مع كل مشهد أو لقطة تقدمها السورية سلاف فواخرجى فى مسلسل "أسمهان"، تشعر أنك أمام ممثلة تمتلك من الطاقات الفنية الكثير، أو إذا جاز التعبير أن نطلق عليها ممثلة بألف وجه، لأنها دائماً تكون الشخصية التى تؤديها، ليس فقط على مستوى الشكل الخارجى وملامح الشخصية المرسومة على الورق.. ولكن أيضاً على مستوى التفاصيل الداخلية، لذلك لفتت الأنظار منذ بدايتها مع المخرج السورى ريمون بطرس فى فيلم "الترحال"، وتأكدت موهبتها مع السورى عبداللطيف عبدالحميد فى فيلمه شديد الرقة والتميز "نسيم الروح".
ومن خطوة إلى أخرى فى الدراما التليفزيونية يتأكد لنا أننا أمام ممثلة متفردة، ليس فقط لأنها تبذل مجهوداً واضحاً فى كل دور تجسده، بل لأنها تستطيع أن تخطف الكاميرا، إن جاز التعبير، فى حالة وقوفها أمام ممثلين عتاه وأصحاب خبرة أكثر منها بكثير، مثلما تألقت مع جمال سليمان فى مسلسل "عصى الدمع" ومع محمود عبدالعزيز فى فيلمه الأخير "ليلة البيبى دول".. ومن منا لم يستمتع بالمباراة التمثيلية بينها وبين تيم الحسن فى مسلسل "ملوك الطوائف".
وفى ظنى تملك سلاف ذكاءً فنياً خاصاًً، إذ كان من الأسهل عليها أن تستسلم لملامحها الجميلة وجسدها المتفجر أنوثة.. وتكتفى بدور "الفيديت"، ولكنها الموهبة الحقيقية والرغبة الأكيدة فى التمرد على التنميط والقولبة، والتى كثيراً ما يستسهلها صناع السينما والدراما.
وأعتقد أن دور أسمهان، والذى تجسده حالياً، جاء بمثابة تتويج حقيقى لموهبتها، ويبدو لى أنها جلست إلى نفسها كثيراً قبل الموافقة على تجسيد الدور.. لأنها تعى جيداً خطورة تجسيدها لشخصية مشهورة عاشت وملأت الدنيا صخباً وجدلا، فأسمهان ليست بالشخصية العادية.. ولكن فضول سلاف ورغبتها الأكيدة فى التحدى هما السببان الرئيسيان لقبولها الدور، وما أصعب على الفنان من أن يضع نفسه محل اختبار لموهبته وحب الآخرين ورهانهم عليه كذلك، لذلك لم تكتف سلاف -كما صرحت- بالسيناريو الذى صاغه كل من قمر الزمان علوش والمخرج نبيل المالح، بل ألقت بنفسها داخل تفاصيل أسمهان، تلك المرأة شديدة التناقض والتى عاشت حياة أقرب إلى اللغز، لذلك استحقت بحق لقب "الأسطورة" و"أيقونة الغناء".
ولم تكتف سلاف بالصياغة الدرامية المكتوبة بحرفية عالية، بل سألت واستقصت عن تفاصيل خاصة "كيف كانت تتحرك تلك المرأة، وقفتها، طلتها، كيف كانت تضحك، تشرب، تسير، كيف كانت تغني"، ويبدو أن سلاف بذلت مجهوداً مضاعفاً فى تدريب عضلات وجهها على حالة الغناء، كما توغلت سلاف إلى قلب أسمهان لتعرف كيف كانت تحب، وسر روحها المعذبة وغير المستقرة طوال الوقت.. هذا ما يتأكد لى مع كل مشهد تقدمه سلاف ويشهد تطوراً درامياً فيما يتعلق بحياة تلك الفنانة.
وكشف المسلسل كيف تمكنت سلاف باقتدار شديد من أن تمسك تفاصيل الشخصية وتعبر عن لحظاتها الانفعالية المتباينة، وهو ما يظهر جلياً فى عدة مشاهد؛ منها مشهدها مع أحمد سلامة والذى جسد دور المخرج أحمد بدرخان لحظة أن طالبته بأن يطلقها لغيرته الشديدة من نجاحها، ومشهدها عندما فشل حفلها فى رأس البر لاختلاف جمهور السميعة، وبعدها نزلت إلى المياه التى تخشاها لأنها موقنة بصدق النبوءة التى أكدت لها أن نهايتها ستكون فى المياة تماماً مثل ميلادها.. وكيف كانت تصرخ من الألم قائلة "ليه يارب حياتى كده أنا فاشلة حتى فى الغنا الحاجة الوحيدة اللى بحبها بجد"، وهى من اللحظات الدرامية الكثيرة التى بلغت فيها سلاف قمة الأداء ووصلت إلى التوحد مع الشخصية، بل إلى روح أسمهان.
ربما تهدأ روح أسمهان قليلاً بعد أن وجدت من استطاع أن يعبر عنها بصدق وينقل عذاباتها وتناقضاتها.. وتستحق سلاف لقب النجمة الأفضل فى رمضان، ليس فقط لاجتهادها وصدق الأداء وتميزه ولكن لقدرتها على امتاع الجمهور، والذى صدم فى الكثير من نجومه هذا العام، وأرجو أن يتعلموا منها الإخلاص الحقيقى لمهنة التمثيل.. وأتمنى أن تواصل سلاف نفس ذكاء اختياراتها فى المرحلة المقبلة، ولا ترتبك من حالة النجاح الكبير التى حققتها مع أسمهان، مثلما حدث مع صابرين عندما جسدت شخصية أم كلثوم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة