استحوذت الانتخابات الأمريكية على اهتمام الصحف والمهتمين الإسرائيليين، والتى كان من بينهم رون بن يشاى وناحوم بارنى وسيفر بلوكر، الكتّاب البارزين فى صحيفة "يديعوت أحرونوت"، حيث تابعوا باهتمام سير الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وركزا فى تحليلهم على المناظرة التلفزيونية الأخيرة التى جمعت السبت الماضى، كلاً من باراك أوباما المرشح الديمقراطى وبين جون ماكين المرشح الجمهورى فى انتخابات البيت الأبيض.
واهتم كتّاب "يديعوت أحرونوت" فى واحدة من سلسلة موضوعات لهم، بعقد مقارنة بين أوباما وماكين من زاوية "من سيكون ولاؤه الأكبر لإسرائيل، ومن فيهم سيكون الابن البار لها" .. والأهم من ذلك تحدثوا فى موضوعهم عن اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة وتأثيره القوى فى سير العملية الانتخابية، ولاسيما فيما يتعلق بتأثيره على المرشحين، وذلك من منطلق أن هذا اللوبى يعد من أكبر وأكثر التجمعات تأثيراً فى شئون السياسية الداخلية والخارجية بأمريكا، ويمثل أيضاً بوابة مرور الرئيسية لأى مرشح أمريكى يريد الفوز فى انتخابات الرئاسة، انطلاقاً من هيمنة أفراده (بشكل شبه كلى) على مراكز اتخاذ القرارات الاستراتيجية بالولايات المتحدة.
اليهودية والآباء المؤسسون
وتأكيداً على هذا الدور الذى يقوم به اللوبى اليهودى فى أمريكا، تحدث كتّاب يديعوت أحرونوت، فى تحليلهم، عن التأثير المحورى الذى يقوم به فى توجهات السياسة الأمريكية بشكل عام، وفى انتخابات الرئاسة الأمريكية الحالية بشكل خاص. فقد أكد الكتّاب على ارتفاع نسبة مشاركة اليهود وتأثيرها القوى فى الانتخابات الأمريكية عموماً والرئاسية على وجه التحديد .. ويستند اهتمام اليهود بهذه الانتخابات على أن الديانة اليهودية منبع ثقافى وأيدولوجى وتشريعى أيضاً للنظم السياسية، وهو الاعتقاد السائد لدى الأمريكيين منذ قرون، بالتحديد منذ إعلان "الآباء المؤسسين لأمريكا" عند قيام الولايات المتحدة الأمريكية فى القرن الـ17، مع العلم بأن الآباء المؤسسين لأمريكا كانوا شديدى الولع باليهودية ومتعصبين لها.
ويصف الكتاب واقع تأثير اليهودية فى المجتمع الأمريكى، عبر إشاراتهم إلى تمثال "صورة النبى موسى" المصنوع من الرخام والذى يوجد فى "كابيتول هيل" بالبيت الأبيض، وأيضاً إلى تمثال "النبى موسى" المصنوع من الجرانيت وهو ممسك بألواح الشريعة اليهودية، الذى يوجد فى محكمة العدل العليا الأمريكية فى ولاية أويستن، وهو التمثال الذى يمثل للقضاة الأمريكيين رمزاً للعدل والأخلاق والتنوير.
اليهودية والدستور الأمريكى
أوضح كتاب الصحيفة أيضاً أن التوراة بشكل خاص، والعهد القديم والشريعة اليهودية بشكل عام، ترسخت فى الدستور والقوانين الأمريكية، بل وشكلت ـ حسب قولهم ـ الديمقراطية الأمريكية. وهو ما أسهم فيه الآباء المؤسسون لأمريكا، لدرجة أنهم كانوا يؤمنون تماماً بأن البحر الأحمر وأجزاء من مصر ما هى إلا جزء من "أرض الميعاد" التى وعد بها اليهود فى سفر الخروج بالتوراة. كما أن واضعى الدستور الأمريكى أمدوه بالبنية السياسية للقصص المذكورة بالتوراة عن النبى موسى والأسباط الاثنى عشر "يوسف وأخوته، وعن النبى هارون، "أخو النبى موسى"، وعن شيوخ بنى إسرائيل الـ 70، ومن هنا ظهرت كلمة "الفيدرالية"، وهى الكلمة المشتقة من الكلمة اللاتينية التى تعنى "العهد".
ورفض الآباء المؤسسون أيضاً عند تأسيسهم لأمريكا، أن تكون الدولة ملكية مثل المملكة المتحدة "بريطانيا"، بسبب اتباعهم الوصايا التى جاءت فى العهد القديم للنبى صامويل والقاضى جدعون، وهى الوصايا التى ترفض الحكم الملكى اتباعاً لوصايا الرب.
ويؤكد الكتّاب أن أمريكا تعتبر أكثر الدول الغربية تأثراً باليهودية، ضاربين مثالاً على هذا بإشارتهم إلى وجود أكثر من 1000 مدينة أمريكية تحمل أسماء توراتية، مثل مدينة "القدس، وصهيون، وبيث ال دوثان، وعفراتا، وحبرون، وكنعان"، بجانب تأكيدهم على أن 86% يؤمنون بالمعتقدات المسيحية واليهودية، وأن الكنائس الأمريكية تلقى بها مواعظ وخطب يهودية فى أيام الأحد، بالإضافة إلى طبع وتوزيع حوالى 15 مليون نسخة سنوياً من العهد القديم فى الولايات المتحدة الأمريكية .. وذكر الكتاب مقولة المذيع لويل توماس الشهيرة فى 14 مايو 1948 عند إعلانه قيام إسرائيل، "لقد تم إعلان الدولة اليهودية كما أشارت التوراة إلى أنها ستقوم يوماً ما، فيأيها الأمريكيون اتخذوا التوراة مرجعاً وعقيدة تاريخية لكم".
اليهودية والرؤساء الأمريكيون
التأثير التوراتى للشريعة اليهودية ظهر بوضوح أيضاً من خلال اقتباس الرؤساء الأمريكيين لبعض تشريعات التوراة لاستخدامها فى آليات السياسة الأمريكية، مؤكدين أن التوراة يوجد بها الكثير من الفضائل والمزايا التى يجب أن تقتبس منه، وأيضاً تأثير اليهودية فى ساسة أمريكا اتضح جلياً فى يناير 2001، عند تقديم السناتور ميتش ماكونيل للرئيس جورج بوش، قائلاً له "نحن نثق فى أنك ستقودنا إلى معتقدات النبى ووصايا النبى يوشع والنبى كاليب".
وأيضاً ظهر هذا التأثير، عندما تحدث الرئيس بوش فى خطابه الذى ألقاه فى الكنيست عند زيارته الأخيرة إلى إسرائيل فى مايو 2008 عن الأنبياء إبراهيم وموسى وأرميا، وقبل ذلك، امتدح كل من الرئيس الأمريكى "المؤسس" جورج واشنطن والرئيس إبراهام لينكولن، مزامير النبى داود امتداحاً مبالغاً فيه.
وأخيراً يرى الكتاب أنه على الرغم من أن الدول الأوروبية تعتبر الديانة اليهودية منافساً وخصماً لها، فإن الولايات المتحدة والمسيحيين فيها يعتبرون اليهودية مكملة لمعتقداتهم وقيمهم الدينية، ولهذا كان من السهل جداً اندماج اليهود فى المجتمع الأمريكى، وخاصة سهولة اندماجهم فى السياسة الأمريكية، فالواقع يرصد أن مشاركة اليهود فى التصويت لمرشحى انتخابات الرئاسة الأمريكية بلغ أكثر معدلاته فى السنوات الماضية، إلى جانب التأثير اليهودى فى سير هذه الانتخابات والذى يتوقف عليه نجاح المرشح أو خسارته للانتخابات ولكرسى الرئاسة.
لمعلوماتك..
◄ زيارة السناتور باراك أوباما مرشح الحزب الديمقراطى للانتخابات الأمريكية، إلى إسرائيل كانت خير دليل على حرصه الشديد لكسب تأييد ودعم يهود الولايات المتحدة له فى حملته الانتخابية، ولأن أوباما يعرف جيداً أن تأييد يهود أمريكا له يتوقف عليه نجاحه فى الوصول للبيت الأبيض، وصل الأمر به، إلى أنه يرتدى القبعة اليهودية ويزور حائط المبكى فى إسرائيل ليستحوذ على دعم اليهود، بجانب تصريحه القبيح "القدس عاصمة إسرائيل" وذلك لإرضائهم أيضاً.
◄ عدد اليهود المعترف بهم فى الولايات المتحدة 5.27 مليون نسمة، أى ما يقرب من سكان دولة إسرائيل، ولو اعترفت أمريكا بيهودية الأمريكيين الذين آباؤهم يهوداً لأصبح عدد اليهود اليوم فى الولايات المتحدة حوالى 10 ملايين نسمة.
◄ الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون لم يكن صديقاً للطائفة اليهودية فى أمريكا، ولم يكن من الرؤساء الأمريكيين الموالين لإسرائيل التشريع، لهذا حصل فى مجلس الشيوخ الأمريكى فى عام 1968 على نحو 15٪ فقط من أصوات اليهود فى التصويت، مما أثر على مكانته سلبياً، وهو الأمر الذى جعله "يعمل على الحفاظ على شعبيته"، ويوافق على إرسال شحنات عسكرية داعمة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر1973 مع مصر، فى تحد للحظر النفطى العربى، ووحشية الضغوط من جانب اللوبى السعودى فى واشنطن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة