توابع الدويقة فى إسطبل عنتر وعزبة خير الله

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008 08:34 م
توابع الدويقة فى إسطبل عنتر وعزبة خير الله سكان إسطبل عنتر وعزبة خير الله فى العراء - تصوير أحمد إسماعيل
كتبت ماجدة سالم وأميرة ناجى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جبل شاهق بنيت عليه مئات المنازل منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت، حياتهم وأشغالهم وأملاكهم على هضبته وسفحه، تركهم المسئولون يقيمون فوقه حياتهم دون أن يمنعوهم، فشيدوا حياة كاملة، ومطلوب منهم الآن هدمها، الآن فجأة أدرك المسئولون أن الجبل خطر على أهله، وقاموا بإخلاء الكثير من المنازل أو هدمها، مما ترتب عليه تشريد مئات الأسر، لم تجد تعويضا سوى شقق بلا مرافق تقع فى مناطق نائية.

الموت أرحم
الواقع بالفعل يؤكد، أن الموت أرحم مما تفعله الحكومة بأهالى إسطبل عنتر وعزبة خير الله، والذين تشردوا فى الشوارع بعد أن أخلت الحكومة أكثر من عشرين منزلاً، بعد توفير شقق لهم فى مدافن الفيوم ومنطقة النهضة والسادس من أكتوبر، والحقيقة أنها أرغمت الأهالى على ترك منازلهم، وما نشر فى الصحف بشأن استلامهم شققاً ليس صحيحاً، لأنها عبارة عن غرفة وصالة دون مرافق أو خدمات للمحظوظين، وأما من لم يحالفهم الحظ فقد استلموا أكشاكاً خشبية.

والأكثر من ذلك الورقة الوهمية التى تسلمها الحكومة للمتضررين، وتطلق عليها "عقود" مكتوب فيها رقم الشقة الذى يساوى فى الواقع رقم كشك خشبى، وأيضاً اسم المنطقة التى تمثل منطقة نائية بعيدة عن "العمار" والمستأجر الذى يمثل صاحب المأساة "اللى اتخرب بيته"، وقيمة الإيجار التى تصل إلى سبعين جنيهاً، لمدة سنة وبعدها يشردون مرة أخرى فى الشوارع.

مشردون يرفضون المأوى
العائلات سمة تميز المناطق العشوائية، فتجد فى المنزل الواحد يعيش الجد والجدة وأولادهما بزوجاتهم وأحفادهما، فتجد أن المنزل الواحد مكون من أكثر من خمس أسر، وللأسف هذه السمة ليست بإرادتهم، وإنما ظروف الحياة وغلاء المعيشة فرضت عليهم هذا الوضع، من بينهم الحاجة سناء.. سيدة منقبة تجلس فى الشارع، وحولها أحفادها وزوجات أبنائها وبجوارهم الأثاث البسيط الذى يملكونه، تهدم منزلها وعرض الأمن عليها عقد الشقة الجديدة، إلا أنها رفضت وبكرامة شديدة الرضوخ وقبول العقد، وفضلت النوم فى الشارع عن النوم فى المقبرة التى يريدون منحها إياها، رفضت الحديث وعلى لسانها "حسبى الله ونعم الوكيل" الدعاء الشائع الذى يردده أهالى العزبة ليلا ونهارا، مستنجدين بربهم ليعينهم على "ما بلاهم".

أيضاً محمد سليمان الذى لم يختلف مصيره كثيراً عن مصير ذويه من سكان عزبة خير الله فقد هاجمته قوات الإزالة فجأة ظهر الاثنين الماضى، وأجبروه على إخلاء المنزل ليذهب هو وأسرته إلى منطقة نائية فى مدينة السادس من أكتوبر، وهى منطقة خالية أيضا من المرافق والخدمات إلا أنه اتخذ موقفاً رافضاً لهذه الشقق وقرر العودة إلى المنطقة، ولكن المفاجأة جاءت من قوات الأمن التى داهمته وهو عائد على الطريق الدائرى ومنعته من دخول المنطقة وأرغمته على العودة إلى أكتوبر مرة أخرى.

ويحكى أهل المنطقة عن أحد الذين تهدم منزلهم وذهب ليأخذ الحديد المتبقى ومواد البناء التى يمكن بيعها لتعينه على مأساته، إلا أنه تعرض للضرب من رجال الأمن فمزق العقد ورفض استلام الشقة على الرغم من أنه مشرد هو وعائلته الآن فى الشارع.

كراكون فى الشارع
بلهجة يملؤها الحسرة والانفعال تحدث أحمد كمال قائلاً "قرار الإخلاء يعنى ظهور دفعة جديدة من أطفال الشوارع، وانتشار الإجرام والبطالة والأمية والسبب حكومتنا المصون، بل إن ما يحدث فى عزبة خير الله وإسطبل عنتر هو تكرار للمأساة التى جسدها المبدع عادل إمام فى فيلم "كراكون فى الشارع".

هدية العيد
يعيش باقى الأهالى القاطنين بجوار المنازل المهدمة بإسطبل عنتر وعزبة خير الله فى حالة رعب هائل فى انتظار الهدم والطرد بين لحظة وأخرى، ويؤكدون على أن ما يحدث لا يعدو كونه هدية العيد من الحكومة لأهالى المنطقة، أسئلتهم كثيرة تدور حول كيفية تعويض الحكومة لهم عن منازلهم التى يملكونها، فمنهم من يملك منزلا مكونا من ثلاثة أو أربعة أدوار، فهل سيحصل على منزل مثله كتعويض أم أنه سيحصل على شقة غرفة وصالة وبالإيجار.

يتخوف سليمان عبد الرازق هو الآخر من الأيام المقبلة، فقد قررت الحكومة إزالة ثلاثين مترا أخرى من طرف الجبل زيادة عن المساحة التى تم إزالتها، "والكارثة ليست فى الهدم والإزالة وإنما فى تشريدنا فى الشوارع، إحنا فرحنا بالشقق الجديدة التى هتوفرها لنا الحكومة، ولكن طلع أن الشقق عبارة عن أكشاك، ومطلوب منا بعد ثلاثة أشهر أن ندفع لها إيجار سبعين جنيها فى الشهر".

الكل مرعوب
لم تجد سعدية عبد المنعم"أم أحمد"، وسيلة تعبر بها عما هى فيه سوى البكاء فهى تتخوف من الثوانى المقبلة والتى تنتظر فيها قوات الأمن لتفاجئها بغتة وتزيل منزلها الذى يقع مباشرة خلف صف المنازل التى تم إزالتها كما حدث مع باقى جيرانها، وتقول أم أحمد ببساطة شعبية "صرفت دم قلبى علشان آخد البيت ده ومديونة بتسعين ألف جنيه وشقيت على ولادى الأربعة علشان ميطلعوش بلطجية، تقوم تيجى الحكومة وتعمل فينا كده؟"، عندما تدخل منزلها تظن أنك فى قصر وذلك لأنه على حد قولها "كله سيراميك ومتوضب بالغالى اللى يرخص علشان خاطر عيالى واللى مش مهنيانى عليه الحكومة، والله حرام بقالنا عشرة أيام مش عايشين ولا حاسين بالعيد دا إحنا كنا هنموت والجرار بيهد البيوت اللى جنبنا"، تسمعها وهى تحكى كيف حرمت نفسها من كل شئ وكيف قامت بتربية أولادها، تشعر أنك لابد وأن تمنحها وسام الأم المثالية فتحكى لك على قطعة الجبنة "النستو" التى كانت تقسمها على أربعة أرغفة لتكفى أولادها وهم ذاهبون للمدرسة، أو عن البنطلون القديم الذى حولته بيدها إلى شنطة مدرسية لأحد أطفالها وتقول "أنا عشت عيشة ظلم وكلت عيش مسوس وفى الآخر رضينا بالجبل والجبل مش راضى بينا".

"هولع فى عيالى"
الحاج محمد دعا على نفسه بالموت والهلاك بدلا من الحال الذى وصل إليه، يفاجئك أنه غير معترض بالمرة على النقل من بيته، وإنما ما يؤرقه هو عدم توفير مسكن بديل مناسب، حيث يعيش فى منزله المكون من ثلاثة أدوار مع زوجته وأولاده وزوجاتهم وأحفاده منذ عام 1976.

ويتساءل "معاشى 82 جنيها وإيجار الشقة اللى عايزين يدهولنا 70 جنيها أعيش أزاى وأنا كنت مستريح فى بيتى الملك"، حلول كثيرة وجدها الحاج محمد لحالته أفضل من انتقاله للشقة البديلة، إما نقله للسجن هو وعائلته على أنهم مجرمون لأنه فى هذه الحالة سيغلق عليهم باب، أو أن يحرق أولاده، وبالفعل سألهم عن رأيهم ففضلوا الحرق قائلين "هيه موتة ولا أكتر"، وفى النهاية أكد أنه لن يخرج من منزله طالما يتنفس وطلب من الحكومة طلب غريب وهو"سيبو الناس تموت فى مكانها أحسن من الطرد، ومتدوروش علينا تحت الأنقاض".

" نائب" وصاحبه غايب
أكد على أن المنطقة غير قابلة للانهيار وأن الجبل شديد والدليل أنه تحمل زلزال 1992 دون أى أضرار تذكر، وتمنى أن يقضى عليهم الزلزال، على الأقل سيموت ويرتاح بدلاً من "البهدلة"، وعندما سألناه عن نائب الدائرة يسرى بيومى وما قدمه لأهلها أثناء الكارثة، أجاب قائلاً "كل اللى ربنا قدره عليه هو توزيع أكياس مكرونة على المتضررين، وده طبعا علشان منقولش إن مصر بتدى معونات لبلاد بره وسايبانا هنا ميتين من الجوع".

وفى النهاية نترككم مع بعض الصور التى تصف حال الأهالى والبيوت بعد انهيارها، والتى التقطناها لكم بصعوبة شديدة بسبب تدخل قوات الأمن الذى منعنا من التصوير، وانتهى الأمر بعد جدال طويل بانتصار رجال الأمن ومغادرتنا المكان مع جملة من الغريب أن تصدر عن ضابط أمن وهو يقول "هنمنعكم زى ما منعناكم فى الدويقة".





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة