لم أعرف تحديداً عدد المناطق العشوائية فى القاهرة، أكبر عاصمة فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وأتحدى أن يذكر مسئول العدد الحقيقى للمناطق العشوائية التى أصبحت تحيط بالقاهرة من كل مكان على حدودها الشرقية والغربية والجنوبية والشمالى، وتتوسع وتمتد كل يوم تحت مسمع ومرأى الجميع.
والخطورة من وجهة نظرى ليس فى المناطق العشوائية فى حد ذاتها، بل فى العشوائيين الذين يسكنون تلك المناطق والتى أصبحت تمثل بؤراً إجرامية تحتضن جميع الخارجين على القانون، بل ولا أبالغ إذا قلت إن لها قوانينها الخاصة، ولغتها الخاصة، وأسلوب معيشتها الخاص، وهناك مناطق لا يمكن لقوات الأمن أن تدخلها وأصبحت تتمتع بالحكم الذاتى وتسكنها عصابات إجرامية هى التى تسيطر عليها وتفرض حكمها بالقوة عليها.
ويختلف العدد الحقيقى لسكان تلك المناطق العشوائية، إلا أنه لا يقل عن عشرة ملايين شخص يسكنون تلك المناطق سواء بصفة دائمة أو زائريين لفترات محدودة، وترتفع نسبة الأمية بينهم إلى مستويات قياسية، فى الوقت الذى يندر فيه من يصل إلى المرحلة الجامعية أو حتى مستوى التعليم المتوسط، والشىء الغريب أن جميع سكان تلك المناطق يعملون وليس بينهم بطالة متفشية، ولكن ما هى نوعية الأعمال التى يزاولونها؟ .. غالبيتها أعمال عشوائية، أيضاً يغلب عليها طابع البلطجة .. مثل سايس سيارات وسائق ميكروباص وبائع مشروبات فى أماكن تجمع العمال وبائع مواد غذائية سندوتشات على الأرصفة وماسح أحذية وعمال نظافة وبائع مناديل ورقية فى إشارات المرور، ومن الواضح أن جميع تلك الأعمال أعمال هامشية، وهى نوع من أنواع التسول المستتر ولا تمثل أى إضافة للاقتصاد القومى؛ بل حقيقة الأمر تمثل عبئاً وضغطاً كبيراً على الاقتصاد وعلى ساكنى القاهرة، والشىء الخطير أنهم أصبحوا يسيطرون على الشارع المصرى ويفروضون عليه أسلوبهم العشوائى وسلوكياتهم غير المنضبطة وردود أفعالهم اللامسئولة.
ومن النادر أن تجد من يجيد مزاولة أى مهنة من سكان تلك المناطق، خاصة وأن غالبيتهم نزح من مناطق ريفية ولم يحترفوا أى مهنة، ولذلك لجأوا إلى المهن السهلة البسيطة التى لا تحتاج إلى مهارة ولم يجدوا من يوجههم إلى مراكز تدريب التعليم المهنى.
لقد أصبح هؤلاء العشوائيون معزولين عن المجتمع واندماجهم فيه لمجرد ممارسة أعمال البلطجة وفرض الإتاوات بصورة أو بأخرى على باقى السكان، ولديهم إحساس قوى أن المجتمع لفظهم ورفض وجودهم وسلب منهم حقوقهم المشروعة فى الحياة، ولذلك فعلاقتهم بالمجتمع أصبحت تتميز بالحقد والتمرد وانتظار الفرصة للقفز والحصول على تلك الحقوق المسلوبة من وجهة نظرهم وتعاملهم ورد فعلهم تجاه المسئولين خلال أحداث الدويقة خير دليل على ذلك، وقبل أن يهتموا بدفن موتاهم راحوا يبحثون عن حقوقهم وعن كيفية استغلال هذه الكارثة، وتحقيق أقصى استفادة ممكنة، ولذلك كان هجومهم على المسئولين الذين زاروا الدويقة والمطالبة بتحقيق أحلامهم جميعاً، لدرجة أن من بين المطالب سيدة طلبت أن تحج على نفقه الدولة.
سقوط صخرة الدويقة كانت بالنسبة لهم هبة من الله أنزلها عليهم كى تتوجه أنظار المسئولين إلى تلك المنطقة المنسية، التى كانت تتمتد وتتوسع فى حضن الجبل وتحت مرأى ومسمع المحليات دون الالتفات إلى خطورة هذا الوضع السرطانى إلى أن تحققت الكارثة.
هؤلاء العشوائيون قنابل موقوتة تسير فى الطرق، من الممكن أن تنفجر فى أى لحظة وفى أى شخص ونزع فتيل تلك القنابل ليس بتوصيل المرافق إلى تلك المناطق العشوائية فحسب؛ بل الحد من التكدس السكانى فيها، وليس من المعقول أن تظل القاهرة تستقبل الوافدين إليها من الأقاليم والنازحين بلا عمل ليضيفوا أعباءً فوق أعبائها، والذين يتجهون مباشرة إلى السكن فى تلك المناطق العشوائية لماذ لا يتم توجيه النفقات التى ستنفق على تطوير تلك المناطق إلى المناطق التى ينزح منها هؤلاء؟ وإقامة مشاريع هناك تجذبهم وتمنع هجرتهم الداخلية المستمرة إلى القاهرة.
الأمر يحتاج إلى النظر فى قضية صخرة الدويقة بنظرة عميقة متأنية شاملة لترتيب جميع الأوراق المغلوطة المستمرة على مدى عشرات السنين، والتى تحتاج إلى قرارات حازمة لوقف هذا التدهور، حتى لو اضطر الأمر إلى وقف الهجرة الجبرية للقاهرة على الرغم من أننى أعرف أن ذلك مخالف للدستور؛ إلا أن تطوير المناطق الطاردة للسكان فى ريف مصر خاصة الصعيد، لن يتم إلا بالقرارات الجبرية والحازمة، وسيكون هناك ضحايا إلى حد ما، ولكن لن يكونوا بمثل أعداد ضحايا صخرة الدويقة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة