عندما نبحر فى عالم مصطفى محمود؛ تتلاقى أمواج كثيرة من الفكر والأدب، والفلسفة والتصوف، والعلم؛ فهو رجل شغل الناس بأفكاره وآرائه التى ظهرت من خلال 84 كتابًا، تتراوح بين القصة والرواية والمسرحية، والمؤلفات العلمية، والفلسفية والاجتماعية، والسياسية، وأدب الرحلات، فضلاً عن آلاف المقالات بالجرائد والمجلات المختلفة، و400 حلقة من برنامَجه التليفزيونى الشهير "العلم والإيمان".
قال عنه الشاعر الراحل كامل الشناوى: "إذا كان مصطفى محمود قد ألحد فهو يلحد على سجادة الصلاة، كان يتصور أن العلم يمكن أن يجيب على كل شيء، وعندما خاب ظنه مع العلم أخذ يبحث فى الأديان بدءا من الديانات الأرضية مثل الزرادشتية والبوذية ثم انتقل إلى الأديان السماوية، ولم يجد فى النهاية سوى القرآن الكريم".
الصحافة لا الطب
هو مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، من الأشراف، ينتهى نسبه إلى على زين العابدين –رضى الله عنه- ولد عام 1921، وكان توأما لأخ توفى فى نفس العام، وعاش مصطفى فى مدينة طنطا فى جوار مسجد "السيد البدوي" الشهير الذى يعد أحد مزارات الصوفية الشهيرة فى مصر؛ ولعل هذا ما جعل التصوف يترك عليه مسحة امتدت معه طوال حياته. بدأ حياته متفوقًا فى الدراسة، حتى ضربه مدرسٌ للغة العربية؛ فاكتأب ورفض الذهاب إلى المدرسة ثلاث سنوات، وما إن رحل ذلك المدرس عن مدرسته، حتى عاد مصطفى وبدأت تظهر موهبته وتفوقه وحبه للعلم! وفى منزل والده أنشأ معملاً صغيرًا، أخذ يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الصراصير، ثم يقوم بتشريحها، وفيما بعد -حين التحق بكلية الطب- اشتُهر بـ"المشرحجي"، نظرًا لوقوفه طول اليوم أمام أجساد الموتى، طارحًا التساؤلات حول سر الحياة والموت وما بعدهما.
مصطفى محمود فى المرصد
تخرج مصطفى محمود فى كلية الطب متفوقًا، وعلى الرغم من احترافه الطب متخصصًا فى جراحة المخ والأعصاب، فإنه كان نابغًا فى الأدب منذ كان طالبًا، وكانت تنشر له القصص القصيرة فى مجلة "روز اليوسف"، وقد عمل بها لفترة عقب تخرجه، مما دفعه لاحتراف الكتابة، وعندما أصدر الرئيس عبد الناصر قرارًا بمنع الجمع بين وظيفتين، كان مصطفى محمود وقتها يجمع بين عضوية نقابتى الأطباء والصحفيين، ولذا قرر الاستغناء عن عضوية نقابة الأطباء، وحرمان نفسه من ممارسة المهنة إلى الأبد، مفضلا الانتماء إلى نقابة الصحفيين، والعمل كأديب ومفكر.
وعندما سئل ماذا يملك الطبيب من إمكانات تشجعه على أن يكون أديبًا وفنانًا؟ أجاب بأن ”للطب علاقة وثيقة بالحياة وأسرارها وخفاياها، فالطبيب هو الوحيد الذى يحضر لحظة الميلاد ولحظة الموت، وهو الذى يضع يده على القلب ويعرف أسرار نبضه، وكل الناس يخلعون ثيابهم وأسرارهم، بين يدى الطبيب، فهو الوحيد الذى يباشر الحياة عارية من جميع أقنعتها، وبما أن الطب علم، والأدب علم، فالتكامل فى الحياة البشرية قضى بأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر، يعنى الطب والأدب، وكذلك الطبيب والأديب".
ثلاثون عاما من الغرق
فى عنفوان شبابه كان تيار المادية هو السائد، وكان المثقفون يرفضون الغيبيات، فكان من الطبيعى أن يتأثر مصطفى محمود بما حوله، ولذلك كما يقول فى أحد كتبه: ”احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق فى الكتب، وآلاف الليالى من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين“.
وبالرغم من اعتقاد الكثيرين بأن مصطفى محمود أنكر وجود الله عز وجل، فإن المشكلة الفلسفية الحقيقية التى كان يبحث عنها هى مشكلة الدين والحضارة، أو العلم والإيمان، وما بينهما من صراع متبادل أو تجاذب؛ ففى كتابه "رحلتى من الشك إلى الإيمان" ترجم لحياته الروحية قائلاً: ”إن زهوى بعقلى الذى بدأ يتفتح، وإعجابى بموهبة الكلام ومقارنة الحجج التى تفردت بها، كان هو الحافز، وليس البحث عن الحقيقة ولا كشف الصواب، لقد رفضت عبادة الله لأنى استغرقت فى عبادة نفسي، وأعجبت بومضة النور التى بدأت تومض فى فكرى مع انفتاح الوعى وبداية الصحوة من مهد الطفولة“.
وقد اقترب مصطفى محمود فى ذلك من الإمام الغزالى -رحمه الله- وما ذهب إليه فى كتابه "المنقذ من الضلال"، إذ يقول فيه: ”كان التعطش إلى إدراك حقائق الأمور دأبى وديدني، من أول أمرى وريعان عمري، غريزة وفطرة من الله وُضعتا فى جبلتي،لا باختيارى وحيلتي، حتى انحلت عنى رابطة التقليد، وانكسرت على العقائد الموروثة على قرب عهد الصبا".
هاتف اليقين
ومع هذا العقل العلمى المادى البحت بدأت رحلة مصطفى محمود فى عالم العقيدة. وعلى الرغم من هذه الأرضية المادية التى انطلق منها؛ فإنه لم يستطع أن ينفى وجود القوة الإلهية، فيقول: "تصورت أن الله هو الطاقة الباطنة فى الكون، التى تنظمه فى منظومات جميلة، من أحياء وجمادات وأراضٍ وسماوات، هو الحركة التى كشفها العلم فى الذرة وفى البروتوبلازم وفى الأفلاك، هو الحيوية الخالقة الباطنة فى كل شيء".
وكما حدثنا الغزالى عن الأشهر الستة التى قضاها مريضًا يعانى آلام الشك، حتى هتف به هاتف باطنى أعاده إلى يقين الحقيقة العقلية، وكشف له بهاء الحرية الروحية، ومكنه من معرفة الله؛ نجد مصطفى محمود يتحدث عن صوت الفطرة الذى حرره من سطوة العلم، وأعفاه من عناء الجدل، وقاده إلى معرفة الله، وكان ذلك بعد أن تعلم، فى كتب الطب أن النظرة العلمية هى الأساس الذى لا أساس سواه، وأن الغيب لا حساب له فى الحكم العلمي، وأن العلم ذاته هو عملية جمع شواهد واستخراج قوانين.
فى فترة الشباب
وهكذا كانت رحلته من الشك إلى اليقين تمهيدًا لفض الاشتباك بين العلم والإيمان، وذلك عن طريق علوّ الإنسان بالمادة إلى ما هو أبعد أفقًا وأرحب مدى. ويبدو أن هذا الأمر وراء أن يوقف جزءا كبيرا من حياته فى مشروع واحد اسمه "العلم والإيمان"، سرد مراحل هذا المشروع من خلال 8 كتب، وحينما جاءته فكرة البرنامج كان تنفيذها على أرض الواقع غاية فى الصعوبة، فقد عرضها على التليفزيون المصرى فاعتمدوا له 30 جنيها مصريًا فقط للحلقة الواحدة! فى حين أن البرنامج كان يستلزم السفر للخارج ومتابعة آخر الأبحاث، ولذا بدأ اليأس يتسرب إلى نفسه، حتى قابل رجل أعمال شهير، فحدثه فى أمر البرنامج، فإذا به يخرج دفتر الشيكات، قائلا له: "لن أناقشك فى النفقات، ولكن المهم خروج هذا العمل العلمى والدينى إلى النور".
ولاقى البرنامج نجاحًا كبيرًا، واجتذب جماهير كثيرة نظرًا لأسلوبه الذى جذب به قلوب وعقول البسطاء قبل العلماء، ولكن على الرغم من ذلك النجاح، فوجئ الدكتور محمود –بعد سنوات- بإبعاد هذا البرنامج الجماهيرى عن خريطة التليفزيون المصرى دون إبداء الأسباب.
سار مصطفى محمود على درب المفكر والأديب عباس محمود العقاد ليؤكد أن الإسلام منهج ليس من فكره الصراعُ الطبقي، بل يهدف إلى التوازن بين الفرد والمجموع، وليس إلى تذويب الأفراد فى المجموع كما فى الاشتراكية، ولا إلى التضحية بالمجموع لصالح قلة من الأفراد كما فى الفكر الرأسمالي. وأوضح أن الأيديولوجية الإسلامية تعمل على إشباع الحاجات الروحية للإنسان، وليس المادية فقط، فالمسلم حينما يتصدق أو يزكى فهو يتعامل مع الله، لما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الصدقة تقع فى يد الله قبل أن تقع فى يد المحروم، وهذا -عند مصطفى محمود- ما يعطى للمنهج الإسلامى خصوصية وسموًا فى الهدف، إذ يشعر المسلم برقابة من الله ورقابة من الضمير، وعلى ذلك فالصبغة الروحية للنشاط الاقتصادى شرط من شروط الإسلام، فليس فى الإسلام انفصال بين ما هو روحى وما هو مادي.
تصوير الأفكار
انطلاقًا من بحثه عن الحقيقة وإشباعًا لشغفه بالنفس الإنسانية وبحثه عن المجهول، تميز مصطفى محمود بفن قصصى خاص، فبإمكاناته الفنية جمع بين إحساس الأديب وإدراك الفيلسوف ومزج هذين البعدين بأسلوب عصرى فيه عمق الفكرة ودفء العبارة، فيه البصر الذى يوحى بالبصيرة، والمادى الذى يؤدى إلى المعنوي، والعبارة التى تلتقى بالرؤية كأروع ما يكون اللقاء، وكما وصفه جلال العشرى فى كتابه "مصطفى محمود شاهد على عصره" فهو ”يتعاطى الأشياء بعقله، ثم يعيها بوجدانه ثم يجسدها بقلمه، فإذا هى مسرحية أو رواية أو قصة قصيرة، فإذا هى قطعة من الواقع وشريحة من الحياة، أو هى بنية حية فيها دسم الواقع ونبض الحياة، فنه القصصى غير قابل للتمذهب، استطاع أن يفلسف حياته ويحيا فلسفته، وأن يتخذ من أزماته النفسية الحادة وزلازله الباطنية العنيفة وتجاربه الحية وخبراته الوجدانية مادة لأدبه.
حملت رواياته كثيرًا من التناقضات، لكنه التناقض الحى الذى يعبر عن تلك العملية الروحية الشاقة التى يبذلها الفنان لاستجلاء معنى الوجود، فلم يتجه فى قصصه إلى تصوير نماذج كلاسيكية من الشخصيات، وإنما اتجه إلى تصوير أفكار فى مواقف تحس وتتحرك وتطور من نفسها، فالشخصيات عنده وعاء للفكرة والقضية.
والسؤال المحورى فى قصصه القصيرة هو مشكلة تعالى الإنسان على ذاته وعلى ذوات الآخرين، أما فى رواياته فكان المشكل هو: إلى أين يريد الإنسان أن يصل؟ وألاّ يؤدى هذا العلُوّ على كل شيء إلى اللاشيء؟ وما هى المستحيلات التى لابد أن يواجهها؟ وهذه المستحيلات عنده هي: الإنسان، المجتمع، الزمن، التاريخ، وروح العصر. ويبرز ذلك الفكر فى رواياته: "المستحيل" و"الأفيون" و"العنكبوت" و"الخروج من التابوت" و"رجل تحت الصفر"، ذلك هو المنهج الفلسفى الذى بنى رواياته عليه، أما واقعية رواياته فهى المادة الحية التى يغترف منها أحداثه وشخصياته، إنه الواقع الأوسع أفقًا، الذى يمتد ليشمل كل معانى الحياة التى هى أشمل من المجتمع.
معارك..فكرية
دخل مصطفى محمود فى حياته عدة معارك، ووجهت إليه عدة اتهامات، أهمها:
اتهام منتقديه له بأن مواقفه السياسية متضاربة، تصل إلى حد التناقض فى بعض المواقف، إلا أنه لا يرى ذلك، ويؤكد أنه ليس فى موضع اتهام، وأنّ اعترافه بأنه كان على غير صواب فى بعض مراحل حياته هو ضرب من ضروب الشجاعة والقدرة على نقد الذات، وهذا شيء يفتقر إليه الكثيرون ممن يصابون بالجحود والغرور، مما يصل بهم إلى عدم القدرة على مواجهة أنفسهم والاعتراف بأخطائهم.
وتم اتهامه بالكفر فى نهاية الستينيات بعد سلسلة من المقالات، وصدور كتابه "الله والإنسان" الذى تمت مصادرته وتقديمه بعدها للمحاكمة التى طلبها الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه، بناءً على تصريح الأزهر، باعتبارها قضية كفر، وقد اكتفت لجنة المحاكمة وقتها بمصادرة الكتاب دون حيثيات، وإن كان الأمر انعكس فى عهد الرئيس أنور السادات، فقد أبلغه إعجابه بالكتاب، وطلب منه طبعه مرة أخرى، ولكنه استبدل به كتاب "حوار مع صديقى الملحد"، لتتوطد بعدها علاقته بالرئيس السادات وتدوم حتى وفاة الرئيس، وعندما طلبه السادات ليكلفه بمهام وزارة من الوزارات اعتذر قائلاً: "أنا فشلت فى إدارة أصغر مؤسسة وهى زواجي، فقد كنت مطلقًا لمرتين، فأنا أرفض السلطة بكل أشكالها".
واشتهر بهجومه المتواصل على الصهيونية، ورأيه بأن اليهود وراء هذه الشبكة الأخطبوطية للفساد والإفساد فى العالم كله، مما تسبب فى لزوم حارس بباب منزله منذ سنوات، بتكليف من وزارة الداخلية، لحراسته بعد التهديدات التى تلقاها، أو لعزله عن الحياة العامة كما رأى البعض!
ونشر فى مقالاته أفكارًا كثيرة كانت مثار جدل بين المثقفين، كدعوته إلى علم النفس القرآني، ويقصد به محاولة فهم النفس فهمًا جديدًا مؤسسًا على القرآن والسنة، وهى بمثابة محاولة للخروج بعلم نفس إسلامى جديد، ومثل تنبُئه بسقوط الحضارة الغربية وانهيار الرأسمالية وتوابعها دون أن يطلق المسلمون رصاصة واحدة، بسبب الترف والتخمة وعبادة الشهوات والغرق فى الملذات، كحضارات كثيرة ذكرها لنا التاريخ.
وتأتى الأزمة الشهيرة المعروفة باسم "أزمة كتاب الشفاعة" والتى وقعت عام 2000 لتثير الكثير من الجدل حوله وحول أفكاره، وتتلخص فكرة الكتاب فى أن الشفاعة التى سوف يشفع بها رسول الله عليه الصلاة والسلام لأمته، لا يمكن أن تكون على الصورة التى نعتقدها نحن المسلمين، ويروِّج لها علماء وفقهاء الشريعة والحديث!! إذْ الشفاعة بهذه الصورة تمثل دعوة صريحة للتواكل الممقوت شرعًا، وتدفع المسلمين إلى الركون إلى وهم حصانة الشفاعة، التى ستتحقق لنا لمجرد الانتساب إلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
وعليه ظهر مصطفى محمود وكأنه منكر لوجود الشفاعة من أساسها!! وانفجرت الثورة فى وجهه من جميع الاتجاهات، وكثرت الردود على كتابه، حتى تجاوزت 14 كتابًا أهمها كتاب الدكتور محمد فؤاد شاكر، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة عين شمس، وقد رد على إنكار الشفاعة ردًا مفحمًا وقاسيًا للغاية.
وحاول مصطفى محمود الصمود والانتصار لفكره، خاصة أنه لم يكن يقصد إساءة للدين الذى قضى جل عمره حاملاً راية الدفاع عنه، ودافع عن تصرفه بحرية الفكر والرد والاعتراف بالخطأ، إلا أن هذه الأزمة مع كبر سنه وضعف صحته أدت إلى اعتزاله الحياة الاجتماعية، فامتنع عن الكتابة إلا من مقالات بسيطة فى مجلة الشباب، وجريدة الأخبار.
ثم أصيب عام 2003 بجلطة فى المخ، أثرت على الحركة والكلام، ولكن مع العلاج تحسنت حالته الصحية، واستعاد القدرة على الحركة والنطق مرة أخرى، واستمر فى عزلته مع رفيقه الوحيد: الكتاب. وفى أحد حواراته اعتبر حياته هجرة مستمرة نحو إدراك الحياة والبحث عن الحقيقة، وكل كتاب قام بتأليفه هو محطة على طريق هذا السفر الطويل، وعلى الرغم من ذلك فهو -على حد تعبيره- مازال فى بداية الطريق، وكل ما كتبه يعد فى نظره بعيدا جدًا عن أحلامه، وبالتالى ابتعاده عن الحياة الاجتماعية لا يعنى أنه أنجز المهمة، ولكنه يعترف بالضعف البشري.
كان مصطفى محمود يحتفظ لنفسه بجدول صارم فى حياته، قائم على الزهد فى الحياة والتأمل فيها، وهو دائمًا يقرأ كل شيء سواء أكان تفسيرا أم نقدا ولا يلفت نظره اسم الكاتب فالمهم عنده موضوع الكتاب، حياته كلها كانت قراءة لدرجة أن ابنته "أمل" تقول إنهم كانوا يظنون أنه غير موجود فى المنزل بسبب اعتكافه على الكتب بالساعات، وازداد حبه للقراءة بعدما اعتزل التأليف بكل أنواعه، وكان لا يشاهد التليفزيون إلا لمتابعة الأخبار، وأصبحت عبارة "شيء مؤسف" تعليقه الوحيد على معظم ما يراه، وكان ميّالا إلى العزلة ويعترف بأنه فقد ملكة الابتكار.
خادم كلمة التوحيد
فى عام 1979 بنى مسجده الشهير "مسجد مصطفى محمود" فى منطقة المهندسين بالقاهرة، ويضم 3 مراكز طبية ومستشفى تهتم بعلاج ذوى الدخل المحدود ويقصدها الكثير من أبناء مصر نظرا لسمعتها الطبية الجيدة، وشكل قوافل للرحمة من 16 طبيبًا، وبالمركز 4 مراصد فلكية، ومتحف للجيولوجيا، ويضم أساتذةً يعطون دروسًا فيالفلك، الأساس فيها النظر والتفكر فى السماء والأرض كجزء من العبادة. ويضم المتحف مجموعة من الصخور الجرانيتية، والفراشات المحنطة بأشكالها المتنوعة وبعضالكائنات البحرية.
وقد كتب الدكتور مصطفى محمود بعد فشل زواجه الثانى مقالا شهيرا يستشهد هو به دائما يلخص فيه رؤيته للحياة يقول: "قررت بعد الفشل الثانى أن أعطى نفسى لرسالتى وهدفى كداعية إسلامى ومؤلف وكاتب وأديب ومفكر. وقد اقتنعت تماما بأن هذا قدري، ورضيت به. ومنذ هذا الحين وأنا أعيش فى جناح صغير بمسجدى بالمركز الإسلامي. أغرق وحدتى فى العمل وتعودت أن أعطى ظهرى لكل حقد أو حسد ولا أضيع وقتى فى الاشتباك مع هذه الأشياء وأفضل أن أتجنبها وأتجنب أصحابها حتى لا أبدد طاقتى فى ما لا جدوى وراءه.. انتصاراتى على نفسى هى أهم انتصارات فى حياتي.. وكانت دائما بفضل الله وبالقوة التى أمدنى بها وبالبصيرة والنور الذى نور به طريقي".
وبعد رحلة العمر استطاع مصطفى محمود تحديد هويته أخيرًا، إذ يقول: "ولو سئلت بعد هذا المشوار الطويل من أكون؟! هل أنا الأديب القصاص أو المسرحى أوالفنان أو الطبيب؟ لقلت: "كل ما أريده أن أكون مجرد خادم لكلمة لا إله إلا الله، وأن أكون بحياتى وبعلمى دالاًً على الخير".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة