أصوات ومشاهد تحفظها الذاكرة تتجدد تلقائياً، مع اقتراب شهر رمضان فى القاهرة لا فرق بين حواريها وأحيائها الراقية، فكل منها يستقبل الشهر الكريم بما هو متاح، واللافت فى رمضان القاهرة أن العد التنازلى لاستقبال رمضان دوماً يبدأ عندما يجتمع الأطفال، لتعليق زينة رمضان والفانوس، الذى يحدد حجمه ما جمعوه من جنيهات، وسرعان ما تسرى فى شوارعها طقوس استقبال رمضان لتتزين مآذن المساجد وأسوارها بعقود النور فى انتظار ليلة الرؤية.
جاذبية من نوع خاص تميز شهر رمضان فى قاهرة المعز لدين الله، الذى جاء إلى مصر فى الخامس من رمضان عام 358 هجرية، واستقباله أهلها بالفوانيس، ومنذ ذلك الوقت أصبح الفانوس رمزاً لهذا الشهر الكريم.
أحياؤها العريقة ومساجدها القديمة الأزهر والحسين وجامع عمرو وغيرها من بيوت الله التى يتجاوز عددها 3 آلاف، لتتصدر القاهرة قائمة المدن التى تحتوى على مساجد مستوى العالم.
مساجد القاهرة فى شهر رمضان، تمتلئ بحلقات الدروس بعد صلاة العصر، وفى صلاة التراويح، وهناك العديد من المساجد التى تعقد بها لقاءات. كملتقى الفكر الاسلامى، الذى يعقد فى رمضان من كل عام بالقاهرة، والذى يجمع العديد من علماء الإسلام المصريين، مع العديد من العلماء المسلمين من مختلف الدول.
علامة بارزة فى تاريخ القاهرة الرمضانى الذى يميزها عن غيرها من محافظات الجمهورية وربما العالم الإسلامى بأسره، متمثلة فى مدفع الإفطار وهناك قصص طريفة حول ارتباطه بشهر رمضان، تقول أغلبها أن انطلاقه فى وقت الإفطار حدث عن طريق الصدفة، وتروى كتب التاريخ أن محمد على كان يجرب مدفعاً جديداً، من المدافع التى استوردها لتحديث الجيش المصرى، وانطلقت أول طلقة منه فى وقت أذان المغرب فى أول أيام شهر الصيام واعتقد سكان القاهرة أن ذلك طريقة جديدة ابتكرها الوالى للتنبيه على موعد الإفطار.
وفى عهد الخديوى عباس الأول، كان ينطلق مدفعان للإفطار، الأول من القلعة والثانى من سراى عباس باشا فى حى العباسية، أما فى عهد الخديوى إسماعيل تم التفكير فى وضع المدفع فى مكان مرتفع، حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة واستقر الرأى على جبل المقطم.
مدفع رمضان أيضاً كان يحظى باحتفالية خاصة، قبل بداية الشهر الكريم، أثناء إخراجه من مخازن القلعة محمولاً على عربة تجرها الخيول فى طريقه إلى جبل المقطم، ويعود بعد نهاية رمضان وأيام العيد إلى مخازن القلعة مرة أخرى، وهكذا استمر صوت مدفع الإفطار، علامة بارزة فى الأيام الرمضانية للقاهرة، إلى أن ظهر الراديو فتوقف إطلاقه فى أحيان كثيرة، وإن ظل التسجيل الصوتى له يذاع فى الراديو والتليفزيون.
"أيام مفترجة" كما وصفها العديد من الناس، أجمل ما فيها "اللمة" على الإفطار مع الأهل، والسهر مع الأصدقاء على مقاهى القاهرة التى ترفع درجة استعدادها، بزيادة مخزونها ومقاعدها وعدد العاملين بها.
وتظل موائد الرحمن فى الميادين والشوارع الجانبية، والتى يرى العاملون بها والمنفقون عليها أنها فضل من الله، ومنهم من توارثها عن الآباء سواء كان ذلك فى الإنفاق أو العمل بها، على الرغم من انتشار "شنطة" رمضان بكثرة مؤخراً، والتى يرى البعض أنها تصل إلى المحتاج فعلاً على عكس المائدة.
فى ليالى رمضان، القاهرة لا تعرف طريقها إلى النوم إلا بعد صلاة الفجر فى أفضل الأحوال وتتنوع فيها السهرات ما بين الخيام الرمضانية والندوات واحتفاليات وأمسيات وزارة الثقافة، بالإضافة إلى الدورات الرمضانية التى تنظمها مراكز الشباب.
ولكن .. هناك بعض الملامح الرمضانية بدأت تتلاشى تدريجياً وفقاً لما قاله هيثم محمد الذى أشار إلى أن بائعى الكنافة والقطايف بدأوا فى الاختفاء من شوارع القاهرة، وأضاف أن سبب ذلك ربما يعود إلى ارتفاع أسعار الدقيق أو لتفضيل شراء الحلويات الجاهزة على المنتجات اليدوية، التى أصبحت فلكلوراً نراه فى مسلسلات التلفزيون فقط.
"مظاهر استقبال رمضان مازالت محتفظة ببهجتها، ويكفى أنك تحرص على التواجد فى المنزل فى وقت الإفطار" بهذه الكلمات بدأ محمد كامل، مشيراً إلى أن العديد من الدعوات الموجهة إلى فاعلى الخير والتى انطلقت قبل رمضان إلى اتباع أساليب جديدة فى التبرع سواء كان عن طريق شنطة رمضان التى يتم توزيعها على الفقراء والمحتاجين، أو التبرع لدور الأيتام.
وعلى السادة المقيمين خارجها مراعاة فروق التاريخ
القاهرة فى رمضان ... مدينة لا تعرف النوم
الإثنين، 29 سبتمبر 2008 12:24 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة