إذا طلبت من أى فرد فى الشعب المصرى، أن يصف لى فى كلمة أو كلمتين رجال الأعمال ماذا تتوقع أن تكون النتيجة؟ للأسف ستكون سلبية للغاية وسيكون معجم اللغة العربية، بما أفرد من كلمات وصفية غير كاف لوصف هؤلاء، وعلى ما أعتقد أن كلمات "فساد وابتزاز واستغلال ونفوذ وسطوة وقوة وانتهازية وعمولات وسمسرة"، ستكون من الصفات المرادفة لكلمة رجل أعمال، على الرغم من أننى لا أحب التعميم ولا القولبة، حيث أعرف عدداً من رجال الأعمال الشرفاء، الذين زادتهم أموالهم تواضعاً وتقرباً إلى الله وهم ليسوا أغلبية.
المشكلة ليست فى رجال الأعمال، ولكن فى المناخ الذى يعملون فيه والذى ساعد على توحشهم وتغلغلهم وتسربهم للسلطة، فالفرق بين رجال الأعمال فى مصر وفى أى دولة أخرى هو النظام الذى يعملون فيه، فإذا جاء بيل جيتس أفضل وأغنى رجل أعمال فى العالم الآن من وجهة نظرى وعمل هنا فى مصر لفسد، ولرأيناه خبيراً فى جميع أفرع الحياة ولأصبح عضواً فى الحزب الحاكم، وتحديداً فى لجنة السياسات ثم وزيراً أو رئيساً للوزراء بل أكثر من ذلك، سوف يصبح خبيراً فى التهرب من الضرائب.
ولكننى لا أعتقد أنه سيكون لديه نزوات شيطانية أو غراميات وليال حمراء، لأنه ببساطة تعب كثيراً فى تكوين ثروته، ولم يجدها سهلة أو ولد وورثها عن والده، وهذه قاعدة هامة، جميع رجال الأعمال المصريين وغير المصريين الذين تعبوا فى جمع ثروتهم وكان صعودهم لسلم الشهرة والمال شاق، من الصعب أن تجدهم يسرفون فى ملذاتهم الشيطانية، حتى لو كان جو الفساد محيطاً بهم من جميع الجوانب.
وهناك رجل أعمال صديقى صاحب شركة من كبرى شركات تصنيع الملابس الداخلية فى مصر الآن، شاب فى الأربعينيات من العمر، وبمجرد تخرجه من كلية الهندسة لم ينتظر وبدأ يحلم بمشروع ضخم ولم يكن لديه أى رأس مال، فالوالد توفى وهو صغير ولم يترك له شيئاً يذكر، وبدأ فى تصنيع الملابس الداخلية، وكان يقوم بنفسه بعرضها على المحلات ويلف مصر شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، ولم يترك محلاً كبيراً أو صغيراً، إلا وذهب إليه يعرض عليه منتجاته، وبدأ يكبر فى هدوء حتى أصبح الآن يملك مصنعاً ضخماً واسماً تجارياً ذا صيت، يشرف مصر داخلياً وخارجياً فى منتجات الملابس الداخلية ولم يزده ذلك إلا تواضعاً وتقرباً إلى الله.
وفى المقابل هناك عدد من رجال الأعمال الذين اعتمدوا فى جمع مالهم على عمليات السمسرة والمضاربة وانتهاز الفرص والوصول بأى وسيلة، حتى لو كلفهم ذلك أن يبيع نفسه للشيطان وأصبح تاجراً مجرد تاجر لا يقوم بتصنيع أو زراعة أى شىء، مجرد سمسار يحصل على العمولة فقط وزادت تطلعاته للوصول إلى السلطة والاقتراب من صانعى القرار لتوفير مزيد من العمولات والصفقات، خاصة وأن المناخ العام يساعد على مشاركة المال مع السياسة دون تعارض، بل يرحب بالتزاوج غير الشرعى الذى ترفضه كافة الأنظمة العالمية، بل ويعتبر من الزواج المحرم وذلك حماية للمجتمع.
ومجرد عملية اقتراب المال من السياسة فى المجتمعات الرشيدة، يفرض عليها ضوابط ومحاذير ضخمة، وتكون هناك حوائط صد مانعه وحواجز متعددة، حتى يتم حماية المال من إغراءات السلطة، وبالتالى حماية صاحبه من التلف النفسى.
جميع رجال الأعمال الذين لهم بصمة كبرى فى التاريخ مثل طلعت حرب لم يعمل بالسياسة وتفرغ لنشاطاته الاقتصادية المختلفة والمتنوعة وعدد كبير من رجال الأعمال المميزين فى مجالاتهم مثل نجيب ساويرس لم يعمل بالسياسة، وحقيقة كل رجل أعمال يقترب من أى منصب سياسى مهما صغر حجمه أو كبر يصبح لدى تحفظ كبير بشأنه.
المجتمعات الحديثة تنهض من خلال الشركات القوية العملاقة التى تضيف إلى اقتصادياتها قوة تأثيرية فى المجتمع الدولى، وتلك الشركات تدار بواسطة نظام قوى صارم لا يعتمد على فرد أو صاحب الشركة، خاصة إذا كان صاحب الشركة مجرد وريث للشركة ولا يعرف فيما ينفق ماله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة