
"أسمهان" أجمل عمل درامى طل على الشاشات العربية خلال الشهر الفضيل، واستطاع بالفعل أن يجتذب المشاهدين لجودة العمل و براعة أبطاله فى تجسيد الشخصيات التى يقدمونها، ولكن من المؤكد أن من أقوى عوامل الجذب فى هذا العمل، كان شخصية أسمهان التى عاشت عمراً قصيراً ولكن مليئاً بالأحداث وتركت وراءها لغزاً حول سبب الحادث الذى أودى بحياتها وتساؤلات وغموض، أحاط بتلك الشخصية الغير تقليدية.
ولدت آمال الأطرش التى اشتهرت فيما بعد باسم أسمهان فى 22 نوفمبر 1912 على متن باخرة إثر نشوب الثورة الدرزية وانطلاق الثورة السورية الكبرى، مما اضطر والدتها الأميرة علياء المنذر إلى مغادرة عرينها فى سوريا، متجهة بأولادها الخمسة إلى مصر. أقامت العائلة فى القاهرة فى حى الفجالة وهى تعانى من البؤس وسوء الأحوال، الأمر الذى دفع بالأم إلى العمل فى الأديرة والغناء فى حفلات الأفراح الخاصة لإعالة وتعليم أولادها الخمسة، الذين سرعان ما نقص عددهم بوفاة الصغيرين أنور ووداد. وبالتالى لم يتبقَ للأم سوى ثلاثة من الأبناء هم آمال وفؤاد الذى قاست منه الأمرين فى حياتها، وفريد المطرب والموسيقار المعروف والذى كانت على وفاق تام معها والذى أخذ بيدها إلى عالم الفن وجعلها نجمة غناء لامعة إلى جانب شهيرات ذلك الوقت أم كلثوم ونجاة على وليلى مراد.
تنبأ لها قارئ للكف وهى فى بداية حياتها الفنية بأنها ستكون ملكة متوجة، وبأن حياتها مثلما بدأت فى الماء ستنتهى أيضاً فيه .. وبالفعل تحققت النبوءتان، فلم يستطع أحد أن يترك أثراً عميقاً فى مسيرة وذاكرة وفضول الناس مثلها، رغم أنها ماتت فى عمر الثانية والثلاثين، تاركة وراءها أربعين أغنية وفيلمين سينمائيين ولغزاً عن أدوارها السياسية وتعاملها مع أجهزة مخابرات دولية كما ماتت فى حادث سيارة فى الماء، كما قال لها العراف المعروف باسم الأسيوطى.
أخذت أسمهان منذ 1931 تشارك أخاها فريد فى الغناء فى صالة مارى منصور فى شارع عماد الدين، بعد تجربة كانت لها إلى جانب والدتها فى حفلات الأفراح والإذاعة المحلية، وراح نجمها يسطع فى سماء الأغنية العربية وفى سنة 1933 تزوجت من الأمير حسن الأطرش ابن عمها وانتقلت معه إلى جبل الدروز فى سوريا لتمضى معه كأميرة للجبل مدة ست سنوات، رزقت فى خلالها ابنة وحيدة هى كاميليا، لكن حياتها فى الجبل انتهت على خلاف مع زوجها، فعادت من سوريا إلى مصر. وقد عاد إليها الحنين إلى عالم الفن لتمارس الغناء ولتدخل ميدان التمثيل السينمائى.
فتحت الشهرة التى نالتها كمطربة جميلة الصوت والصورة أمامها، باب الدخول إلى عالم السينما، فمثلت 1941 فى أول أفلامها "انتصار الشباب" إلى جانب شقيقها فريد، فشاركته أغانى الفيلم. وفى خلال تصويره تعرفت إلى المخرج أحمد بدرخان ثم تزوجته، ولكن زواجهما انهار سريعاً وانتهى بالطلاق بعد حوالى 40 يوماً فقط. وفى سنة 1944 مثلت فى فيلمها الثانى والأخير "غرام وانتقام" إلى جانب يوسف وهبى وأنور وجدى ومحمود المليجى وبشارة واكيم، وسجلت فيه مجموعة من أحلى أغانيها، وشهدت نهاية هذا الفيلم نهاية حياتها فى 14 يوليو 1944 ترافقها صديقة لها تدعى مارى قلادة، حيث فقد سائق السيارة السيطرة على السيارة فانحرفت وسقطت فى الترعة، حيث لقيت مع صديقتها حتفهما دون أى أثر لجثة السائق الذى اختفى فى ظروف غامضة.
هذا ولقد أثيرت الكثير من القصص حول تعاونها مع الاستخبارات البريطانية، وتقول إحداها إنه فى مايو 1941 تم أول لقاء بينها مع أحد السياسيين البريطانيين العاملين فى منطقة الشرق الأوسط جرى خلاله الاتفاق على أن تساعد أسمهان بريطانيا والحلفاء فى تحرير سوريا وفلسطين ولبنان من قوات فيشى الفرنسية وقوات ألمانيا النازية، وذلك عن طريق إقناع زعماء جبل الدروز بعدم التعرض لزحف الجيوش البريطانية والفرنسية. وقد قامت بمهمتها خير قيام بعد أن أعادها البريطانيون إلى زوجها الأسبق الأمير حسن الأطرش، فرجعت أميرة الجبل من جديد، وهى تتمتع بمال وفير أغدقه عليها الإنجليز، وبهذا المال استطاعت أن تحيا مرة أخرى حياة الترف والبذخ التى اشتهرت، بها مثلما اشتهرت بالإفراط فى التدخين والشرب والسهر.
هذا ولقد كان لأسمهان قائمة من المعجبين على رأسهم أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى وكان نتيجة هذا التعارف، أنها اكتسبت عدوة لدودة، وهى الملكة نازلى والدة الملك فاروق والتى كانت تحب حسنين باشا وتغير عليه إلى حد الجنون. وأيضاً الصحفى الشهير محمد التابعى صاحب ورئيس تحرير مجلة "آخر ساعة"، وهو الذى نشر كتاباً يحكى فيه قصته الكاملة مع أسمهان، وكان صديقاً أميناً وصدوقاً لأسمهان، وكان الشخص الوحيد الذى تسرّ له بالكثير. و كان لها أيضاً قائمة من الأزواج ومنهم الأمير حسن الأطرش والمخرج أحمد بدرخان والمطرب فايد محمد فايد، والذى كان فى زيارة للقدس لإحياء بعض الحفلات، واتفقت معه أن يكون الزواج شكلياً لتتمكن من العبور إلى مصر وبالفعل تم ذلك، واستمر الزواج لمدة عشرين يوماً، وأخيراً المخرج أحمد سالم الذى حاول قتلها هو نفسه لغيرته عليها.
تلك هى أسمهان التى عاشت قليلاً وتركت كثيراً .. التى لم تحب أحداً ولكن أحبها الكثيرون .. التى أسعدت الناس ولم تسعد هى نفسها يوماً .. ولدت فى البحر وكان قدرها أيضا لترتاح فى قلبه بعد أن عانت طويلاً.