ونحن نعيش الأيام المباركة والتى يقوم فيها المسلمون بأداء فريضة الحج، والتى احتلت المكانة الخامسة بين فرائض الإسلام، يتميز حجاج الأقصر وقنا عن غيرهم من الحجاج، فى طريقة الإعلان عن حجهم للناس، حيث يكتبون ذلك على واجهات منازلهم.
وفى قنا وبعض المدن الصعيدية الصغيرة الأخرى لن تتعب كثيراً، فبمجرد النظر إلى واجهة المنازل سوف تعرف بسهولة إذا كان المنزل به حاج أم لا، حيث يستعين "الحج أو الحجة" بعد عودتهم من الأراضى السعودية برسام من الفنانين التلقائيين فى رسم ما يعرف بجداريات الحج، حيث يقوم بالتصوير على جدران المنزل وواجهته، وهو يؤدى مناسك الحج أى وهو يطوف بالكعبة ويصلى فى الروضة النبوية الشريفة، بجانب صورة وسيلة المواصلات التى صحبته إلى الأراضى السعودية مثل الطائرة أو الباخرة بجانب بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تشير إلى فريضة الحج وذلك من خلال الرسم.
وقد أكد الباحث المصرى عبد المنعم عبد العظيم، أن أعواد الغاب ذات الأطراف المدببة والفراجين الصغيرة المصنوعة من ليف النخيل وأقداح الماء بجانب لوحات مزج الألوان المصنوعة من الأصداف أو قطع الفخار المكسورة هى عدة المصرى القديم للتصوير على الجدران وعلى خطى أجدادهم يقوم رسامو جداريات الحج باستكمال ما بدأ فى الماضى على يد أجدادهم، مشيراً إلى أن جداريات الحج له جذور فرعونية، فالقدماء المصريون قاموا برسم العديد من الرسوم والنقوش الدينية التى تنتشر فى المقابر والمعابد الفرعونية القديمة، بجانب عثور علماء المصريات على العديد من الآدلة الآثرية التى تؤكد وجود نقوش على جدران بعض المنازل، وذلك على غرار الرسوم التى تزين واجهات منازل سكان النوبة فى أسوان، أما بالنسبة لأول رصد لرسوم وجداريات الحج فى العصر الحديث، فكان على يد بعض الرحالة الأجانب الذين زاروا مصر فى نهاية القرن التاسع عشر.
وقد أكد الباحث أن جداريات الحج كانت بدايتها عبارة عن كتابات بخط بارز تعلن عن أداء صاحب البيت أو أحد أفراده لفريضة الحج، ثم تطور الأمر إلى أن أصبح فناً وظاهرة شعبية تلفت أنظار الباحثين الأجانب أمثال آباركر وأفون نيل اللذين أصدرا كتاباً وثائقياً حول تسجيل العشرات من جداريات الحج فى الأقصر وقنا، وأشار إلى أن الذين يرسمون هذه الجداريات أغلبهم يعملون كخطاطين وكتاب لافتات، وقليل منهم ممن يحترفون الرسم، وينشطون فى مجال جداريات الحج فى أعقاب نهاية موسم الحج كل عام.
وقد التقينا بأشرف أحمد شاذلى فنان جداريات، وهو اللقب المحبب إلى قلبه، فيؤكد أنه تعلم هذا الرسم من الصغر، مؤكداً أنه يطالب بمشروع قومى لتسجيل وتوثيق جداريات الحج ورسوماته المعرضة للزوال ودراستها كظاهرة فنية وشعبية وتقديم الدعم والرعاية الفنية لفنانى جداريات ورسوم الحج، وذلك من خلال قصور الثقافة المنتشرة بصعيد مصر، وأكد أنه يقوم بتسجيل طريقة ذهاب الحج إلى الأراضى الحجازية، بدءاً من ركب الجمال ومروراً بالسفينة والطائرة وتسجيل مظاهر الفرح وتوزيع الشربات واستقبال الأحبة عند العودة، ولكن قبل ذلك كله لابد من القيام بأول خطوة وهى قيام أصحاب البيت (بتنحيره) بالأسمنت فى حالة المنزل الحديث أو بالطين إذا كان منزلاً قديماً.