مهدى عاكف المرشد العام للإخوان يقود فريقاً إلى حزب الوفد، ليقدم التهنئة بمناسبة رمضان، وبديلاً عن حفل الإفطار السنوى الذى تم إلغاؤه، ويرسل وفداً من أعضاء الكتلة البرلمانية إلى حزبى التجمع والناصرى لذات المهمة دون أى أفكار سياسية.
هذا هو الهدف المعلن، لكن ما خفى وما يبطنه المرشد ووفوده التى ترافقه وما يخططه مكتب الإرشاد أكبر وأعمق، وتمثل هذا الهدف فى محاولة كسر حصار الدولة والخروج من العزلة والعودة لمائدة التعاون والحوار، وتلك ترجمة مستنبطة من زيارات الإخوان.
الدليل على ذلك هو الدعوة التى اعترف قادة الأحزاب بأنها لأول مرة تصدر من الإخوان، خاصة لحزب التجمع بزيارة مكتب الإرشاد والنقاش والاستماع إلى الآراء ووجهات النظر، بل هدايا الإخوان التى حملوها للأحزاب تؤكد هذا وهى كتاب "دعاة لا قضاة" لحسن الهضيبى ومذكرات ورسائل حسن البنا وكلمة عاكف التى كان يعدها لحفل الإفطار .. كلها كتب وإشارات تدل على رغبة الإخوان فى الحوار وفى التعاون أو على الأقل بدء مرحلة جديدة.
الزيارات الثلاث لم يتم تغطيتها من جانب موقع الإخوان الرسمى ولا منابرهم الإعلامية، إلا إشارة باهتة فى موقع إقليمى، ولكن الأحزاب الثلاثة أفردت لهذه الزيارات مساحات فى صدر الصفحات الأولى بمضمون ما دار حتى وإن كان كلاماً ليس أكثر من المجاملات... فالأحزاب لا تريد أن تحمل الزيارة أكثر من وجهها الودى والمجاملة ليس حباً فى المجاملة ولا إكراماً للضيوف، بل محاولة كما قال أحدهم لعدم الظهور بأن جماعة الإخوان، هى التى تضع أجندات وجداول العمل المشترك والزيارات ومتى تتعاون ومتى تهرب.
فهل هذه الزيارات ستكون بداية لمرحلة جديدة بين الإخوان وهذه الأحزاب، خاصة أن تحالفات الأحزاب التى يطلق عليها الكبيرة كان استبعاد الإخوان عاملاً مشتركاً فيها؟
وما رد فعل الأحزاب على هذه الزيارات وكيف سيتعاملون معها وهل ستكون هناك بالفعل لقاءات جديدة أو أعمال مشتركة بين الإخوان والأحزاب؟؟
أسئلة كثيرة نحاول أن نجد لها إجابة من أصحابها:
على عبد الفتاح عضو الجماعة منسق الزيارات يعترف بأن زيارتهم للأحزاب، محاولة لتجاوز نقاط الخلاف ومحاولة لمد الأيدى لبدء حوار وفتح صفحة جديدة مع القوى السياسية فى ظروف صعبة تستوجب العمل المشترك، فالإخوان كما يقول عبد الفتاح لديهم قناعة بأن مشاكل مصر أكبر من أن يحلها فصيل بمفرده، ولكن لم يتبلور شىء محدد لدى الإخوان، ولعل الزيارة ورد فعل الأحزاب عليها سيكون محدداً لشكل العمل الذى يمكن القيام به، وقد يكون بعد رمضان هناك إطار لهذا التعاون.
حسين عبد الرازق عضو المكتب السياسى لحزب التجمع، لا يرى أن زيارة الإخوان إلى حزب التجمع وما دار من حديث شارك فيه تعد مرحلة جديدة، لأن أى مرحلة جديدة لا يضعها ولا تقررها الإخوان فقط بل للتجمع وجهة نظر ورؤية ولديه نقاط اتفاق وأخرى للخلاف لا يمكن أن تختفى لمجرد لقاء عابر وودى، ولم ينفِ عبد الرازق أن تكون زيارة الإخوان فى التوقيت الحالى بحجة رمضان، هى مبرر فقط لكسر حصار الدولة وخاصة الأمن على الجماعة، والذى جاء منه رفض تنظيم الإفطار السنوى.
ولكن الجديد فى الزيارة كما يقول عبد الرازق هو توجيه الدعوة لحزب التجمع بزيارة مكتب الإرشاد، وهى المرة الأولى ولأهميتها سيتم مناقشتها من خلال المكتب السياسى والأمانة العامة للحزب بعد العيد، ومع هذا فنقاط الخلاف بين التجمع والإخوان لا يمكن تجاوزها لأنهم مازالوا متمسكين ومناصرين للدولة الدينية وفرض المرجعية الدينية على الدستور ولديهم إخلال بحقوق الإنسان والمواطنة، مقابل التجمع الذى يؤمن بالدولة المدنية وحقوق المواطنة وكثيراً مما يختلف عليه الإخوان.
مع هذا لا يمانع حسين من التعاون والعمل المشترك والتنسيق فى لحظات معينة، ولكنه لن يصل على الأقل فى الظروف الحالية لتحالف كامل ولا جبهة ولا اتحاد، وهذا نتيجة تاريخ من التنسيق مع الإخوان الذى يفشل فى النهاية بسبب الإخوان وبمواقف وتواريخ لا ينكروها وآخرها لجنة التنسيق التى انتهت 2000.
عصام العريان مسئول المكتب السياسى بالجماعة، ينفى أن يكون الإخوان السبب فى فشل التحالفات ويضرب مثلاً بالتحالفات والوثائق التى أصدرتها الأحزاب الأربعة خلال العام الماضى وأين هى الآن، فمصيرها الفشل حسب قوله، بسبب إقصاء الإخوان وعدم وجود جماهيرية وشعبية لها، ومع هذا فالتحالف ليس مطروحاً، ولكن الاتفاق على خطوات وقواعد أساسية هو الأساس فى مثل هذه المرحلة، خاصة أن التجربة أثبتت أن الإقصاء لأى فصيل خاصة الإخوان، لن يفيد الحركة السياسية ولا الإصلاح ولن يؤدى إلا لمزيد من التدهور وطول فترة التغيير.
فؤاد بدرواى نائب رئيس حزب الوفد لا يحمل الزيارة أكثر من حجمها وإن اعتبرها جديدة فى التوقيت، لكن العلاقة بين الوفد والإخوان تمتد لعقدين من التآلف والاتفاق ولكن ليس هناك خطط جديدة ولم يعرض الإخوان هذا وإن كانوا دعوا رئيس الحزب أو القيادات فى الوفد للزيارة.
فاروق العشرى عضو المكتب السياسى السابق للحزب العربى الناصرى، يتهم الإخوان فى تحالفاتهم بأنهم يدخلون التحالف لمصالحهم التنظيمية أحياناً ومصلحتهم الخاصة ودائماً ما يعترفون فى المبادئ العامة بالاتفاق، وعندما يدخلون فى التفاصيل تظهر حقائق كثيرة منها الشعار ومنها القضايا التى يريدون أن يدخلوا فيها فى حين يرفضون قضايا أخرى فيشاركون فى القضايا التى تتفق معهم سياسياً ومع معتقداتهم ويبعدون عن قضايا أخرى، فكل التحالفات ومراحل التنسيق الماضية سرعان ما تتهدم عندما يدخل الإخوان بقوة.
لكن الإخوان من جانبهم يردون على هذا، على لسان على عبد الفتاح، بأن الأحزاب الرسمية غالباً ما تخضع لإغراءات أو مضايقات وضغوط أمنية وسياسية فتقف عند نقاط فى العمل لا يمكن تبريرها.
ويدخل رفيق حبيب الكاتب والمحلل القبطى القريب من الإخوان ليؤكد أن الإخوان لديهم كما كل القوى السياسية الآن رغبة حقيقية فى التغيير من خلال تحالف أو مشروع مشترك، ولكن الإخوان على وجه الخصوص هذه المرة لديهم رغبة قوية فى الانفتاح والتواصل مع القوى الحزبية وخاصة الوفد والتجمع والناصرى، بعد أن أثبتت التجارب الماضية أن التقارب بين الإخوان وهذه الأحزاب يولد ضغوطاً قد تنتهى بوقف أو إنهاء التحالف، وهذا واضح منذ عام 1995 حتى 2000 ثم 2005.
أما التحالفات التى تتم بين الأحزاب فقط فهى هشة وغير مؤثرة لأنها تقصى الإخوان وهم القوى الأكبر السياسية والاجتماعية، مما يؤكد أن الأحزاب لم تعد مؤثرة فى الشارع ولا فى مصير الحياة الحزبية نتيجة عزوف الجماهير وانقطاع الصلة بين الشارع والأحزاب، رغم أن القضايا واللحظة الراهنة فى حاجة لبناء تحالف شعبى فيه تأثير للجماهير وهذا لن يأتى إلا فى وجود الإخوان، فتحالفات النخب ليس لها أصل ولن يكتب لها النجاح وتتحول لشىء من الجدل حول قضايا خلافية ومناقشات لا طائل منها، ومع هذا فالظروف مواتية جداً الآن، كما يرى حبيب نتيجة تدهور متوالى للدولة سياسياً واقتصادياً وخدمياً، ونتيجة غضب شعبى عارم ضد السياسات الحكومة فلا يصلح التأجيل وقد تكون زيارات الإخوان للأحزاب هى البداية.
د.ضياء رشوان مدير برنامج الحركات الإسلامية بمركز الأهرام لديه رؤية مختلفة، فرغم ترحيبه وتفاؤله بخطوة الزيارة التى قام بها الإخوان لمقار الأحزاب، لكنه يراها خطوة متأخرة جداً بوصف الإخوان القوى الأكبر القادرة على فك أزمة السياسة والقوى الحزبية وبناء بعض الثقة بينهم وبين الأحزاب، ومع هذا فهى خطوة إيجابية، لكن اكتمالها لن يكون إلا بعد أن يضع الإخوان مع هذه الأحزاب بصراحة ماذا سيقدمون فى المستقبل كبديل وما هى مواقفهم الجماعية وليست الفردية، وما هى سيناريوهات مستقبل الحكم، وعليه سيحدد الفشل والنجاح وآلية العمل بين المعارضة.
فهناك ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الحكم فى مصر، وهى إما التوريث لصالح جمال مبارك، أو دخول طرف جديد من السلطة والحزب الوطنى يقود البلاد لفترة معينة ثم يتم التوريث أيضاً، أو دخول المؤسسة العسكرية على الخط ووقف أى تدخل مدنى فى الرئاسة حتى لو كانت عبر الانتخابات، والموقف من هذه السيناريوهات معروف لكل حزب وقوى منفردة، لكن المطلوب هى موقف جماعى يحدد وهل يمكن بناء تحالف لإصدار موقف جماعى من هذه السيناريوهات لأن أى تحالف لا يضع هذه الرؤية نصب أعينه فليس لها أمل ولا نجاح.
والموقف الجماعى من هذه الأحزاب يجعل هناك فرصة لمناورة تاريخية وصفقة مع القادم، بما يحفظ حقوقاً مشتركة للجميع وتكون الأحزاب وهذا التحالف الجديد مشارك فى صنع الحدث، أما إذا فشلوا فى الموقف الجماعى فلن يكون هناك فرصة إلا لمفاوضات فردية وكلام نظرى ومناقشات لا وقت ولا فائدة منها، فالمقايضة التاريخية جاء وقتها والإخوان يدركون ذلك وكذا الأحزاب، وعلى هذا تتوقف العلاقة بين الإخوان والأحزاب وجميع القوى المعارضة.
د.عمرو هاشم ربيع خبير شئون الأحزاب بمركز الأهرام، يرى أن العلاقة بين الأحزاب والإخوان فى المرحلة الحالية قائم على أن الإخوان منذ المحاكمات العسكرية وهم فى مواجهة، منفردين ومباشرة مع الدولة، والقوى السياسية الحزبية لديها موقف سلبى من الإخوان، فما كان من الجماعة إلا أن تضع خططاً ومحاولات ستظهر مستقبلاً ملامحها لكيفية الخروج من العزلة وكيفية مواجهة هذه القيود، خاصة وأن الجماعة تستغل أن الأحزاب السياسية الشرعية فى أضعف حالتها وفى حالة قطيعة مع الشارع وتريد أن يعيدها أى أحد للشارع.
ومع هذا فالأزمة فى التفاصيل لدى الإخوان والأحزاب، وهى التى ستحدد مصير أى تحالف لأن القضايا والمبادئ العامة الجميع متفق عليها، أما التفاصيل فهى مدمرة للعمل المشترك، ويضاف إلى هذا الرؤية الاحتكارية للنظام التى يتعامل معها بقسوة وقوة مفرطة مع أى محاولة جادة للتجمع والتوافق مع رفض أى حوار مشترك مع السلطة.
التهنئة برمضان غلاف الزيارة وهدية الضيوف كشفت النوايا
زيارات الإخوان .. كسر الحصار يبدأ من الأحزاب الكبيرة
الجمعة، 26 سبتمبر 2008 04:48 م
هل تصلح زيارات الإخوان للأحزاب ما أفسده التاريخ؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة