أنهينا مقالنا السابق الذى حمل عنوان "نصيحة للحزب الوطنى ورجال أعماله" بالعبارة التالية "أم سيظل الحزب أسيراً لسطوة البعض من رجال المال الذين أفسدوا الحزب والحكومة والوطن". وإكمالاً لأهمية هذا الموضوع، فإنه يجب التأكيد على أن هذا لن يتم إلا عبر فلسفة واضحة للحزب الحاكم من خلال تحديد معالم آليات مساهمة رجال الأعمال فى العملية السياسية، وما هو دورهم بشكل محدد.. وما هى آفاق العلاقة بين رجال الأعمال والحزب الوطنى؟.. خاصة وأنه الحزب الحاكم وليس حزباً معارضاً.. وما هى الفلسفة الاقتصادية التى تنطلق منها توجهات الحزب الحاكم فى ظل وجود هذا الخلل الاقتصادى والاجتماعى بين فئات المجتمع المختلفة؟.. خاصة وأننا فى مجتمع قيد التحول، ويدفع ثمناً غالياً للتحالفات والعلاقات المؤذية بين رجال الأعمال والمال وبين العمل السياسى.
فمن المتعارف عليه أنه كلما زادت الفوارق الاقتصادية فى المجتمع زادت صعوبة توصله إلى المساواة السياسية الفعلية، نظراً لأن تراكمات الثروة يمكن أن تستخدم كوسيلة هامة للتأثير فى المحصلات السياسية. ففى الحالات الأكثر تطرفاً يمكن أن يرى الأثرياء فى أصوات الفقراء تهديداً محتملاً لمصالحهم. وهو ما يسوغ لهم التلاعب فى العملية الانتخابية أو إفسادها. ومن الناحية الأخرى فإن الفقراء إذا لم يتح لهم أن يروا أى بارقة أمل فى تحسين أحوالهم بالوسائل الديمقراطية، لن يجدوا الديمقراطية جديرة بدعمهم، وليس الأمر هنا مجرد مسألة تتعلق بنوعية الديمقراطية بل تتعلق بإمكانية بقائها فى أى شكل.. على أن وجود قدر من الفوارق الاقتصادية قد يكون أمراً محتوماً ومبرراً معاً فى اقتصاد السوق.
لكن ينبغى أن يتجه اهتمام الديمقراطيين إلى التقليل إلى أدنى حد من التأثير السياسى أو الأهمية السياسية لمثل هذه الفوارق، فينبغى من ناحية أن يكون هناك تشريع صارم يحدد ما يمكن أن ينفقه الأفراد المرشحون من أموال على الحملات الانتخابية.. ويمنع ويقضى بالكشف عن مصادر التمويل لهذه الحملات العامة، وكذلك يجب أن تكون هناك تشريعات واضحة بشأن حملات الدعاية للمؤسسات الاقتصادية الكبرى، كما أنه يجب من الناحية الأخرى أن يكفل لجميع المواطنين حد أدنى من ضرورات العيش التى هى شرط لازم لممارسة أى مواطنة ديمقراطية.
طبعاً هذا لا يتنافى أو يتقاطع مع الملكية الخاصة، فإلى جانب الحجج الاقتصادية المؤيدة لنظام الملكية الخاصة، من حسب ضرورتها لاقتصاد السوق، هناك أيضاً حجج سياسية متينة تتعلق بأهميتها لدعم النشاط السياسى المستقل عن الدولة، وهكذا يمكن اعتبار الملكية الخاصة مؤسسة مركزية للمجتمع وحماية الحرية السياسية.. غير أن ذلك لا يستتبع وجوب مقاومة أى تدخل من جانب الدولة فى حقوق الملكية الخاصة على أنه تهديد للحرية الفردية.
فنظام الملكية الخاصة ذاته يقوم على تقييد لحرية الفرد، تقييد معترف به اجتماعياً ومعمول به. ولكن فى المقابل أيضاً، فإن استخدام ذلك يمكن أن يكون على نمو مشروع ينظمه القانون، وأن نمط التوزيع يمكن أن يكون منار اهتمام مشروع للسياسة العامة. ورغم أن مبدأ الملكية الخاصة يتسم كذلك بأهمية للديمقراطية، فإنه لا يمكن أن يكون حقاً مطلقاً، بل يكون فقط وفقاً لشروط وفى نظام حدود متفق عليها اجتماعياً، حتى لا يتصور كل من يمتلك مؤسسات اقتصادية عملاقة أنه بديل عن الدولة، وأنه منوط به تجاوز قيم العدالة الاجتماعية.. فإذا حدث ذلك، فقد تنهار هذه المؤسسات، وتنهار الدولة، وذلك بانهيار المواطن وضياع العدالة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة