قد يكون ما نحققه مجرد قطرة ماء فى محيط .. لكن لو لم تكن هناك تلك القطرة وملايين غيرها، هل كان سيصبح للمحيط وجود؟
"خيمة الخير الرمضانية، بسمة طفل 2008" .. قطرة يساهم بها يومياً على مدار شهر رمضان مركز محمود مختار الثقافى، الذى يفتح فى تمام الساعة الثالثة ذراعيه بابتسامة كبيرة، استعداداً لاستقبال زوار صغار، جاءوا من مختلف أنحاء القاهرة، من مؤسسات وجمعيات خيرية للأيتام وذوى الاحتياجات الخاصة، ليقضوا فيه عدة ساعات فى إطار هذا المهرجان الثقافى الفنى الذى تنظمه "مؤسسة ابتسامة"، تحت رعاية وزارة الثقافة (قطاع الفنون التشكيلية) وبالتعاون مع فندق شيراتون القاهرة وموبينيل وأوراسكوم تيليكوم ومجموعة منصور.
يهدف هذا الحدث، الذى يقام سنوياً منذ 2003، إلى تنمية قدرات الطفل المعاق من خلال العمل الفنى، وتوعية المجتمع بأهميته، وضرورة احترام وتقدير قدراته، ودمجه مع الأسوياء، وتشجيعه على الاستمرار والإبداع والابتكار.
ساعات ملونة
بمجرد أن تلمس أقدامهم أرض المركز، ينطلق الأطفال مسرعين إلى داخله، ليجدوا أدوات الرسم من ألوان وفرشات، فى انتظار موعدها معهم لتحملهم إلى دنيا تنطلق فيها موهبتهم دون قيود. وهل هناك مكان أفضل من متحف الفنون "محمود مختار" لاكتشاف إبداع تلك الأنامل الصغيرة، التى تخفى تحت جلدها الرقيق مواهب حقيقية تحتاج فقط لمن يجليها ويصقلها، فيظهر بريقها ولمعانها؟
يلتحق الأطفال، عند وصولهم، بورش فنية للرسم، يقوم بالإشراف عليها أخصائيون من كلية العلاج الطبيعى، فى محاولة لاستخدام الفنون لتنمية المهارات الدقيقة لدى هؤلاء الأطفال ذوى الإعاقات الذهنية أو الحركية من خلال الاستخدام السليم للأصابع، وتقديم إرشادات أولية للمؤسسات التى ترعاهم حول أهمية العلاج الوظائفى.
بعد مرور ساعتين، يمتلئ المكان بنجوم وورود وأشجار وبحار وجبال ذات ألوان متناغمة، رسمها الأطفال على الورق، لا يتخيل من يراها إمكانية أن يكون مبدعوها هم أولئك الأطفال الذين إذا أتيحت لهم الفرصة لن تمنعهم إعاقتهم من اكتشاف عالمهم الخاص الذى تتدفق منه طاقة إبداعية هائلة.
تصحيح صورة خاطئة
يستمر هذا الجو من الألوان والموسيقى حتى يبدأ الإفطار .. فيجتمع حول نفس المائدة الأطفال والمشرفون عليهم.. وقد انضم إليهم تباعاً أشخاص لا يعرفوهم .. قد يكون صوت الموسيقى الصادر من المركز قد جذب انتباههم، فاستفسروا عما يحدث بالداخل .. وعندما علموا، منهم من آثر الابتعاد خوفاً من الاقتراب من هؤلاء الأطفال، ومنهم من دفعه فضوله، فدخل لمجرد إلقاء نظرة فقط .. لكنه وجد نفسه يقع أثيراً لابتسامة أحد الأطفال، ولم يستطع مقاومة قضاء ما بقى من ساعات قليلة معه .. وقد بدأ يتساءل حول خطأ فكرته المسبقة عن الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة .. وهو ما يسعى لتحقيقه القائمون على هذا الحدث، الذى يعد فرصة "لتصحيح الصورة الذهنية الخاطئة عن الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، وأداة لتحقيق هدف إدماجهم بالأسوياء فى المجتمع"، كما تشير ماجدة سامى، مديرة العلاقات العامة بفندق شيراتون القاهرة والمسئولة عن تنظيم المهرجان.
فالطفل المعاق "لا يحمل عدوى وهو ليس طفلاً عنيفاً أو خطراً، وهى للأسف الفكرة السائدة عند غالبية الناس"، كما تؤكد ليلى مديرة جمعية "أصدقاء المعاق"، وهى أم لطفلين من ذوى الاحتياجات الخاصة، اضطرتها الظروف إلى مشاركة سبعة آخرين من أولياء أمور أطفال معاقين فى إنشاء هذه الجمعية، سواء بسبب رفض المؤسسات استقبالهم نتيجة كبر سنهم أو بسبب المبالغ الضخمة التى تطلبها الجمعيات الكبيرة لرعاية هؤلاء الأطفال. تروى هذه السيدة كيف يشعر أطفالها بالخوف ويصابون بصدمة عندما يقوم جيرانهم الأطفال بإلقاء الحجارة عليهم لاعتقادهم بأنهم "مجانين" .. وعيناها تنظر بحنان لطفليها وهما يرقصان على إيقاع الموسيقى مع العرائس، وشباب "جمعية بذور السلام" التى لا تتعدى أعمارهم 15 عاماً .. حضر هؤلاء الشباب ليقوموا بالإشراف اليومى على تطبيق البرنامج ومشاركة الأطفال المهرجان، لتدعيم إحساسهم بأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع وبأن هذا الأخير يهتم بهم ويشجعهم على المشاركة فيه.
الليلة الكبيرة
ثم يعرض لهم مسرح عرائس الجمهورية رائعة صلاح جاهين "الليلة الكبيرة" .. على أنغام هذا العرض، نسمع تصفيق الأطفال يختلط بصوت ضحكاتهم ونرى فى عيونهم انبهارهم بتلك العرائس التى ترقص لهم وكأنها تتحاور معهم .. فالموسيقى كالرسم نافذة تطل من خلالها البهجة على نفوسهم وتساهم فى رفع روحهم المعنوية وتحسين صحتهم النفسية.
مرت الساعات سريعة .. لا يريد الأطفال الانصراف .. هل شعروا بالسعادة؟ وهل هناك إجابة أصدق من تلك البسمة التى تعلو وجوههم الملائكية البريئة الذى نجح مهرجان "بسمة طفل" فى رسمها بالألوان على شفتيهم؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة