المواطن وبالتحديد الناخب.. يعيش ملكاً فى الولايات المتحدة هذه الأيام.. والانتخابات القادمة فى نوفمبر هى السبب فى ذلك.. وحين ترى أساليب الحزبين الجمهورى والديمقراطى لكسب رضا "الباشا" الناخب، لا تملك سوى القول عقبالنا بحق بركة شهر رمضان. صحيح أن المواطن الأمريكى يعيش ملكاً فى بلاده على طول الخط طالما التزم بالقوانين، لكن اللافت هذه الأيام مدى حرص زعماء الحزبين الكبيرين على استمالة الناخبين بطرق تحترم عقليتهم، بعيداً عن التحايل وأسلوب "الثلاث ورقات".
وأقرب مثال.. عملية اختيار النائب لكل من المرشحين الرئاسيين الديمقراطى باراك أوباما، والجمهورى جون مكين.. أوباما كان صاحب السبق فى الكشف عن اختياره السناتور "جو بايدن" ليكون نائبه فى حالة فوزه بالرئاسة، وقبل إعلان أوباما عن اسم من وقع عليه اختياره أكد مساعدون للسناتور هيلارى كلينتون التى خسرت أمامه بعد معركة مريرة فى الانتخابات التمهيدية، أنها ليست ضمن القائمة النهائية المختصرة للأسماء التى سيختار منها أوباما نائبه، والسبب أن مساعدى أوباما لم يطلبوا على الإطلاق من كلينتون بيانات بخصوص ذمتها المالية.. أى أن طلب بيان الذمة المالية وإثبات نظافة اليد هو الشرط الأول لترشيح أى شخص لمنصب سياسى رفيع المستوى.
المسألة لا ترتبط إذن بمدى ما "سيتبرع" به هذا الشخص للحزب، ودعم الحزب بصرف النظر عن مصدر ثروته التى يغرف منها ويتبرع للحزب، والسر بالطبع أن كل المرشحين يقفون "عرايا" أمام الناخبين الأمريكيين قبل الانتخابات، ولا مجال لترشيح شخص تحيط به شبهات.
نقطة أخرى.. فقد تسرب اسم بايدن كمرشح لمنصب نائب الرئيس قبل أن تعلن ذلك حملة أوباما رسمياً، وهو ما سبب للحملة حرجاً، حيث كانت قد وعدت الناخبين بأن من يرسلون للحملة أرقام هواتفهم المحمولة سيكونون هم أول من يعلم باختيار أوباما، وبمجرد تسريب اسم بايدن للصحافة تحولت حملة أوباما إلى خلية نحل، وبذلت قصارى جهدها لإرسال رسائل نصية بأسرع ما يمكن لمن تركوا أرقام هواتفهم لإبلاغهم باسم من وقع عليه اختيار أوباما، وفاءً بالوعد الذى قطعته الحملة، وحفاظاً على مصداقيتها أمام الناخبين، وكانت النتيجة أن الرسائل وصلت لبعض الناخبين فى غرب الولايات المتحدة فى توقيت غريب "الساعة الثالثة فجراً" .. إلى هذا الحد.. تصوروا!
وإذا كان أوباما (47 عاماً) اختار سناتور مخضرماً ليكون نائبه فى محاولة لإسكات من يتهمونه بافتقاد الخبرة السياسية بسبب صغر سنه وحداثة عهده بعضوية الكونجرس، فإن المرشح الجمهورى مكين فجر مفاجأة هو الآخر باختياره "سارة بيلين" (44 عاما) حاكمة ألاسكا لتكون نائبته فى حالة فوزه بالرئاسة، وإذا كان أوباما يحاول إقناع الناخبين بأنه سيكون بجواره سياسى محنك يقدم له المشورة اللازمة، فإن مكين يحاول هو الآخر إقناعهم بأنه سيكون بجواره سياسية شابة مشهود لها بنظافة اليد، وقوة الشخصية، والقدرة على الإنجاز.
المسألة أشبه بلعبة الشطرنج، وكل طرف يحاول اختيار الخطوات التى قد تكسبه رضا الناخبين، وبالتالى الانتصار فى نهاية المطاف. هل يمكن أن يأتى اليوم الذى تجرى فيه انتخابات فى بلدنا من هذا النوع؟.. سواءً كانت رئاسية، أو برلمانية، أو حتى للمجالس البلدية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة