حينما تنتقل وأسرتك إلى مسكن جديد، سيكون همك الأول هو نقل ابنك أو ابنتك إلى مدرسة أخرى قريبة من مسكنك الجديد، وعلى الرغم من أن مصر تطبق نظام التعليم الحكومى المجانى، فلن ينفتح أمامك طريق النقل إلا بدفع تحويشة عمرك.
التجارب هى الشاهد الوحيد على عملية التعذيب التى يتعرض لها الآباء لنقل أبنائهم من مدرسة لأخرى، وهناك من خاض التجربة وهو المهندس أشرف عبد الكريم، الذى يروى معاناته قائلاً: عندما قررت نقل ابنى من مدرسته إلى مدرسة أُخرى قريبة من منزلنا الجديد، واجهت مأساة لم أواجهها فى حياتى، "فعندما قمت بأول خطوة وهى سحب الملف من المدرسة المنقول منها ابنى كانت عملية السحب سهلة جدا ولم تحتج منى سوى مبلغ 200 جنيه للموظف المسئول عن الملفات".
وأضاف المهندس "ذهبت لمدير المدرسة المنقول إليها ابنى وقدمت طلب النقل فرفض، وطلب منى الحصول على ختم بالموافقة من الوزارة وبالفعل ذهبت فطلب موظف الوزارة ختم من المدرسة المنقول منها يؤكد موافقتها على النقل وهنا بدأت رحلتى مع الموافقات والأختام بين الرفض والقبول إلى أن رزقنى الله بـ"ابن الحلال" الذى أرشدنى إلى طريق قال عنه إنه "مكلف لكن مختصر"، وهو شراء أى مستلزمات تحتاجها المدرسة المراد نقل ابنى لها فتوجهت لمدير المدرسة - الذى سبق ورفض ابنى ـ عارضا عليه أى خدمة للمدرسة فوجدته بجرأة شديدة يطلب منى دستة كراسى خشب.
وأوضح المهندس: أن "دستة" الكراسى كانت الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامه، لإتمام العملية على خير، فاختصر المسافة واشتراها للمدرسة، وتم قبول ابنه فعلا دون لفة "أم العريس". وفى حالة أخرى، ذهبت السيدة هدى حسين لنقل ابنتها لمدرسة جديدة، طلب منها مدير المدرسة "مروحتين" سقف، واشترط أن تكون من الأنواع الغالية وعندما رفضت طلبه رفض هو بدوره قبول ابنتها فى المدرسة.
مسئول فى انتظار شكوى
المسئولون أنواع منهم من يتجاهل الأزمة ومنهم من لم يسمع عنها من الأساس مثل الدكتور شريف عمر- رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب- الذى قال "هذه المرة الأولى التى أسمع فيها عن هذا الموضوع لأنه لو بالفعل يحدث لوجدنا شكاوى من أولياء الأمور فى الوزارة"، ولأن أولياء الأمور يخشون إبلاغ الوزارة حتى لا تتعطل إجراءات نقل أبنائها، فطريق الشكاوى مغلق على الرغم من أن الشكاوى وحدها لا تكفى لتحرك المسئولين ولابد من وجود تفتيش دائم على المدارس.
فى هذا الإطار تحدث الدكتور شريف عمر "يعنى هاعين بوليس سرى على كل مدرسة ولا إيه"، وطالب كل ولى أمر أن يرسل شكوى عند تعرضه لهذا الموقف لمحاسبة المسئول عن هذا التصرف الخاطئ. ومن المسئولين من يهتم ولكنه فى انتظار شكوى مثبتة أى أن ولى الأمر يقدم شكوته ومعه شهود على الواقعة، على اعتبار أن مدير المدرسة سيطلب الرشوة أمام الناس، فيدعو الدكتور أمين أبو بكر وكيل وزارة التربية والتعليم للتعليم الأساسى كل ولى أمر أن يقوم بدور الرقيب على هؤلاء الاستغلاليين، لأن "الحرامى لن يسرق والرقيب موجود".
قال الدكتور أمين حول وجود شكاوى من هذا النوع وصلت للوزارة " لم يصلنا شكاوى بهذا الشكل" رسمى، والمواطن هو المراقب الأول والأخير فلدينا 40 ألف مدرسة نحتاج بهذا الشكل مراقب لكل واحدة، كما أشار إلى المجتمع المصرى الذى أصبحت ثقافته متدنية، حيث يستخدم أساليب غير سوية للكسب غير المشروع، وأخيرا أكد على ضرورة تعاون أولياء الأمور فى إثبات واقعة الرشوة لأنه لا يستطيع توجيه أى اتهامات لمدير المدرسة المرتشى دون إثبات وإلا فسيقاضيه.
تجربة شخصية
عندما أردت الحصول على حالات أخرى مشابهة وجدت أن كل أولياء الأمور الذين أرادوا نقل أبنائهم من مدرسة حكومية إلى أخرى، خاضوا نفس التجربة حتى والدتى نفسها مرت بها عندما أرادت نقلى من المدرسة الثانوية التى أرسلتنى لها الوزارة، فذهبت للمدرسة التى تريد نقلى إليها فطلبوا منها هى ومجموعة أخرى من أولياء الأمور الاشتراك وشراء طوب وأسمنت وحديد لبناء فصل جديد، هل تتخيل أن المدرسة تتسول لبناء فصولها؟، أمر لا يصدقه عقل فأين مجانية التعليم التى يتحدث عنها المسئولون؟ وأين الدولة المسئولة عن تحمل كافة أعباء التعليم والمسئولة عن بناء وتطوير هذه المدارس ؟!
تقليل الاغتراب
"تقليل الاغتراب" شعار ينادى به وزير التعليم العالى لتسهيل العملية التعليمية على الطلاب وتقليل النفقات وبقاء الطلاب فى نفس مكان تواجد أهلهم وإلى آخره من المميزات، ولكن ألم يأت بعد الوقت الذى ينادى فيه وزير التربية والتعليم بهذا الشعار ليبقى أطفالنا وليس طلابنا بالقرب من مساكنهم، وتصبح إجراءات انتقالهم بين مدرسة وأخرى سهلة مراعاة لظروف أولياء الأمور.
أخيرا هناك 16 مليون طالب طبقا لآخر إحصائية لوزارة التربية والتعليم، من رياض الأطفال وحتى الثانوية العامة، يغرقون فى إهمال المدارس الحكومية التى ينقصها العديد من الإمكانيات، سواء فى الأثاثات من مكاتب وكراسى أو المعامل أو الأدوات الرياضية أو المكتبات، وهنا الدعوة مفتوحة لكل ولى أمر يريد أن يساعد فى محنة المدارس الحكومية أن ينقل ابنه من المدرسة، وما سيدفعه للمدرسة الجديدة سيمثل عملا خيريا ينال عنه ثواب عظيم فى هذا الشهر الكريم.
