منذ دخل الإسلام إلى مصر، بداية بالفانوس الذى كان يستخدم فى الإضاءة ليلاً للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب، وعرفنا فانوس رمضان فى الخامس من شهر رمضان عام 358 هـ، حيث وافق هذا اليوم دخول (المعز لدين الله الفاطمى) القاهرة ليلاً، فاستقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس، ومن وقتها تحول الفانوس من وظيفته الأصلية فى الإضاءة ليلاً إلى وظيفة أخرى ترفيهية، حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التى ابتدعها أيضا الفاطميون، كما صاحب هؤلاء الأطفال بفوانيسهم المسحراتى ليلاً لتسحير الناس.
ويستخدم المسحراتى فى ذلك طبلة تعرف بـ "البازة"، إذ يُمسكها بيده اليسرى، وبيده اليمنى سيراً من الجلد، أو خشبة يُطبل بها فى رمضان وقت السحور. والبازة عبارة عن طبلة من جنس النقارات ذات وجه واحد من الجلد مثبت بمسامير، وظهرها من النحاس أجوف وبه مكان يمكن أن تعلق منه. وقد يسمونها طبلة المسحر، والكبيرة من هذا الصنف يسمونها طبلة جمال.
وكان الأطفال يرددون وراء المسحراتى أغانيهم الرمضانية الجميلة مثل (وحوى ياوحوى)، (وحالو ياحلو)، من كلمات هذه الأغانى الشعبية :
وحوى وحوى إياحا
وكمان وحوى إياحا
بنت السلطان إياحا
لابسة قفطان إياحا
بالأخضرى إياحا
بالأصفرى إياحا
يا لمونى إياحا
يادوا عيونى إياحا
يارب خليلى سى عثمان
خاللى نينته سى عثمان
لولا سى عثمان لولا جينا يالا الغفار
ولا تعبنا رجلينا يالا الغفار
يحل كيسه ويدينا يالا الغفار
ويدينا ياما يدينا يالا الغفار
يدينا ميتين ريال يالا الغفار
نروح بيهم على بر الشام يالا الغفار.
ألا أن هذه الأغانى لم يعد يغنيها الأطفال فى الشارع، فصارت تذاع فى الراديو أو التلفاز، كذلك لم يعد الأطفال يسيرون خلف المسحراتى بفوانيسهم بفضل دخول الكهرباء، فأكتفى الناس بتعليق الفوانيس الكبيرة فى البلكونات والشوارع مع قصاقيص الورق الملونة. حتى وظيفة المسحراتى لم يعد لها قيمة تذكر، لأن الناس صارت تجيد السهر حتى الفجر، ورغم ذلك مازال المسحراتى يجوب الشوارع ليلا ليحصل على عيديته فى العيد.
وحيث إننا شعب يحتفل بالأكل فى أى مناسبة سواء دينية أو غير دينية، فما بالك بشهر الصيام، فكان لأنواع من الطعام قداسة خاصة، وخاصة الحلويات، فظهرت الكنافة والقطايف.
كانت الكنافة والقطايف ولا تزال من عناصر فولكلور الطعام فى مائدة شهر رمضان، وقد بدأت الكنافة طعاماً للخلفاء، إذ تُشير الروايات إلى أن أول من قُدم له الكنافة هو معاوية بن أبى سفيان زمن ولايته للشام، كطعام للسحور، وأصبحت بعد ذلك من العادات المرتبطة بالطعام فى شهر رمضان فى العصور الأيوبى والمملوكى والتركى والحديث، باعتبارها طعاماً لكل غنى وفقير مما أكسبها طابعها الشعبى.
وطرأت على الكنافة بعض التطورات فى العقود القليلة الماضية، لعل من أبرزها استخدام الماكينة الآلية فى صنع الكنافة بدلاً من الكوز المخرم، كما كان من المستحدثات المهمة نظام بيع الكنافة والقطايف "جاهزة" أى مطهية حيث تكون الكنافة على شكل صوان أو قطع لدى محلات الحلوى، وكانت من قبل يقومون بصنعها فى المنازل.
ومن المظاهر الأخرى لشهر رمضان المدفع، الذى ينبه الناس لوقت الإفطار ووقت الإمساك، وجاء ظهور المدفع عن طريق الصدفة، فلم تكن هناك نية مبيتة لاستخدامه لهذا الغرض على الإطلاق، حيث كان بعض الجنود فى عهد الخديوى إسماعيل يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت فى سماء المحروسة، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب فى أحد أيام رمضان، فظن الناس أن الحكومة اتبعت تقليداً جديداً للإعلان عن موعد الإفطار، وساروا يتحدثون بذلك، وقد علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوى إسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة، وأصدرت فرماناً يفيد باستخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفى الأعياد الرسمية، وبالفعل بدأت الحكومة فى تنفيذ هذا الأمر وصار تقليداً متبعاً حتى الآن. ومنذ ذلك الحين ارتبط المدفع باسم الحاجة فاطمة.
كل هذه المظاهر من مظاهر الاحتفال برمضان، مجرد مظاهر شكلية، تثير جدل البعض حول أهميتها الدينية، لكنها مظاهر كفيلة بأن تجعلك تشعر بشهر رمضان مميزا عن بقية شهور السنة، ومميزا عن بقية دول العالم.
أما عن الطقوس الدينية الجديدة فى شهر رمضان، والتى انتشرت كثيرا فى الفترة الأخيرة
صلاة التراويح بعد صلاة العشاء. وعدد ركعات صلاة الوتر ثمانى ركعات وتصلى ركعتين ركعتين. وتصلى عادة جماعة، وقد شهدت صلاة التراويح إقبالا حافلاً من كل فئات الشعب المصرى، حيث تحرص العديد من العائلات رجالا ونساءً على أداء صلاة التراويح التى تعطى صورة مضيئة لليالى شهر رمضان المبارك بمصر باعتباره شهر القرآن، وتحرص معظم المساجد على ختم القرآن فى صلاة التراويح خلال الشهر.
وتضاف فى العشر الأواخر من رمضان صلاة التهجد التى تقام قبل الفجر وتصلى أيضا فى جماعة، وصارت تمتلئ المساجد عن آخرها فى هذه الصلاة أيضا، وتقوم المساجد الكبرى بختم القرآن فى هذه العشر الأخيرة.
وظهرت أيضا موائد الرحمن، وقد شهدت إقبال الناس عليها، خاصة من غير المقتدرين وعابرى السبيل، حيث يقوم بعض المقتدرين ماديا (وأحيانا بعض المشاهير) بشراء المواد التموينية وتوفير مخزون الطعام، ثم يؤجر عمال للعمل داخل موائد الرحمن ليقوموا بطهى وإعداد المائدة وتوزيع وجبات الإفطار على الناس، وبعض العاملين يعملون تطوعا.
هذا بالإضافة إلى الشنط الرمضانية التى تحتوى على الحاجات الأساسية من المأكولات، وتوزع على الفقراء والمحتاجين. وقد انتشرت الخيمة الرمضانية التى أصبحت من السمات المميزة لشهر رمضان الكريم، وهى تعد ملتقى العائلات التى تسهر فى الجو الرمضانى، وهناك من يهتم بأن يتضمن برنامج الخيمة التواشيح الدينية، وقد اهتمت الأندية الكبرى فى القاهرة، خاصة، بإنشاء الخيم الرمضانية التى تمتد سهراتها حتى السحور، كما كان لمقاهى القاهرة دوراً بارزاً فى عمل الخيم الرمضانية ذات الطابع الشعبى.
ومن المظاهر السلبية الحديثة لشهر رمضان، وجود التليفزيون والفضائيات، وتعدد المسلسلات التافهة وذات القصص المكررة والمسابقات السفيهة، لدرجة أن المشاهدين أصبحوا ينصرفون عن التليفزيون نهائيا، بعد أن كانت تجمعهم فوازير نيللى أو شريهان، أو مسلسل جيد الصنع والفكرة.
ومن المظاهر السلبية الحديثة أيضا فى شهر رمضان، ازدحام السيارات الشديد سواء قبل أو بعد الإفطار، وما أدراك به ساعة الإفطار، لكن الجميل فى الأمر أن بعض المتطوعين يقفون فى الطرق ليوزعوا طعاما على راكبى السيارات والمشاة ليفطروا (مستندين إلى حديث من أفطر صائم فله مثل أجره). هذا بالإضافة إلى اللعب المستحدثة للأطفال بعد أن استغنوا عن الفانوس والمسحراتى، وهى الصواريخ والبمب.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة