جموع العجائز وأصحاب المعاشات تتراص أمام البوابة الحديدية لمجمع خدمات خالد بن الوليد التابع للشئون الاجتماعية فى انتظار وصول العربات المحملة بشنطة رمضان، المقرر صرفها من الشئون التى أصبح اسمها "التضامن".
بعدما قامت الشئون الاجتماعية بتوزيع كوبونات لصرف شنطة رمضان أو إعانة رمضان الغذائية، قدم الناس بالمئات منذ الساعة السادسة صباحاً يفترشون الأرصفة حتى الساعة الثالثة، وهم تحت الشمس وتحت رحمة الانتظار يتبادلون الشكوى من هموم الحياة.
مصطفى على تعرض لحادث أدى لمصرع اثنين من أبنائه وإصابته هو بعجز جزئى. انضم للجالسين على الرصيف وبدأ بالكلام: "يا بيه .. الدنيا ولّعت .. حتى كيلو العدس بقى بـ14 جنيهاً، وأنا والبنات الحمد لله بنصوم .. كل اللى عايزه ساعة الإفطار ألاقى حاجة افطر عليها".
بمجرد أن رأتنى نورا جاءت إلى بسرعة لتسألنى إن كنت مسئولاً عن صرف الإعانة، وأخرجت لى كوبون الصرف الخاص بها. أنا من جهتى أكدت لها أنه لا دخل لى بصرف الإعانة، وأننى مجرد صحفى. فأصرت على اصطحابى حيث تجلس أمها ست زين عطا، مؤكدة أنها تستحق المساعدة حقاً: "أنا أمى تعبانة وعندها الكلى، وبتصرف على اخواتى الأيتام. أنا أشتغل فى تنضيف البيوت حسب ما حد يطلبنى، وعايشين من القرشين بتوع المعاش، على اللى يجيلنا من هنا أو من هنا".
نبوية سيدة قاربت على الثمانين من العمر، جلست فى استكانة مستندة على جزع شجرة فى مثل عمرها. ورغم ذلك، وجدت نفسها مسئولة عن أربعة أحفاد بعد وفاة والدهم: "قالوا لى إنه كان عنده سرطان فى بطنه، وإنه لهذا السبب مات، لم يكن معنا حق علاج وعمليات، راح للى يرحمه من الوجع، وسابنا للى ارحم من الناس كلها". بعد موت الأب، عمل الأبناء الذكور فى ورشة للنجارة وتركوا التعليم، والبنات تركوا التعليم مثلهم لعدم تحملهم نفقاته.
فجأة تصايح الناس معلنين وصول سيارات النقل التى تحمل المواد التموينية، وطلب الناس منى التأكد من هذا: "أصل كل ما يشفوا سيارة كبيرة قادمة، تبدأ الناس فى الصراخ والجرى هنا وهناك، ليس باليد حيلة".
يعود التلاحم والتزاحم من جديد أمام جميع منافذ الجمعية، وتزداد درجة الخوف من أن يفّوت أحدهم نصيبه، إحدى السيدات لم تتمكن من السير على قدميها، فأخذت تزحف حتى الباب وهى تصيح: "يا ولاد الحلال، حد يساعدنى!". وظلت تنادى عسكرى كى يحضر لها شنطتها. فيقول لها ببرود: "مقدرش يا حاجة.." حتى وصلت للباب، وعاونها سيدتان على النزول من على الرصيف والجلوس بجوار الباب.
فى الرابعة عصراً، أى بعد عشر ساعات من الانتظار، إن أصحاب المعاشات ما زالوا لا يعرفون محتويات الشنطة، ويتمنون أن تحتوى على كيلو أو حتى نصف كيلو من كل السلع الأساسية كالزيت والسمن والسكر والأرز والعدس والفول وأى شىء آخر يرتبط برمضان، لكن ماذا يفعل كيلو واحد من أى شىء طوال الشهر الكريم؟
دنيا تانية: شنطة رمضان
انتظار عشر ساعات لـ"نواة" لا تسند الزير
الأربعاء، 24 سبتمبر 2008 02:22 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة