سفير د.عبدالله الأشعل

دور المثقفين فى إشكالية الأوضاع فى مصر

السبت، 27 سبتمبر 2008 01:20 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لابد أن أعترف منذ البداية بأن البحث عن مخرج يوقف التدهور فى مصر قد وصل إلى طريق مسدود، فلا أظن أن السلطة مستعدة للتسليم بأن مصر فى خطر وأن هذا الخطر قد تراكم عبر هذه السنوات بيد السلطة وتحت سمعها وبصرها، كما لا أظن أن السلطة مستعدة بأن تستمع إلى رأى المثقفين المستقلين مادامت تعتقد أن لديها جيشاً من المثقفين المستأنسين، كذلك لا أظن أن ارتباط الثورة بالسلطة يمكن أن يدفع السلطة لصالح مصر أو لغيرها إلى أن تمد يدها إلى الأصوات المخلصة التى لا تتكالب على مغنم، وهى ترى أن القارب يغرق بالجميع، ويسلم المصريون ماعدا المصريون الآخرون فى الحزب الوطنى أن مصر وصلت إلى مستوى يؤذن بانفجار اجتماعى بعد أن فشل الحكم فى إدارة البلاد.

لا أظن أننى أضيف جديداً إذا قلت إن البطالة والأسعار وانحطاط الجودة والفساد هى أقل ما تعانيه مصر الآن، ولكن الأخطر أن النظام فى مصر مُصِر على أن مصر فى أحسن أحوالها، ولا تزال وزارة الشباب تلقن الشباب ثقافة تناقض تماماً ما هو قائم، ورغم ذلك فإن الحكم يرفض الحوار للبحث عن مخرج وإنقاذ مريض نراه فى نزعه الأخير، وعار علينا أن نقف نتفرج على مصرنا الحبيبة تموت مختنقة تحت وطأة مجموعة لا أظن أنهم يدركون خطورة ما يفعلون، ولكن الذى يجب أن يقلق فعلاً هو سواد الشعب المصرى .. فكيف نحل هذا اللغز الذى تؤذن الانهيارات السريعة المتوالية باقتراب ساعة الانفجار؟

التقارير والأرقام التى يعلنها الحكم تناقض تماماً ما تعانيه مصر يومياً، ونحن مندهشون لحالة التدهور السريع التى وصلت إليها مصر، ففى السياسة الخارجية تحولت مصر من قطب إقليمى له بريقه وقدرته على الرؤية والتأثير إلى دولة من الدرجة الثالثة، فتحولت إلى أدوار سلبية، ترتب عليها ضياع هيبة مصر ومكانتها، وأصبحنا نستشعر الخطر والحذر من كل موقف يتخذه الحكم فى مجال السياسة الخارجية، وذلك كله بسبب استلاب إرادتها ولذلك يستحيل على أى دارس للسياسة الخارجية أن يتحدث عن تطور مواقف مصر، لأنها إملاءات متفرقة لا سياق لها، وصار الباحثون يهتمون بالأقطاب الجديدة الإقليمية وهى إسرائيل وإيران وتركيا وسوريا وقطر، كما أصبح الحديث عن نظام إقليمى عربى أو التضامن العربى، أو الأمن القومى العربى حديثاً مكروراً بلا مضمون.

بل رأينا نظرات الإشفاق لنا فى كل اللقاءات الدولية من إخواننا العرب والأجانب، ونحن نتوارى فلا نستطيع أن ننقد بلادنا، ولا نستطيع الدفاع عن انهيارها أو إنكاره، كما لا نستطيع تبريره، ويتساءل العرب: متى تعود مصر إلى موقعها بعد أن أصبحت أوضاعها عبئاً أخلاقياً عليهم، ولقد اتصل بى عدد من الأصدقاء العرب بمناسبة مهزلة اغتيال المغنية اللبنانية فى دبى، متسائلين كيف يعوم بعض السفهاء فى مصر على بحار من المال والتدليل، ومعظم الناس تئن من الفقر وضغوط الحياة، ولماذا يسمح النظام لهؤلاء ويقسو على الباقين، وألا تؤدى هذه القضية وأمثالها إلى انفجار الجبل؟ فأين المثقفون والعقلاء فى مصر؟
لقد تأملت كثيراً أحوال مصر وما ينتظرها بقلب حسير، وبدأت أشعر أننا نضيع وقتنا بلا طائل ونحن نتفرج على عصابة استولت عليها جسداً وقتلتها روحاً، فصار الناس يبتهلون إلى الله حتى فى المسجد الحرام وفى ليالى القدر من كل عام أن ينقذهم بعد أن عز على الجميع طرق الخلاص.

لقد بدأت أدرك لماذا شعر بعض العراقيين بالارتياح وهم يرون نظامهم القاسى الذى أمن للأمريكيين وهو يتهاوى، ولكنهم دفعوا دماءهم وأمنهم ومستقبلهم ثمن هذه اللحظات التى فرضها عليهم نظامهم، ولكن السؤال الأخطر: إلى متى يظل الحكم مصراً على كل هذا التدهور؟ وماذا سيفعل لو بدأت النيران تلتهم مصر كلها؟ وكيف تتصرف إسرائيل وأمريكا وهما يريان مصر الخطيرة وأهلها يفرون بالملايين صوب إسرائيل؟ فيجدون أن قنابلها الذرية أهون عليهم من جحيم ما يعانون، وبودى أن أرى حينذاك ماذا سيفعل سدنة هذا الحكم خاصة من طواويس الصحف القومية الذين يكتبون ويتحدثون كالرويبضة، وكأنهم يملكون الحقيقة حتى بدوا من فرط ثقتهم وكأنهم الأمناء على مصر وأن ما يحدث فيها يومياً ليس إلا حالات فردية.

إن الشعب يعانى ومثقفوه يرفضون هذه الأوضاع، ولكن الانهيار مستمر فكيف يمكن وقف هذا الانهيار وتوقى الانفجار؟ هذا هو التحدى الكبير الذى فكرت أن أسجل موقفنا للتاريخ منه، وأن نشكل لجنة من الشخصيات العامة التى ترى ما نرى ولا تطمح فى منصب أو غنيمة، بشرط أن يتوفر فى هذه الشخصيات الحكمة والبصيرة والأمل فى الخروج من المأزق، وشجاعة الدفاع عن مصالح مصر، وأن تحب هذه الشخصيات مصرنا التى دمروها وألجأوا شبابنا إلى أن يفر للموت غرقاً تحت أقدام أوروبا بعيداً عن مصرهم التى لم يعرفوها.

ولكن ماذا يفعل العقلاء وقد أبحرت السفينة بالقراصنة بعيداً عن الشاطئ، وهم لا يفهمون لغة الفكر والثقافة فهل أصبح المثقف الملتزم أضحوكة عند الحكم والشعب، فلا هو قادر على إنقاذ مصر فى نظر الشعب، وليس له تأثير عند الحكم الذى لم يعد يسمع إلا نفسه ولا يرى إلا صورته، وقد أسكره المنافقون وحاملو المباخر وأما مصر والمصريون وأما نظرات الإشفاق والشماتة فيما يحدث، فيتحملها الأحرار العاجزون.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة