وتمضى كارثة الدويقة كغيرها من الكوارث لا حساب لمسئول، ولا كلام عن تقصير حكومى، ولا وزير يعلن مسئوليته، بل توجهت كل الأسنة صوب الضحايا بوصفهم المذنبين، وسمعنا كلاما مازال معلقا فى الهواء، مثل حصول الحكومة على منحة من ألمانيا وأخرى من صندوق أبوظبى تقدر بنحو مائة وثلاثين مليون دولار عقب انهيار الكتلة الصخرية بالمقطم عام 1993، لإقامة ستة آلاف وحدة سكنية وسنترال ومستشفى ومركز شباب ولم يحدث شىء من هذا.
التزمت الحكومة الصمت أمام كل هذا الكلام، وبالتالى يبقى الاتهام قائما، لتضيف تأكيدا على أن الكارثة بكل تفاصيلها هى عنوان مرحلة إهمال وتقصير دون حساب، ولو عدنا إلى الكارثة المشابهة والتى وقعت عام 1993 لاكتشفنا عمق المأساة فوقتها وقعت صخرة، وراح عشرات الضحايا، وانطلقت بعدها التصريحات الحكومية التى تشير إلى الاعتزام عن تنمية المنطقة وبناء المساكن، والقضاء على العشوائيات فيها، ولكن على طريقة المثل الشعبى "كلام الليل مدهون بزبدة ".
لم تحدث التنمية الموعودة ولم تبن المساكن، ودخلت القصة كلها طى النسيان، حتى جددتها صخرة أعلنت عن غضبها، وأخذت فى طريقها عشرات الضحايا، وفى فعل مثل هذا وفى بلد يحترم وعوده وقوانينه، يجب أن نأتى أولاً بكل الوعود التى انطلقت عقب الكارثة السابقة، وكل كلام أطلقه أى مسئول فى موقعه، ويتم الحساب عليه، لا يكفى أسلوب رد الفعل والارتكان إلى غضب الطبيعة كتفسير يرفع الحرج عن المقصرين، ويحيل عوراتنا إلى أسباب قدرية والقدر منها برئ.
الكارثة لا تتحمل مسئوليتها الحكومة وفقط، وإنما كشفت عن ترهل نظامنا السياسى بأكمله، فأين كانت الأحزاب طوال السنوات السابقة وقد جاءتها الفرصة للعمل وسط جماهير لم تنفعها الحكومة فى شئ، جاءتها الفرصة لتطلق أفكارها على أرض الواقع، لكنها وكعادتها أدمنت الفرجة والبقاء فى غرفها المغلقة، وتحميل الحكومة كل الأسباب، جلست الأحزاب لا لتبحث أسباب كوارثها وكيفية الخروج من مأزقها، وإنما فى كيفية الاستمرار ظلاً للحكومة حتى يضمن قادتها البقاء فى مناصبهم، ومن الأحزاب إلى جماعات المجتمع المدنى كشفت الكارثة اعوجاج أجندتهم، وضيق أفقهم فطوال السنوات السابقة لم نسمع عن برنامج تنموى واحد لهذه الجماعات يعمل على معالجة الفقر ويقيم المشروعات التى تفيد أبناء المنطقة، وظلت تواصل معاركها عن الخيتان والتعذيب وبالرغم من أهمية كل هذه القضايا إلا أنها ظلت وكأنها اليقين لدى هذه الجماعات، وبالتالى لم يرق قلبها أمام محنة أهل الدويقة وأمثالهم.
ولم يلفت نظر الحكومة أيضا محنة الفقر التى تعشش أرجاء المنطقة، ومضت فى أجندتها التى تفرضها أموال التمويل الغربى، وعلى خلفية كل ذلك نقول وبالفم المليان إن الأحزاب وجماعات المجتمع المدنى ومن سار على شاكلتهم سقطوا فى امتحان الدويقة كما سقطوا من قبل فى محن مماثلة، سقطوا لكن المأساة تكمن فى غياب الحساب الذى طوى بداخله مائة وواحد جثة حتى يوم السبت مساء الجمعة الماضى والعدد مرشح للزيادة، وأى كان تقديره فإنه سيكون ابن النسيان الذى أدمنته الحكومة والأحزاب وكل هواة الكلام.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة