ثلاثة محاور أساسية كانت بداية لانطلاق أول مناظرة تلفزيونية، أول مواجهة وجهاً لوجه بين المرشح الديمقراطى باراك أوباما والجمهورى جون ماكين، الواقعة جرت على أرض جامعة ميسيسيبى.
ففى مناظرة استمرت 90 دقيقة، تبادل ماكين وأوباما الطعنات حول الاقتصاد والأمن، بما يلقى الضوء على اختلافات سياسية واسعة لكن دون وقوع أخطاء فادحة أو توجيه ضربات قاضية.
وكدأب المناظرات من حيث الخلافات فقط، برزت حول أغلب القضايا التى تناولتها المناظرة، وبرز الخلاف بشكل واضح حول سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية التى تمر بها الولايات المتحدة حالياً، والسياسة الضريبية وأمن الولايات المتحدة، والوضع فى العراق وأفغانستان وإيران، إلى جانب تشكيك كل منهم بمدى أهلية الآخر فى دخول البيت الأبيض.
الاقتصاد أم العقبات أمام بوابة البيت الأبيض
على الصعيد الاقتصادى بدا الخلاف واضحاً بين الخصمين، ورغم اتفاقهما على ضرورة وضع رقابة وضوابط على الأسواق والمؤسسات المالية، إلا أن أوباما أكد على أن هذه الرقابة لا يجب التطرق إليها والنظر فيها عند وقوع أزمات فقط، بل يجب أن نفعلها بما يضمن أداء عالٍ للأسواق التى تعانى من أزمات حقيقية.
ماكين من جانبه أشار إلى أنه سيسعى للسيطرة على الإنفاق والتصدى للفساد والهدر الواضح للمال العام من قبل المؤسسات الحكومية، فى إشارة إلى الإنفاق العسكرى الكبير. وأقر بأن الاقتصاد الأمريكى يواجه مشاكل أساسية بحاجة إلى معالجة على المدى الطويل، معرباً عن ثقته بإنتاجيته وقدرة العامل الأمريكى.
وفى مجال السياسة الضريبية، أعلن ماكين أنه سيسعى إلى تخفيض الضرائب على الشركات الأمريكية، لأن الضرائب فى الولايات المتحدة، والتى تبلغ 35%، من أعلى النسب فى العالم، وبالتالى فإن تخفيضها يؤدى إلى تشجيع الشركات الأمريكية على البقاء فى الولايات المتحدة وتشغيل مزيد من اليد العاملة الأمريكية.
ورد عليه أوباما بقوله "إن خصمه يريد منح إعفاءات ضريبية للأغنياء متناسياً الفقراء"، مضيفاً أن مثل هذه السياسات هى التى أدت إلى الأزمة الحالية، داعياً إلى تخفيض الضرائب المفروضة على 95% من الأمريكيين العاديين .. واتهم ماكين أيضاً بتبنى نفس سياسات إدارة الرئيس الأمريكى بوش.
فى مجال الطاقة أعلن أوباما أن الولايات المتحدة يجب أن تتوقف عن الاعتماد على نفط الخليج خلال 10 سنوات قادمة، عن طريق إيجاد مصادر طاقة بديلة وتطوير إنتاج النفط فى الولايات المتحدة.
العراق ... البعير الذى يحتاج أن يستريح ويريح
بدت شدة الخلاف واضحة بين أوباما وماكين، رغم أن أوباما كان على ما يبدو ينتظر تلك اللحظة، غير أن ماكين بدا كأنه درس بعناية الكلمات التى سيرد عليها فى موضوع العراق. ماكين قال "دروس حرب العراق واضحة، وهى أنه لا يمكن اعتماد استراتيجية تقوم على التراجع عما حققناه، ولهذا ساندت زيادة القوات الأمريكية فى العراق، ونجحت هذه الخطة، وفى الوقت الحالى نحقق النصر فى العراق".
على النقيض فإن التراجع يعنى تشجيع العنف الطائفى، وخلق حرب أوسع قد تضطر أمريكا للعودة إلى العراق، وذكر ماكين أن القضية الكبرى التى تواجه الرئيس المقبل هى "كيف نرحل ومتى نرحل".
وأضاف ماكين "لقد قام الجنرال بتريوس بمهمة رائعة فى العراق، ونحن نحقق النصر الآن فى العراق .. جنودنا يكسبون المعركة، وهو ما يرفض أوباما الاعتراف به".
بينما رد أوباما بطريقة أدهشت المتابعين حيث قال "إننى أختلف جذرياً مع ماكين .. لقد رفضت هذه الحرب عندما كان رفضها مخاطرة سياسية .. رفضت الحرب لأسباب كثيرة منها أننا لم ننجز المهمة المطلوبة فى أفغانستان التى يتواجد على أرضها عدونا الحقيقى، أنفقنا ما يقترب من تريليون دولار فى العراق، وفقدنا 4 آلاف جندى ولدينا 30 ألف من الجرحى بينما تتدهور الأوضاع فى أفغانستان، ونعانى من أزمة مالية فى الداخل".
وقال أوباما "أؤيد استخدام القوة العسكرية، ولكن بشكل حكيم .. لقد قام الجنرال بتريوس بعمل رائع، لكنه مجرد تكتيك للسيطرة على المشكلات التى نتجت عن تدخلنا فى العراق".
أفغانستان .. بداية انفلات عقد الزمرد الأمريكى
بدا الاختلاف أقل حدة بين الطرفين فى موضوع أفغانستان، حيث قال أوباما "نحتاج إلى مزيد من القوات فى أفغانستان لأن الوضع يزداد سوءاً .. لدينا أعلى معدل إصابات بين جنودنا منذ عام 2002 .. أقترح إرسال لواءين إضافيين إلى أفغانستان". مشيراً إلى أن التركيز على العراق وإهمال أفغانستان كان خطأً استراتيجياً. وقال "لابد أن نهتم بباكستان لأنها تمثل ملاذاً آمنا للمسلحين. لا أريد مهاجمة باكستان .. لكن إذا كانت باكستان لا تستطيع السيطرة على المسلحين، فيجب أن نتدخل خاصة وأن هناك هجمات على جنودنا عبر الحدود، وإذا كانت باكستان لا تريد التعاون فيجب أن نتحرك .. لقد ساندنا الجنرال مشرف وأنفقنا 10 مليارات دولار دون فائدة".
ورد ماكين بعنف على أوباما حيث قال "لن نكرر الخطأ الذى ارتكبه الروس بمحاولة القضاء على المسلحين من أفغانستان ولا أريد تخفيض المعونات لباكستان كما لا نريد توجيه ضربات إلى باكستان، بل نريد كسب صداقة الشعب الباكستانى ولابد من تعاون الباكستانيين معنا".
واختلف المرشحان حول باكستان حيث قال أوباما، إن الولايات المتحدة يتعين أن تهاجم المتشددين هناك، إذا لم تكن باكستان مستعدة لذلك، بينما قال ماكين "إنه لا يمكنه تأييد تلك السياسة".
إيران فى أحضان سيد البيت الأبيض بين زواج عرفى أو كاثوليكى
وصلت ذروة قوة المناظرة عندما بدأ كل من المرشحين فى الحديث عن نظرته تجاه الملف النووى الإيرانى، حيث قال ماكين "إن أمريكا لا تريد هولوكوست آخر بسبب إيران ولابد أن نتحرك لمنع امتلاك إيران السلاح النووى الذى هو الهدف الرئيسى لإيران". وأضاف ماكين لقد تحدث أوباما عن الجلوس مع الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد الذى تحدث عن إزالة إسرائيل عن الخريطة دون شروط مسبقة، "كيف يحدث ذلك بالنسبة لى يمكن أن أتحدث معه لكن بشروط مسبقة، وإلا فإن هذا يعنى منحه الشرعية".
وجاء رد أوباما بشكل هادئ وسريع، حيث قال "يجب أن نعى درس الحرب فى العراق التى أدت إلى تقوية إيران، وعليه لا يمكن السماح بقوة نووية لإيران، لكن لابد من جهود دبلوماسية أقوى وأكثر مع إيران، وهذا ما أختلف مع ماكين حوله".
أرى التحدث مع نجاد إذا كان سيجعل أمريكا أكثر أمناً .. دون وجود شروط مسبقة .. بل لابد من تحضيرات لإجراء محادثات على مستوى دبلوماسى أقل، وقد لا تنجح. واستطرد قائلاً "إن إدارة بوش لم تجر مباحثات بشكل كافٍ مع كوريا الشمالية لأنها من محور الشر، وأدى هذا إلى استمرارها فى إطلاق الصواريخ ومشروعها النووى".
بدا من المناظرة أن أياً من المرشحين لم يحقق فوزاً واضحاً فى المناظرة الأولى من ثلاث جولات من المناظرات التى اعتاد الأمريكيون والعالم على مشاهدتها بين المرشحين لتسلم راية البيت الأبيض كل أربع سنوات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة