
فارق كبير بين مشهدين للممثلة وفاء عامر: الأول وهى "ترص" حجر الشيشة، وتحشو السجائر بما تيسر من "الصنف"، بملابسها القصيرة ومفاتنها البذخة، ليس مطلوباً منها أن تمثل بمشاعرها أو توظف تعبيرات وجهها، يكفى جداً أن تكون مستعدة للتعرى، أن تلوَّن صوتها بجرعة مكثفة من الخلاعة، فهذا هو أقرب طريق إلى "معدة" جمهور مراهق يبحث عن الإثارة، ومنتج لا يريد أن يعترف أن الجمهور فئات وأذواق واتجاهات.
فى المشهد الثانى كان وجهها يخلو من المساحيق، وشعرها يختفى خلف غطاء للرأس على طريقة الأم الصعيدية فى بدايات القرن الماضى، كانت تعانى سكرات الموت، وملامح وجهها تتقلص تحت وطأة ألم ساحق، كانت حبات العرق تنبت على جبينها، لكن إشراقة مفاجئة تضىء وجهها حين يزورها طيف ولدها الذى ترفض أن تغادر الدنيا دون أن تراه. تمد يدها إلى الفراغ، تحتضن طيفه، وتقبل وجهه الحبيب، كانت أصابعها تتقلص، ويدها تتحرك بصعوبة وابتسامتها تتزايد قبل أن تفارق الحياة.
نعم هى فى الحالتين وفاء عامر، لكنها فى المشهد الأول الذى أدته ضمن أحداث فيلم "الواد محروس بتاع الوزير" لعادل إمام، كانت لا تزال أسيرة مرحلة خضعت فيها لمتطلبات السوق بأسوأ معانيها، ورضيت أن تكون دمية يحركها الباحثون عن إيراد سريع ومضمون فى شباك تذاكر الخلاعة والابتزال.
المشهد الثانى لم يأت من فراغ، بل سبقته أدوار عديدة، فى التلفزيون خصوصاً، اقتربت فيها وفاء من وهج الإبداع، وعرفت فيها طعم احترام الجمهور لفنان يحترم نفسه وفنه، ويجتهد كى يترك بصمة عند الناس. حدث ذلك فى رائعة "الملك فاروق" المسلسل الذى كانت وفاء عامر إحدى أبرز نجماته فى دور الملكة نازلى. وها هى الممثلة الموهوبة لا تستنكف أن تظهر فى مسلسل ناصر فى الحلقة الأولى فقط، لتؤدى دور والدة الزعيم عبد الناصر التى تلقى حتفها وهو بعيد عنها.
هكذا لم نقف بين مشهدين، بقدر ما نحن أمام مرحلتين على طرفى نقيض، عبرت خلالهما وفاء عامر رحلة حافلة من العرى إلى الإبداع، ومن برودة الإغراء الرخيص إلى وهج التألق وحرارة التوحد.
موضوعات متعلقة..
◄محمد بركة يكتب.. تامر وشوقية ينافسان أبو تريكة
◄الصحافة المصرية ليست فى "فى إيد أمينة"
◄أحمد رزق فى "هيمه" .. الكوميديان التائه!
◄يسرا "فى إيد أمينة" ليست شيطاناً وإنما ملاكاً
◄لعنة داليا البحيرى فى "بنت من الزمن ده"
◄محمد بركة يكتب .. أسمهان تكسب!
◄الدالى ضحية نجاحه
◄محمد بركة يكتب: آسف على الخوف من المغامرة
◄حكاية الفتاة التى تزوجها محمود درويش سراً!
◄محمد بركة يكتب:مثقفون للبيع وأشياء أخرى(2من 3)
◄محمد بركة يكتب عن أمراض المثقفين (1 من 3)