
الدراما المصرية اعتادت على الاستسهال عند تناولها قضايا الصحافة والصحفيين.. التطرف كان سمة أغلب الأعمال التى جسدت صورة الصحفى فى الكثير من الأعمال الدرامية .. بعض هذه الأعمال تعمدت تقديم شخصية الصحفى بطريقة سلبية مشوهة بعيدة عن الواقع، بعضها الآخر قدمه على أنه مغامر ويمتلك قدرات خارقة وهى أيضاً صورة منافية للواقع .. صحيح أن العمل الصحفى يتميز بالإثارة والمغامرة، وأن فى حياة أى صحفى العديد من المواقف والقصص والحكايات المثيرة، لكنها أبداً لن تتعارض مع الواقع أو تتنافى مع المنطق .. من زينب والعرش إلى اللص والكلاب، ويوم من عمرى، وبلاط صاحبة الجلالة، وثرثرة فوق النيل، وقضية سميحة بدران، ونجمة الجماهير، وغيرها .. وصولا إلى مسلسل "فى أيدى أمينة" الذى يذاع حالياً على شاشة التليفزيون المصرى والعديد من القنوات الفضائية .. هكذا ظلت صورة الصحفى فى الدراما فى أيد غير أمينة!
سواءً بقصد أو بدون قصد تعرضت صورة الصحفى للتشويه .. هذا التشويه وصل إلى حد أن هناك أعمالاً قدمته على أنه شخص انتهازى وصولى بلا ضمير كل شىء عنده قابل للبيع .. أعمال أخرى تعمدت أن تقدم الصحفى فى صورة المتطفل التابع المستعد للتنازل عن كرامته دائماًن فضلاً عن شكله الكاريكاتورى الذى يجسده شخص مترهل الجسد تغطى عينيه نظارة سميكة ويرتدى ملابس رثة كأنه قادم من عالم آخر .. هذه الصورة الذهنية السلبية التى رسختها العديد من الأعمال الفنية فى الماضى ترتب عليها أمر فى غاية الخطورة انعكست نتائجه السلبية على مهنة الصحافة، فتحولت إلى مهنة سيئة السمعة طاردة منفرة مقارنة بباقى المهن والأعمال الإبداعية الأخرى، وكانت المحصلة النهائية أن عدد السكان فى مصر اقترب من 80 مليون نسمة، بينما عدد الصحفيين لا يتجاوز 6 آلاف صحفى وفقاً لأرقام نقابة الصحفيين .. هذا العدد المتواضع ربما يكون الأقل على مستوى العالم.
يمكن أن نلتمس الأعذار لصانعى الدراما القدامى عندما تورطوا فى رسم صورة سلبية للصحفى فى أعمالهم الفنية، سبب عذرهم أنهم عاشوا فى عصر لم يكن بمصر سوى ثلاث صحف، وعدد الصحفيين كان لا يزيد عن عدة مئات .. الأهم أن بعض كبار المسئولين فى تلك الفترة كانوا ينظرون للعاملين فى الصحافة بعين الشك والريبة، بل إن بعضهم وصلت به القناعة بأن حرية الصحافة تشكل خطراً على أمن المجتمع، كانت النتيجة أن المجتمع عاش فى انغلاق وعزلة عما يجرى فى العالم الخارجى مما فوت على التجربة المصرية الكثير من الفرص للاستمرار فى التطور والتقدم.
الآن وقد تغيرت الأوضاع تماماً بفضل كفاح أساتذة الصحافة الأوائل وتلاميذهم المخلصين إلى جانب ثورة الاتصالات والتطور التكنولوجى والسماوات المفتوحة، كلها عوامل ساعدت الصحافة على التخلص من حواجز وقيود ظلت تكبل انطلاقتها .. كما كان لظهور عشرات الصحف الخاصة والحزبية واتساع رقعة الحرية حتى بلغت مرحلة غير مسبوقة .. هذه الحرية جعلت الممنوع مسموحاً والمحظور ممكناً وكسرت التابوهات ولم يعد هناك أمر محظور، فالمحظور فى الصحف الحكومية سرعان ما يصبح مباحاً فى صحف المعارضة والخاصة، فضلاً عن أن الفضائيات أصبحت منافساً قوياً فى صناعة الأحداث حتى أصبح للمرء البسيط القدرة على متابعة حريق مجلس الشورى على الهواء مباشرة. هنا تجاوبت الدراما وبالفعل حدثت طفرة كبيرة ظهرت بوضوح فى مسلسل "فى إيد أمينة" الذى تلعب بطولته الفنانة يسرا.
اللافت فى هذا المسلسل أنه بقدر ما يساهم فى تحسين الصورة السلبية التقليدية للصحفيين فى الدراما، إلا أنه فى نفس الوقت يسرد وقائع خيالية، بعضها يتعارض مع الواقع .. فلا العاملين فى بلاط صاحبة الجلالة جميعهم مثاليين مغامرين على طريقة يسرا فى المسلسل ولا كلهم عملاء مأجورون مثل محمود مرسى فى زينب والعرش.
أعتقد أن التطور الذى تشهده مهنة الصحافة فرض على العاملين فى حقل الدراما تعديل الصورة النمطية التقليدية المعتادة للصحفى على الشاشة إلى صورة أكثر إشراقاً وقرباً للواقع .. هذا التطور ربما فرضته عمليات التسريب المستمر للصحفيين إلى العمل فى التليفزيون، بدءاً من إعداد وتقديم البرامج وانتهاء بالكتابة الدرامية مروراً بالقيام بأدوار هامة فى الكثير من الأعمال الفنية .. الآن تحسنت صورة الصحفى على الشاشة الفضية بالفعل، لكن تبقى صورته مازالت مهزوزة لدى قطاعات عريضة من المجتمع لأسباب كثيرة، بعضها يتحمله قلة من الصحفيين انحرفوا بمهنتهم وسلوكهم حتى أصبحوا يشكلون خطراً على مهنة الصحافة نفسها.
هذه التحولات المتلاحقة جاءت فى صالح تحسين الصورة التقليدية للصحفيين، فهل يترتب على هذا فك القيود عن هذه المهنة لتصبح مهنة جذب لمزيد من الشباب الموهوب الواعد الذى يعيد للصحافة دورها الوطنى فى النهوض بمصر، والمساهمة فى بناء مستقبل أفضل لأبنائها؟