة الأرباح.

وطبقا لقرارإنشائها، يسرى عليها مثل ما يسرى على قطاع الأعمال العام من حيث توزيع نسبة من الأرباح على مدير الشركة ورئيس مجلس الإدارة، وهذا معناه أنهم سيرفعون تكاليف العلاج ويمصون دماء المرضى، للحصول على أقصى ربح.

ويتيح القرار أيضا للشركة القابضة أن تتصرف فى الشركات التابعة لها من مستشفيات وصيدليات وعيادات شاملة، بالبيع أوالمشاركة مع الأفراد والشخصيات الاعتبارية، وهذا معناه إمكانية بيع أصول الهيئة، ومن ثم التحول من خصخصة الإدارة إلى خصخصة البيع، فالشركة لها الحق فى شراء الأسهم وبيعها، ولها الحق فى إدارة الأصول والاستثمارات بما يعظم عوائد التشغيل، وإضافة هامش الربح على سعر تكلفة الخدمة الأساسى، مما يثقل كاهل المواطن المصرى الفقير، أى أن التأمين الصحى تحول من كيان اجتماعى إلى كيان تجارى مالى.

سعيد راتب رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحى، أدلى بتصريحات عقب إعلان الدكتور أحمد نظيف هذا القرار فى مارس 2007، أكد أن هذه الشركة تجسد حلقة من خطة استراتيجية لتحسين أداء الخدمة المقدمة للمنتفعين بالهيئة العامة للتأمين الصحى، فى محاولة لسد قصور العجز الناتج عن نقص التمويل والخسائر التى يحققها قطاع التأمين الصحى.

لكن الدكتور علاء غانم مدير عام الاستراتيجيات والسياسة الصحية بوزارة الصحة سابقا، يرد على هذا الرأى الحكومى بقوله: إن إنشاء الشركة القابضة ما هو إلا بداية حجر الأساس لخصخصة التأمين الصحى وتحويله لمجرد كيان مالى هادف للربح على حساب علاج المواطنين.

وأوضح الدكتور غانم أن الشركة التى كان نظيف قد أقر إنشاءها، لن تكون هادفة إلى تقديم الرعاية الصحية التكافلية الكاملة والتعامل مع الحق فى الصحة باعتباره سلعة تباع وتشترى، بمنطق الربح وليس خدمة تلتزم الدولة بتقديمها كحق للمواطنين على أساس تكافلى وبسعر التكلفة.

وأضاف الدكتور علاء أن ما تسعى إليه الحكومة فى ظل الشركة القابضة ما هو إلا مظلة تأمين وهمية قاصرة، تشمل فقط الرعاية الصحية الأولية، أما باقى الحالات من أمراض وجراحات وأجهزة تعويضية فسيحصل عليها المواطنون حسب شريحة التأمين التى يشتركون فيها، "ولا عزاء للفقراء من أبناء الشعب المصرى – وهم كثيرون- من مرضى القلب والفشل الكلوى والسرطان والكبد، أى أن كل علاج لكل مريض يكون على حسب نظام تأمينه ومقدار اشتراكه ليتناقض ذلك مع المبادئ الأساسية للتأمين الصحى من الرعاية الكاملة للمريض.

ويشير الدكتور غانم إلى أنه منذ إنشاء الهيئة العامة للتأمين الصحى عام 1964، وزيادة عدد مستشفياتها إلى 40 مستشفى و500 صيدلية و3000 عيادة شاملة، وزيادة عدد منتفعيها إلى 52%من مواطنى مصر.

ويلفت الدكتور غانم النظر إلى أنه رغم كثرة شكوى المواطن من بعض المشكلات فى التأمين الصحى، يشعر بأهمية الخدمة التى تقدمها هذه الهيئة عندما يصاب بمرض خطير، فقد أظهرت دراسة صادرة عن مجلس الوزراء أن نسبة رضاء الجمهور عن خدمات التأمين الصحى ترتفع إلى حوالى 75% عندما يتعلق الأمر بالأمراض الخطيرة.

ومع تحقيق هذه النسبة من الرضاء على خدمة التأمين الصحى المقدمة للمصريين، تأتى الحكومة بما لا تشتهى سفن الشعب، لتثبت أنه لا يشغلها سوى الخصخصة على الرغم من أن الهيئة حققت فائضا ماليا يتراوح بين 100 و200 مليون جنيه على حد قول حسام بهجت المدير التنفيذى للمبادرة المصرية للدفاع عن الحقوق الشخصية، الذى قال إن قرار رئيس الوزراء لا يقدم تطويرا لجودة خدمات التأمين الصحى، وإنما ينقل ملكيتها إلى جهة ربحية، أى أنه يغير فى شكل الملكية وجهة تقديم الخدمة، متجاهلا الواقع الاقتصادى والاجتماعى للمواطنين.

ووصف بهجت الحكم بأنه قرار تاريخى وقف فيه القضاء إلى جانب حق المواطنين فى الصحة، مؤكدا أن قرار المحكمة اليوم يمثل لكمة قوية فى وجه الحكومة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة