المستشار جودت الملط ينوى توجيه ضربة محكمة أخرى للحكومة المصرية، التى تدور فى حلقة مفرغة للإطاحة بآمال منكوبى "الدويقة". الضربة المحكمة شريفة جداً، كعادة الرجل، كونها تتمثل فى إطلاق مبادرة لتشكيل لجنة تقصى حقائق حول الكارثة، وهو ما فشل فيه محافظ القاهرة.
حلقة مفرغة، لا تزال تدور فيها الحكومة المصرية بمختلف قطاعاتها وأجهزتها، منذ كارثة الدويقة. حيث كشفت الكواليس أن الكارثة الحقيقية تتمثل فى عشوائية القرارات الحكومية التى تجلت فى تضارب الأرقام حول عدد ضحايا وعدد مستحقى الوحدات السكنية فى مشروع سوزان مبارك.
الجزء الثانى من الكارثة الحقيقية يتجسد فى الاتهامات المتبادلة بين المسئولين، الذين يتهربون منها، بحجة أنها ليست فى نطاق اختصاصه، بل يؤكد بعضهم أن الكارثة من صناعة الأهالى الذين اختاروا بمحض إرادتهم السكن تحت سفح صخور المقطم.
حالة التضارب وصلت إلى ذروتها بعد الإعلان "الفردى" من قبل المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات لتشكيل لجنة تقصى حقائق حول كارثة الدويقة ومشاكل تسكين المتضررين. وقال الملط فى هذا بيان تم توزيعه على مختلف وسائل الإعلام إن تشكيل هذه اللجنة، جاء بدون أى تكليف من أية جهة فى الدولة، وبمبادرة شخصية منه تفعيلا لدور الجهاز لحسم القضايا التى تمس الجماهير، وكشف أوجه القصور وتقويمها.
ومن المنتظر أن تنتهى اللجنة من إعداد تقريرها فى آخر الشهر الجارى. وإلى أن تنتهى اللجنة من أعمالها مازالت الأمور تسير فى منطقة الدويقة بمنتهى العشوائية، وكأن الحكومة وأجهزتها تدور فى حلقة مفرغة، خاصة بعد توقف عمليات الإنقاذ، عقب الفشل الذريع فى تفتيت الصخرة التى يرقد تحتها منزلا يضم 17 فرداً، وفقاً لما أكده بعض الأهالى لليوم السابع.
واللافت فى الدويقة، هو الاشتباكات بين قوات الأمن والأهالى والتى لا يمر ليلة منذ وقوع الحادث دون أن تتجدد، وبلغت حدتها عندما حاولت قوات الأمن إزالة 15 منزلاً يقيم فيها 150 فردا، بجوار الثغرة التى فتحتها القوات المسلحة فى شريط السكة الحديد، منذ وقوع الكارثة، الأمر الذى اعتبره الأهالى بمثابة رد فعل انتقامى، من قوات الشرطة خاصة أنهم رفضوا إزالة منازلهم لتوسيع الثغرة، لتتمكن المعدات الثقيلة من الدخول إلى موقع الحادث، دون أن يستلموا وحدات سكنية بديلة. ورغم وعود الشرطة للأهالى بأنهم سيستلمون وحدات سكنية، إلا أن الأهالى قالوا لليوم السابع: إنهم حصلوا على العديد من الوعود سابقا دون تنفيذ.
واقتحمت قوات الأمن المركزى المنازل لطرد الأهالى بالقوة، قبل أن تتقدم المعدات لإزالة تلك المنازل، مما أثار غضب الأهالى الذين تم إلقاؤهم فى الشارع وسط طوق أمنى، وهو ما دفع الأهالى لرشق الشرطة بالحجارة، الأمر الذى أدى إلى استدعاء قوات دعم إضافية لمحاصرة الأهالى الذين أمضوا ليلتهم فى الشارع.
وقال أيمن، أحد أهالى المنطقة "منحتنا لجان الحصر خطابات لتسلم شقق بديلة قبل هدم منازلنا، إلا أن موظفى الحى رفضوا تسكيننا واتهمونا بتزوير الخطابات ومزقوها، "وحين عدنا لمنازلنا فوجئنا بإزالتها، وقامت الشرطة بإلقاء القبض على 30 شخصاً منا لإرهابنا".
على النقيض تماما جاء حديث محمد الحامدى، وكيل المجلس المحلى لمحافظ القاهرة رداً على ما يقوله الأهالى حول منعهم من تسلم وحداتهم السكنية بدعوى تزوير المستندات والخطابات، حيث أشار إلى أن هناك شروطا لابد من استيفائها للحصول على الوحدات السكنية، من بينها المرور على 5 لجان تؤكد كلها أحقية المتضرر فى الحصول على الوحدة، مؤكداً أنه تم تسليم 564 وحدة سكنية للأسر حتى الآن، "وتتضاعف الأعداد يومياً لزيادة أعداد المتضررين".
وفى الوقت الذى تدور فيه الحكومة فى حلقتها المفرغة، جاءت كارثة الدويقة بمثابة فرصة سائغة للعديد من التيارات والأحزاب المصرية ومنظمات المجتمع المدنى لتضيق الخناق على الحكومة. وطالبت المعارضة بتشكيل لجنة لإقامة الدعاوى الجنائية ضد المسئولين الحكوميين، الذين تعتبرهم متسببين فى الكارثة، بالإضافة إلى متابعة تسكين الضحايا وحصولهم على التعويضات اللازمة. وجاء الإعلان عن اللجنة فى مؤتمر صحفى عقد بحزب التجمع، وتضم اللجنة فى عضويتها، محامين من مؤسسة الهلالى للحريات، ومركز هشام مبارك للقانون، والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، ولجان المحامين فى عدد من الأحزاب. واستهلت اللجنة عملها ببلاغ قدمته إلى النائب العام، ضد رئيس الوزراء ووزير الإسكان، ومحافظ القاهرة، تتهمهم فيه بالإهمال والتقصير فى عملهم، مما أدى إلى وفاة الضحايا.
ولم تكتف اللجنة بذلك بل تستعد لرفع دعوى طلب عزل لوزير الإسكان ومحافظ القاهرة وفقا لما أكده محمد الحلو مدير المركز المصرى لحق السكن "بسبب الإخلال بشرف القسم على أن يحافظا على أرواح المواطن المصرى"، بالإضافة إلى دعاوى أخرى "للمطالبة بتعويضات عادلة حتى لا تتم الاستهانة بحق الإنسان فى الحياة فى مصر".
وأوضح الحلو أن الحكومة خالفت المادتين 238 و244 من قانون العقوبات المصرى واللتين توجبان محاسبتهما على الإهمال الذى تسبب فى موت المئات، وكذلك المادة 216 والمادة 216 مكرر من ذات القانون واللتان تعاقبان بالسجن كل موظف عمومى امتنع عمدا عن استخدام سلطته فى تلبية احتياجات الشعب".
من جهته، كشف رمضان الجمل، عضو مجلس محلى القاهرة عن دائرة منشأة ناصر أن محافظ القاهرة الدكتور عبد العظيم وزير رفض منذ 6 أشهر الموافقة على تشكيل لجنة تقصى حقائق حول المهاترات التى كانت تتم فى منطقة الدويقة، إما بالحصول على الوحدات السكنية التى بنتها الحكومة بمنحة من صندوق أبو ظبى تقدر بنحو 180 مليون دولار، عقب انهيار الكتلة الصخرية بالمقطم فى 1993، لبناء 6 آلاف وحدة سكنية وسنترال ومستشفى ومركز شباب، وهو ما لم يحدث على أرض الواقع، أو التعاقد مع مقاول كان يقوم بتكسير الصخور فى منطقة وقوع الكارثة.
لمعلوماتك..
◄ فى 21 مارس 2001 بعث المقرر الخاص للأمم المتحدة الخاص بالحق فى السكن رسالة إلى وزير الإسكان محمد إبراهيم سليمان، بشأن قضية سكان الدويقة الذين تمت إزالة منازلهم (25 منزلاً) يطالبه فيها بضرورة الالتزام بالمعايير الدولية، والتزام مصر بتطبيق العهود والاتفاقات الدولية الخاصة بالحق فى سكن مناسب.
◄ فى يناير 2007 استغاثت 34 أسرة فى منطقة الدويقة بالسيدة سوزان مبارك لنجدتهم، بعد أن أوشكت منازلهم الواقعة تحت تلال الدويقة على السقوط، واتهموا جهاز القاهرة للإسكان والتعمير، التابع لمحافظة القاهرة، بالتسبب فيها، بعد إزالة 50 منزلاً.
أطلق مبادرة لتشكيل لجنة تقصى حقائق فى الحادث
موقعة "الدويقة".. مواجهة شريفة بين الملط والحكومة
الخميس، 25 سبتمبر 2008 02:27 م