لشهر رمضان طعم خاص، يكفى لمة الأهل والأصدقاء، وبنفس القدر الذى أعشق فيه الطقوس الرمضانية أكره حالتى عندما أتحول إلى كائن تليفزيونى .. لايفارق الريموت كنترول يده.
أقلب ما بين القنوات، وألهث وراء البرامج التليفزيونية والدراما الرمضانية السورية والمصرية وأحيانا الخليجية، حيث إن كل قناة حشدت أكبر قدر من المسلسلات والبرامج للنجوم الذين أصبحوا يحاصرون المتفرج دراميا وإعلانيا وبرامجيا. وفى إطار تلك المفرمة التى تضعنا فيها القنوات الفضائية والتى بتنا لا نستطيع الفكاك منها، ومن باب الاستسلام التام للحالة المسلسلاتية، يبدو أن المؤشرات الأولى للدراما المصرية متواضعة قياسا للعام الماضى.
فالنجم يحيى الفخرانى فاجأ جمهوره فى رمضان الماضى بتجربة مختلفة هى مسلسل "يتربى فى عزو" الذى كان يدور فى إطار اجتماعى كوميدى، وحقق نجاحا كبيرا، وفضل أن يعود هذا العام إلى الشخصية المثالية، "المواطن البسيط" ضحية السياسات الاقتصادية الفاشلة والفساد المتغلغل، وبالتالى فالأحداث متوقعة منذ الحلقات الأولى.
فشرف ضحية شبكة الكبار ومصالحهم، لكنه سرعان ما سيتحول إلى جزء من اللعبة حتى ينتقم ممن هدموا حياته، ولكن سيظل ليحيى الفخرانى جاذبيته وفطرته فى الأداء، وكنت أتمنى أن يملك الفخرانى جرأة العام الماضى ويفاجئ جمهوره بدور مختلف، لكن بدا أن اللعب فى المضمون هو الشعار الذى رفعه أغلب نجومنا هذا العام.
والحال لايختلف كثيرا بالنسبة للنجم نور الشريف الذى يواصل تقديم الجزء الثانى من مسلسله "الدالى"، معتمدا بشكل أساسى على استثمار نجاح الجزء الأول. والمفارقة، أن مخرج العمل يوسف شرف الدين حاول أن يوهمنا بأن هذا الجزء سيكون أكثر حيوية، حيث أخذنا إلى مواقع تصوير متعددة ومتنوعة مابين القاهرة ولندن وبلجيكا، إضافة إلى الأداء المتشنج والانفعالات الزائدة التى تصاحب أداء نور الشريف طوال مشاهده، اللهم إلا اللقطة التى ترك فيها لإحساسه العنان لحظة رؤيته حفيده "لابنه حسام".
بنفس الدأب، تواصل يسرا الإصرار على تجسيد الشخصية المثالية، فتقدم هذا العام أيضا شخصية الصحفية المناضلة المهمومة بالغلابة، وقضايا الوطن من بطالة وأطفال الشوارع والاتجار فى الأعضاء البشرية، وذلك بعد أن ذاقت نجاح مسلسها "قضية رأى عام" الذى ناقش العام الماضى قضية التحرش بالمرأة. فلماذا لا تستمر يسرا على المنوال نفسه مادامت لقيت صدى طيبا وتكريمات عدة من جمعيات نسوية وحفاوة إعلامية. لذلك فنجوم الدراما المصرية لم يخرجوا عن إطارهم التقليدى، فى حين أن الدراما السورية تشهد هذا العام تنوعا ما بين الأعمال التاريخية والبدوية والسير الذاتية والكوميدية.
وهناك مسلسل يلفت الانتباه حقا، وهو بعنوان "أناشيد المطر" يتكلم عن الحب فقط، ويجسد بطولته غسان مسعود، إضافة إلى عملين شديدى الإحكام على مستوى الصياغة الفنية والكتابة، وهما "أبو جعفر المنصور"، و"أسمهان". ورغم المشاكل التى صاحبت مسلسل "أسمهان" أثناء تصويره وقبل عرضه مباشرة، ظهر إلى النور على الشاشة بمستوى يليق بأيقونة الغناء "أسمهان"، حيث يحمل العمل بدايات قوية وصياغة درامية شديدة التميز، جاءت أقرب إلى الصياغة السينمائية، وهذا متوقع، لأن صاحب السيناريو والحوار هو المخرج السورى نبيل المالح.
وعلى نفس تميز الصياغة الورقية، جاءت الصياغة البصرية للمخرج التونسى شوقى الماجرى، حيث حول النص إلى صورة بصرية شديدة الثراء، ومليئة بالتفاصيل، إضافة إلى دقة الماكياج وتميز الأزياء والديكورات، وبالطبع تلك كلها مؤشرات أولية، ومازال الماراثون مستمرا، ولكن الانطباعات الأولى تدوم وتدوم.