تساؤلان مهمان طرحا نفسيهما بقوة على الشارع السورى، الذى أفاق اليوم السبت على حادث انفجار سيارة مفخخة أودت بحياة 17 شخصاً وجرح نحو 14 آخرين كحصيلة مبدئية جراء الحادث، فهل ستشهد سوريا هذه النوعية الجديدة من العمليات الإرهابية وما المقصود منها؟
حادث اليوم ليس الأول من نوعه، ولا يمكن وضعه فى سياق العمليات الإرهابية التقليدية، التى يقصد بها زعزعة أمن البلاد، ولا يمكن عزله فى نفس الوقت عن عمليتين سابقتين على نفس الشاكلة ،عملية اغتيال عماد مغنية "أسطورة مخابرات حزب الله"، ثم اغتيال العميد محمد سليمان المستشار الأمنى للرئيس السورى بشار الأسد.
مبدئياً، يبدو أن سوريا ستشهد بالفعل وفق العديد من المؤشرات، فصلاً جديداً مختلفاً من سلسلة هذه العمليات الانتقائية التى يقصد بها فى الغالب تصفية حسابات بعينها داخل سوريا ومع النظام السورى تحديداً، ومن المؤكد أن المسئول عن هذه العمليات جهات خارجية تتمكن بمنتهى السهولة من إحداث عمليات اختراق متكررة فى أماكن ولشخصيات سورية محددة.
دلالات المكان والزمان واختيار الشخصيات، أول الخيط فى تحليل هذه الظاهرة فى سوريا، فدلالة اختيار موقع اغتيال عماد مغنية أمام مبنى الاستخبارات السورية، وكانت الرسائل الكثيرة المقصودة من وراء الحادث، لا تختلف كثيراً عن الرسائل التى قصد منها حادث اليوم الذى وقع على طريق المطار وفى منطقة غاية فى الحساسية ويفترض أنها مؤمنة عسكرياً، حيث يوجد مركز أمنى لفرع الدوريات وفرع تابع للمخابرات العسكرية قرب المنطقة التى وقع فيها الانفجار.
وبالنسبة للشخصيات، فمن المهم القول إن تاريخ عماد مغنية كرجل حير مخابرات العالم، على مدار أكثر من ثلاثة عقود من الزمن كان مهماً إقصاؤه بعيداً عن الساحة فى ظل تكتل "إيران ـ سوريا ـ حزب الله"، وكذلك حادث اغتيال العميد سليمان الذى كان بلا أدنى شك يلعب دوراً محورياً فى المؤسسة العسكرية السورية، مهما حاول النظام السورى التعتيم على الدور الذى كان يلعبه العميد سليمان كمسئول عن مركز الأبحاث والدراسات العلمية التابع للمؤسسة العسكرية السورية، ومهمته الأصيلة فى الأونة الأخيرة إدارة أزمة الملف النووى السورى المزعوم كمستشار للرئيس، فضلاً عن التقديرات الخاصة بعمليات التسليح والقدرات الدفاعية والعسكرية، وقد تمت تصفية الرجل بإطلاق الرصاص عليه بواسطة قناص قبل أسبوع فى منتجع ساحلى بالقرب من مدينة طرطوس المطلة على ساحل البحر المتوسط.
زمنياً كان اختيار توقيت اغتيال عماد مغنية مرتبطاً بمرحلة ما بعد تقرير فينوجراد، والدور الذى لعبه بين إيران وحزب الله، فكانت رأس مغنية هى أول رد فعل للانتكاسة التى منيت بها القيادات العسكرية الإسرائيلية بعد حرب صيف 2006، ثم جاء الاغتيال الأخير لسليمان فى مرحلة ما بعد تسليم الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً يقطع بأن سوريا خارج سور النادى النووى لدول "محور الشر"، أما حادث اليوم الذى يأتى بعد أسبوع واحد من الحادث الذى سبقه، فإشارة قوية على أن هناك ثمة رسالتين يجب أن تبلغا للنظام السورى، الأولى أن مسلسل الاختراق الأمنى على هذا المستوى العالى بدا والمقصود به هو تقليم أظافر النظام وتكسير أجنحته، والأخيرة هى أن العزلة السياسية التى فرضت على النظام السورى عربياً ودولياً لابد وأن يدفع النظام السورى ثمن كسرها.
وكالعادة فلا ينتظر أن تقدم سوريا إجابات على هذه النوعية من التساؤلات، فالحوادث ذات درجة عالية من الحساسية بالنسبة للنظام، فالإجابة عليها معناها القول إن النظام نفسه هو المقصود، وإنه فشل فى تطويق حجم الخروقات الأمنية التى طالت دولة لطالما ظلت تفتخر بمدى قوتها وقدراتها الاستخبارتية، وبالتالى فالحوادث الثلاث لم تقدم حولها تقارير تقطع بمن يقف وراءها، ولن تقدم أكثر من تشكيل لجنة أمنية للتحقيق.
لكن حادث اليوم أضاف بعداً جديداً، وهو عدم استقرار سوريا، فالنتيجة فى النهاية هى قتلى وجرحى من المدنيين، حتى ولم يكن هو القصد الذى أرداه من قام بتنفيذ هذه العملية، فهل الدور الإقليمى المحورى لسوريا فى لبنان ثم سلسلة الأحداث التالية، أصبح يقتضى أن تدفع سوريا الثمن، أم أنها تدفع ثمن علاقتها مع إيران وحزب الله، حتى ولو كانت أكثر تفاؤلاً بمحادثات السلام الجارية مع إسرائيل عبر تركيا؟ وفى خضم هذه التكهنات لا يمكن تجاهل أن دمشق أجادت اللعب بكل الأوراق، فهى لم تخسر حليفتها الرئيسية طهران، ولا حزب الله، كما عززت موقفها مع دول الاتحاد الأوروبى خاصة فرنسا التى تقود الاتحاد فى الوقت الراهن، وقطر التى تعد الراعى الرسمى للتطبيع العربى الإسرائيلى فى الخليج.
تفجيرات سوريا .. تثير علامات استفهام عديدة -AFP
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة