جهاد عودة

صراع المصالح والمبادئ الوطنية من غير ضجيج

الثلاثاء، 23 سبتمبر 2008 03:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نبدأ الكتابة الأسبوعية حول القضايا المختلفة للأمن القومى مع التركيز على فنيات هذه المهنة وسنبحر مع هذا الفن والعلم كما يمارس فى دول العالم. افتتاحاً من أن الأمن القومى هى العمليات الخاصة بكيفية حفاظ الدولة على أسرارها من الاختراق، فالقضية فى الأمن القومى ليست قضية الحفاظ على أوراق ووثائق ومعلومات هامة وحسب، ولكن الأمن القومى مرتبط فضلاً على ذلك بالقدرة على حماية القيم الجوهرية وإيقاف أو تعطيل أو إفساد محاولات الأعداء فى التأثير السلبى القصود أو غير المقصود على المصالح الحالية أو المحتملة أو المستقبلية للبلاد.

بهذا التعريف فالأمن القومى هو صراع المصالح والقيم الوطنية الجوهرية، ويقصد بالقيم الجوهرية: اتزان الاتجاهات العامة للتوافق المجتمعى بشأن بناء قدرات الدولة الشاملة، وبناء القيم الجوهرية ليست عملية إدارية مهما كان نوعها، ولكن عملية منهجية مفهومية عملياتية لحساب العمليات المعقدة لتخليق اتزان عام فى المجتمع والدولة والحفاظ عليهما. فإذا كان الجيش هو محل القلب العام للدولة وعمودها الفقرى المستعد دائماً فى حالات الأزمات أن يكون المرجع الأخير، فالأمن القومى وأجهزته الفنية وغير الفنية بشكل عام هو مخزن عقل الدولة الذى يقوم بالتقديروالحساب والتوقع والتنفيذ باسم حماية القيم والمصالح الجوهرية للدولة.

فالدولة لها مخزن أسرار، ومخزن عقل الدولة لا يقوم مقام بيروقراطية الدولة بأى شكل من الأشكال، فهو مخزن ليس للحفاظ على الأشياء المهملة أو غير ذات فائدة، ولكنه مخزن حى ومتجدد من الأفراد والسلوكيات والتقاليد والممارسات يعمل طوال أربعة وعشرين ساعة يومياً طوال العام وكل عام، فهو مخزن لا ينام .. دائماً مستيقظ وفى حركة دائمة، بينما أى بيروقراطية نرى لها ساعات دوام وأيام عطلات. وهذا المخزن الحى هو ظل الدولة، فإذا كانت هى الدولة نجماً هادياً للمواطنين فى تشكيل أنماط تفاعلهم المعتادة، والتى تساعدهم على تخليق المواقف والقرارات بشأن حياتهم اليومية، فالأمن القومى منه هى الخبرات المنظمة الخفية التى تعمل لصالح الدولة فى مجملها، فالأمن القومى فى عبارة مختصرة روح الدولة التى تعمل على نشر الإحساس بالأمن والأمان دون ضجيج وفى صمت مرسوم ومقصود.

فالأمن القومى هو الحرب فى صمت، والفوز فى صمت، والخسارة فى صمت، والموت فى صمت، وهناك عدة قوانين فى حركة الأمن القومى: القانون الأول للأمن القومى هو الصمت.

والصمت فى هذا المقام لا يعنى عدم التذكر والتذكير لأنه من الضرورى للدولة أن تعرف من يعمل فى الخفاء من أجل مصالح ومبادئ الوطن، والقانون الثانى هو النفاذ التحليلى والتخطيطى، ويقصد به العمل على شحن الذكاء النافذ المراقب وفق عمليات من الإدراك والتوجيه والتعريف المحددة، والقانون الثالث هو الانضباط فى المعرفة والسلوك، ويشير إلى القدرة على التحكم الموضوعى فى النفس والشعور، والقانون الرابع الجلد والعمل والتنفيذ تحت مختلف الظروف بل وأكثرها صعوبة، ويرمى هذا المعنى إلى أهمية مفهوم تنفيذ العملية باحتراف مهما كان الظرف، الأمر الذى يعلى منطق المؤسسة والقيادة على منطق الأفراد. أولاً وأخيراً أن مفهوم الأمن القومى لا ينصرف إلى مفهوم الاستراتيجية أو مفهوم السياسة الخارجية، وإن كانا يتشابكان معه فى بعض الأحيان من الناحية المنهجية أو العملياتية.

فالاستراتيجية تنصرف إلى المفهوم الكلى للتوجة ناحية السلام أو الحرب، أما السياسية الخارجية فهى السياسات العامة فى مجال بناء علاقات تعاهدية وقانونية ودبلوماسية مع الوحدات المتعددة والمختلفة فى النظام الدولى. بعبارة أخرى: إن مفهوم الأمن القومى يأتى ما بين منطق الاستراتيجية ومنطق السياسية الخارجية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة