
منذ نحو 1400 عام، كانت مصر "درة" تثير شهية القائد العربى عمرو بن العاص، فيتحايل على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حتى يقنعه بضمها إلى "تاج" الإمبراطورية الإسلامية الآخذة فى التوسع شرقاً وغرباً. وفى الألفية الثالثة، صرنا نسمع كثيراً عن الريادة المصرية وأن القاهرة" هولويود الشرق"، وهو كلام غالباً ما يأتى كحق يراد به باطل، ويحمل شيئاً من التعصب "والشوفينية"، مما يستفز "الأشقاء" العرب الذين يرفضون أن تكون مصر هى "المركز" ويظلوا هم ـ إلى الأبد ـ "الأطراف"!
وبعيداً عن هذا الجدل الذى يبدو أنه لن ينتهى، يظل الانشغال العربى بأرض الكنانة أمراً حتمياً، وتظل القاهرة الحلم الأجمل الذى يطارده صناع الفن الجميل من المحيط إلى الخليج، دون أن نغمط حق الشقيق الأصغر فى التمرد بل والتفوق على "الشقيق الأكبر"، ودون أن ننسى أن نظرية "المركز والأطراف" ولت وحل محلها نظرية أخرى هى "تعدد المراكز"!
وعلى هذه الخلفية، لا يسعك سوى أن تتابع بمنتهى الارتياح وقائع هذا الغزو الفنى الجميل بقيادة كوكبة من فرسان العرب للدراما المصرية، لقد قدم جمال سليمان دور عمره فى "حدائق الشيطان"، وأصبح ماركة فنية مسجلة عنوانها الاقتدار والقوة فى الأداء، وتلاه العام الماضى "تيم الحسن" فى "الملك فاروق" ليعيد تعريف المصريين بملكهم الشاب فى أداء تمثيلى لا يوصف إلا بأنه "كامل الأوصاف"!
وهذا العام يخطو فرسان الغزو الجميل خطوة أبعد كماً وكيفاً تحت رايات الحس الفنى المختلف والتكنيك الجديد على المشاهد المصرى. "التونسى" شوقى الماجرى فى إخراجه لـ "أسمهان" عزف على وتر التكنيك السينمائى من خلال الحركة السريعة المتوترة للكاميرا ورسم أروع البورتريهات للطبيعة فى مشاهد التصوير الخارجى "السورى" باسل الخطيب مخرج "ناصر" أجاد فى نقل اللحظة الزمانية والانفعالية التى عاشها المصريون قبل نصف قرن من الزمان، لأول مرة يرى المشاهد المصرى المعارك الحربية "حية" وليست مجرد مشاهد أرشيفية على طريقة انتصار 6 أكتوبر!
"السورية" رشا شربتجى قدمت حساً مرفهاً بحياة البسطاء وأوجاعهم فى "شرف فتح الباب"، واستطاعت اختيار العديد من الزوايا والكادرات الجديدة على العين المصرية، فضلاً عن ذكائها فى توجيه "حوت التمثيل التليفزيونى" يحيى الفخرانى هو وبقية فريق العمل.
يوسف شرف الدين استطاع أن يخطف الجمهور المصرى منذ الحلقة الأولى فى "الدالى"، فقد فاجأ هذا المخرج اللبنانى الجمهور بأحداث بوليسية متلاحقة فى إطار من التشويق، وأن يكسر الفكرة القديمة التى اعتبرها الجمهور المصرى قدراً ومكنوباً، وهى أن تبدأ حلقات المسلسل مريبة، بطيئة الإيقاع، ثم "تسخن" بالتدريج!
وهو نفس ما فعله المخرج الأردنى "محمد عزيزية" العام الماضى فى "قضية رأى عام"، فقد جعل من مشهد اغتصاب الضحايا الثلاث حديث جميع البيوت والمقاهى، وتم تنفيذ المشهد الذى استغرق الحلقة الأولى بأكملها بمنطق "الصدمة الكهربائية" من خلال إبراز تفاصيل المأساة وتدرجها، وبذلك يكون "عزيزية" قد كسر أحد المسلمات التقليدية فى الدراما المصرية وهو التعامل مع العنف الجنسى بالتجاهل التام أو الإشارة الخاطفة، مما يفقد التطور الدرامى للحدث مبرراته ومنطقة الخاصة!
ورغم أن مسلسل "فى إيد أمينة" لعزيزية، جاء هذا العام وكأنه "تفصيل على مقاس" يسرا، وارتد خطوات للخلف ليحمل مشاكل النجم الأوحد الذى تتركز حوله الأحداث البطيئة، كما غرق فى المثالية، إلا أن هذا لا يمنع حقيقة أن الاستفادة من تكنيك السينما وسرعة الإيقاع وتلاحق الأحداث شكلت السمات الأبرز للحضور العربى فى الدراما المصرية.