سعيد شعيب يكتب عن الاستعمار السورى لمصر

الأحد، 28 سبتمبر 2008 08:24 م
سعيد شعيب يكتب عن الاستعمار السورى لمصر أسمهان .. الدراما السورية تغزو الشاشة المصرية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء




* والسينما فشلت عندهم بسبب سيطرة الحكومة على إنتاجها.
* عندنا "باظت" الدراما بسبب هيمنة الحكومة على الإنتاج التليفزيونى.
* البيروقراطية الفاسدة تحالفت مع منتجين يبحثون عن الربح السريع.
* لابد أن تتحول الحكومة بتليفزيونها إلى مجرد زبون يشترى الإنتاج مثل أى زبون آخر.
أعرف أن كثيرين قلبهم "محروق" على حال الدراما التليفزيونية المصرية، وأعرف أنهم صادقون فى رغبتهم فى الدفاع عنها، بل يضطرون للدفاع عنها أحياناً بالباطل، فى مواجهة استعمار الدراما السورية وفنانيها للساحة الفنية فى مصر وفى العالم العربى. هذه الدراما السورية التى تجد من يبالغ بالباطل فى قيمتها ويرفعها لعنان السماء.
وتحول الأمر إلى أهلى وزمالك.. هل أنت مع الدراما السورية أم مع المصرية؟
هل أنت مع الفنان والمخرج السورى أم مع المصرى؟
والحقيقة أن فى الأمر مبالغات شوفينية مبنية على انحياز كل مواطن لبلده. والطبيعى أن الدراما المصرية لها عيوب ومميزات وكذلك الدراما السورية .. الأولى تتفوق فى مناطق والثانية تتفوق فى مناطق أخرى، فهذه طبيعة أى عمل إنسانى. وأزمات الدراما المصرية ليس سببها "الغزو السورى"، فهذه الأعراض مؤثرة ولكن أصل المرض عندنا نحن هنا. فعندما يصاب أولادك بالبرد، ليس الحل هو حبسهم فى البيت، ولكن الحل هو أن تكون لديهم مناعة ولياقة صحية تجعلهم قادرين على الحياة فى الشمس والهواء.
هذا أولاً .. أما ثانياً: فالأمر لا يتعلق بالقومية العربية عند الاستعانة بالفنانين السوريين، ولا يتعلق بأى شعار يتم طرحه بشكل فوقى، لا علاقة له بالواقع ولا بالناس .. ولكنه يتعلق بشكل أساسى بمصالحنا وكيفية تحقيقها، أى بشكل عملى هو: كيف يمكن أن نقوى منتجنا الفنى بكل أشكاله حتى يستطيع أن يكون منافساً قوياً؟
هذا هو الأصل فى الموضوع .. فالمشكلة الأساسية أن الدراما التليفزيونية المصرية تخنقها آليات إنتاج فاسدة أدت إلى كل هذا الانهيار الذى نعيشه، والذى لن ينقذه أن يكون هناك مسلسل جيد يجذب الناس لبعض الوقت، فهذه مجرد مصادفة واستثناء لا ينفى قاعدة أن الآليات فاسدة.
هذا لا يعنى أن الدراما التليفزيونية المصرية ماتت، كما يروج الكثير من الفنانين السوريين، وليس صحيحاً أيضاً أن الدراما السورية هى أعظم دراما فى الدنيا، كما يروج السوريون ومعهم من يحبون جلد أنفسهم "عمال على بطال" من المصريين. وهنا ندخل على ثالثاً: فكلا النظرتين فيهما مبالغة، تؤدى نوعاً من جلد الذات غير مثمر، أو تؤدى إلى سهام طائشة لا علاقة لها بالمعركة الأصلية.
طبعاً معظم الإنتاج الدرامى السورى حقق تواجداً جاداً وملموساً فى السنوات الأخيرة، وله إيجابيات مذهلة. ومن الضرورى الاستفادة منها، على رأسها الاهتمام الشديد بالصنعة والمهارة فى العمل. ففى المسلسلات التاريخية وهى الأبرز فى إنتاجهم طوال السنوات الماضية، هناك دقة شديدة فى الملابس والديكورات والتصوير والمجاميع وغيرها من التفاصيل التى تجعل هناك مصداقية فنية رفيعة المستوى.
وعلى مستوى الإخراج هناك دقة وعدم "كلفتة وكروتة"، لدرجة أنهم فى الأغلب الأعم يصورون بكاميرا واحدة، وهو ما يمنح الصورة عمقاً ومذاقاً سينمائياً. ناهيك عن التمثيل، فهناك إجادة عالية فى دراسة الشخصيات بحركاتها ولفتاتها وطبقة صوتها .. ومن الأمور اللافتة للنظر أيضاً عدم تكرار الممثلين فى أكثر من عمل، وهذا يجعل الفنان يركز فى شغله ولا ينتقل من استديو إلى استديو كما يحدث عندنا، فتجد معظم الممثلين هناك يربون ذقونهم ولا يلجأون إلى الذقون المستعارة، أى أنه متفرغ لعمل واحد، وهناك فترات تحضير طويلة سابقة للعمل من بروفات ودراسة جادة، أى وبجملة واحدة لا يوجد لديهم ميل للاستسهال.
وهذا الإتقان انتقل إلى مسلسلات مصرية أخرجها سوريون مثل مسلسل "فاروق" العام الماضى الذى أخرجه حاتم على وهذا العام مسلسل "أسمهان" الذى أخرجه شوقى الماجرى .. ولكن هذا الإتقان لم نره فى مسلسلات أخرى أخرجها سوريون مثل محمد عزيزيه الذى قدم مسلسل "قضية رأى عام" فى العام الماضى.
نعود إلى الدراما السورية والتى كما قلت معظمها متقن الصناعة، ولكن فيها عيوباً خطيرة، ففى المسلسلات التاريخية هناك إصرار على الانطلاق من مقولات سابقة التجهيز ومعروفة، وهذا يجعل المشاهد يتوقع مسبقاً الرسالة الأساسية للعمل. الأمثلة كثيرة منها "ملوك الطوائف" و"المرابطون والأندلس". كما أنها لا تتناول قضايا محلية ساخنة، ربما بسبب طبيعة السلطة الحاكمة هناك. وهذا ما جعل هذه الدراما تتميز فى الأعمال التاريخية بشكل أساسى. ولكن عندما يتناولون قضايا معاصرة يمنحونها الطابع العام وليس المحلى مثل مسلسل "المارقون" للمخرج نجدت انزورو الذى يتناول الإرهاب ولكن فى عدد من الدول العربية، لا يمكنك تحديدها. وعن معاناة الجالية العربية فى أوروبا بعد 11 سبتمبر. أو يقدمون دراما كوميدية، فهم لا يستطيعون تقديم رؤية نقدية بسقف الحريات المتاح فى مصر.
إذن لماذا تنجح الدراما السورية بالرغم من هذه العيوب؟
من المؤكد أن أحد الأسباب الهامة هى الإجادة التى شرحتها من قبل، ولكن الأساس هو آلية الإنتاج، فهو إنتاج خاص متخلص من الفساد والبيروقراطية، تكتفى فيه الحكومة وأجهزة الدولة بدور المساندة والدعم، منها الترحيب بالتصوير فى الأماكن التاريخية، وتوفير الجنود فى المعارك وغيرها وغيرها.. ويصبح هنا تليفزيون الحكومة مجرد زبون مثله مثل غيره، يشترى من القطاع الخاص ما يريد عرضه.
وهذا ينقلنا إلى الدراما المصرية والتى أعتقد أن جوهر مشكلتها هى آليات الإنتاج الفاسدة والتى أتصور أن سببها هو هيمنة الحكومة عليها مثل قطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة والتليفزيون عموماً ومدينة الإنتاج الإعلامى، فرغم أنها شركة إلا أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون الحكومى له النصيب الأكبر من الأسهم، ومن ثم فهو المتحكم فى الإدارة.
وبدأت الكارثة الكبرى عندما أصبحت السلطة القائمة هى المتحكمة فى كل سوق الإنتاج عن طريق ما يسمى بالمنتج المنفذ، وهو ما أدى إلى دخول كل من هب ودب عن طريق العمولات والرشاوى إلى مجال الإنتاج الذى يدر أرباحاً بالملايين، يقتسمها منتج لا علاقة له بالفن مع موظفين فاسدين .. وهناك أسماء كبيرة لا علاقة لها بالإنتاج كونت شركات، خصيصاً من أجل نهب الملايين فى سبوبة المنتج المنفذ، وبعد ذلك أغلق بعضهم هذه الشركات بعد أن حقق ما أراد هؤلاء ومعهم الموظفون الفاسدون تحكموا فى نوعية الموضوعات واختيار النجوم وطريقة العمل التى تستند إلى منطق المقاولة السريعة، أقل جهد وأكبر أموال ممكنة من أجل تحقيق أرباح خرافية. والدلائل على هذا لا حصر لها، خذ مثلاً نموذج إيهاب طلعت ومن بعده عبد الرحمن حافظ الرئيس السابق لمدينة الإنتاج الإعلامى.
هذا النظام الفاسد من الطبيعى ألا يهتم بالموضوعات الدرامية، ويركز على النجم أو النجمة، فهم الذين تأتى من أجلهم الإعلانات للمحطات الفضائية، وكانت النتيجة هى المبالغة المجنونة فى أجورهم وأدى أيضاً إلى كتابة المسلسلات على مقاسهم، بعيداً عن أى منطق فنى. بل ووصل الأمر الى أن يختاروا هم باقى الفريق: المخرج والمصور وغيرهم، وهذا معناه إصابة الدراما المصرية فى مقتل .. فقد كانوا يتصورون أن النجوم المصريين لا يمكن منافستهم، وبالتالى يمكن بيع المسلسلات بسهولة والحصول على العمولات .. ولكن المحطات العربية بعد قليل اكتشفت أن النجم وحده لا يكفى، وإذا حدث وأخذته، فما المانع فى أن تأخذ جواره مسلسلاًَ سورياً جيد الصنع بدون نجومية المصريين، فهى تريد جذب مشاهديها بكل السبل، ناهيك عن زيادة عدد المحطات، وبالتالى زيادة هائلة فى ساعات البث التى تحتاج لمن يملأها.
من حسنات الفضائيات أنها جعلتنا ندخل فى منافسة حقيقية بعيداً عن الاحتكار، وهو الأمر الذى يمكن أن يساهم فى إصلاح الدراما التليفزيونية بشرط إنهاء هذه الهيمنة الحكومية عليها، أى تتوقف أجهزة الإعلام الحكومية عن الإنتاج وعن لعبة المنتج المنفذ وتصبح مجرد زبون يشترى بسعر عادل العمل الجيد من منتجه.
الأمر الثانى هو إلغاء الرقابة تماماً، وترك العمل الدرامى على مسئولية صانعيه، وإذا لم يعجب المسلسل التليفزيون المصرى الذى تسيطر عليه الحكومة لا تشتريه ولا تعرضه، فليس منطقياً أن تتحكم فى طبيعة الإنتاج وهى مجرد زبون واحد من مئات الزبائن.
أى إذا أردنا النهوض مرة أخرى بالدراما المصرية فلابد، فى تقديرى، أولاً أن تترك الحكومة السوق الفنى حراً، ولا تتدخل فى الإنتاج ولا يتدخل موظفوها المرتشون بسبوبة المنتج المنفذ، ولا يفرضون رقابتهم الفاسدة على عقول الناس.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة