المصريون الفقراء .. لاجئون على أبواب السفارات

الأحد، 21 سبتمبر 2008 01:51 م
المصريون الفقراء .. لاجئون على أبواب السفارات تصوير - سامى وهيب
كتب محمود سعد الدين ومحمد البديوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تجمع المئات من المصريين على باب السفارة القطرية قبل أذان المغرب، بعضهم أفطر على تمرة، والبعض الآخر لم يتناول إفطاره من الهم والحزن .. إنها وجوه مصرية حفر فيها الزمن البؤس والشقاء، عيون حائرة متعبة، تبحث عن مساعدة، لم تجدها من مؤسسات مصرية، ولا من مرتب لوظيفة حكومية أو معاش بعد خدمة العمر فى تراب الميرى .. فكان الوقوف على باب السفارة القطرية وتقديم الأوراق الرسمية، والتى لا تقتصر على شهادة الميلاد أو صورة البطاقة، إنما تتعداها إلى تقديم شهادات تفيد بأن صاحبها مريض، بالإضافة إلى مفردات المرتب، وعقد الزواج .. المهم أن أى ورقة تقدمها تمنحك "صك الفقر" لكى تحصل بها على إعانة مالية، لا تتجاوز مائتى جنيه من سفارة هى الأكرم والأكثر عطفاً على الفئة الدنيا من المصريين، أكثر من حكومتهم.

مشاهد عديدة تصدم عينيك لسيدات يجرين وسط الشارع خلف الموظف المكلف من قبل السفارة بجمع صور البطائق الشخصية والشهادات المرضية .. حاولنا التقاطها بكاميرا لا يزيد حجمها عن عرض كف اليد وبجودة لا تزيد عن 6 ميجابكسيل، ظننا أننا سنلتقط صوراً فى الخفاء دون أن يدرى أحداً، إلا أن وميض (فلاشها) جذب إلينا الأنظار من أول صورة، ليلتف حولنا العديد من الرجال والسيدات، وصرخ فى وجوهنا صوت يقول "إنت عايز تصورنا وإحنا بنشحت .. امسح الصور".. كان هذا الصوت لشاب فى الثلاثين من عمره .. ليشحن الأجواء حولنا بحتمية مسح الصور وإلا "الضرب" يكون مصيرنا، وفى محاولة منا لاحتواء الموقف، طلبنا منه استكمال الحديث بعيداً، لكنه رفض وصاح بأعلى صوته قائلا "هنتكلم قدام الكل هو فى إيه نخبيه".

حاولنا لتهدئته لاستكمال الحديث بعيداً عن زحمة طالبى (الصدقة) ـ وإنا لنأسف لهذه الكلمة ولكنها الحقيقة والواقع ـ ونجحنا فى إقناعه بضرورة توثيق الموضوع بالصور حتى نرفع معاناة شريحة كبيرة من الشعب المصرى للمسئولين لعلهم يتحركون، إلا أن الشاب استحلفنا بالله أن نمسح الصور وتركنا وانخرط مع الناس أما باب السفارة، إلا أن سيده كانت تحمل على كتفها طفل رضيع، بادرتنا ببكاء امتزج مع كلامها وقالت: "يعنى يرضيكم يبقى ذل وشحاتة وتصوير وفضيحة كمان.."، فى مشهد جسد بكاء المظلوم والمذلول فى بلده.

الزحام سيد الموقف
تجمهر المئات من المواطنين البسطاء الذين حطمهم الفقر أمام سفارة قطر، طالبين العطف القطرى، وحاول البعض تنظيم الصفوف وتقسيمها إلى صف للرجال وآخر للسيدات، وصفوف أخرى جانبية لأمراض الفشل الكلوى والكبد، وصف آخر للمعاقين، وثالث للأرامل.. لكن فشلت هذه المحاولات وظل الزحام سيد الموقف، ليتطور إلى الشجار بين بعضهم البعض .. وكأن هذه المنحة هى طوق النجاة لهم .. وعندما تابعنا هذا التجمهر، وجدنا أن أكثر الصفوف زحاماً كان صف الأرامل، حيث يجذب اللون الأسود "الزى الرسمى لهن" الأنظار، ناهيك عن نظرات حزن تخرج آهات المعيشة الصعبة، التى تعجز وتخجل الألسنة والأفواه عن الخروج بها. نعم إنه خجل .. فهم أناس لم يلجأوا إلى التسول فى الشوارع طالبين الشفقة، بل ذهبوا لمكان يمكن أن يوفر لهم الحد الأدنى للمعيشة فى الخفاء، ولكننا نكشفه من قبيل رفع معاناتهم إلى من يهمه الأمر..

أم محمد إحدى الأرامل اللائى تجمعن أمام السفارة، أعطتنا شهادة وفاة زوجها مصطفى محمد موسى، لتبرر لنا أنها ما جاءت إلى هنا لتقف وتمد يدها إلا بعد أن انقطع باب رزقها الوحيد .. أين معاش مبارك؟!!

الظروف السوداء هى السبب
"لو عايز تعمل فينا معروف ياريت توصل الرسالة دى للمسئولين .. انزلوا للفقراء"، كانت هذه كلمات سمير محمود، الذى وقف على الجانب الآخر للطريق، حيث دفعنا الفضول للسير نحوه للحديث معه. سمير الذى يتكأ على عكاز خشبى بديلاً عن قدم تم بترها إثر حادث، يعجز عن العمل، وجاء من بيته بصحبة أبنائه الثلاثة بعد انتهاء يومهم الأول من العام الدراسى الجديد.

يقول سمير، إنه ظل قبل الحادث عاملاً مؤقتاً بأحد المصالح الحكومية، ليخرج منها بمعاش السادات الذى لا يتجاوز عن 80 جنيهاً .. نفس الحال بالنسبة لصبرى مصطفى، الذى أجرى عملية استئصال غضروف منذ سنتين، وقال لنا "إيه اللى يخلينا نعمل كده إلا الظروف السودة".

ذكريات على باب السفارة
عم محمد تعرف على الحاج زينهم على أبواب السفارة القطرية ليتسامرا فى أول ليله من ليالى العشر الأخير من رمضان، جلسا فى حديقة مصطفى محمود ليتبادلا زمناً مضى من الذكريات لحين يأتى دورهم. الحاج زينهم الذى يحصل على معاش السادات 79 جنيهاً لا يكفى لشراء "عيش حاف"، جاء من منطقة الهرم قبل أذان المغرب ليحجز دوره فى الصف، بدأ عم محمد الحديث مع الحاد زينهم بـ "الغلب يعمل فى البنى أدمين أكتر من كده"، "لازم هتتعود على كده .. هتتعود على الشقا، إيه 79 جنيهاً هتعملك إيه فى حياتك"، وقالها وكأنه على يقين بأنه لن ينصلح حال فى هذا البلد!!

يقيم عم محمد فى شقة بالدور الأرضى بإمبابة هو وابنه، ويدفع إيجاراً 60 جنيهاً، ولكنه لم يدفع الإيجار منذ 11 شهراً .. المفارقة أن المعاش الذى يحصل عليه هو "معاش مبارك".

موظف الميرى خيل حكومة
محمد سمير محمود، يبلغ من العمر 46 عاماً، أصيب أثناء عمله بشركة حكومية، يقول "أنا أصبت خلال العمل، كان المفترض توصيف حالتى ـ بإصابة عمل ـ علشان يصرف لى التعويض، ولكن تم تحويلى مرضى علشان ميدفعوش فلوس، وذهبت الكومسيون، وجاءت التقارير بعجز كلى مستديم، وأحصل على معاش 292 جنيهاً بعد 8 سنوات من الخروج من المعاش"، محمد سمير أب لخمسة أبناء منهم طالبان جامعيان، مصاريفهما تتجاوز الثلاثمائة جنيه فى الشهر، يقول بحسرة "والله ما جبت هدوم مدارس لعيالى السنة دى"، ليس هذا فقط، بل لدية ابنة مريضة بربو شعبى ومزمن، وتحتاج إلى علاج شهرى بـ150 جنيهاً.. ولديه بنت فى سن الزواج ولا يستطيع تجهيزها.

للأسف.. تجود السفارة القطرية بمئات من وجبات الإفطار يومياً على مدار شهر رمضان ـ نعم للأسف لأن كرامة الفقير لا وجود لها ـ وأفاضت فى كرمها بتقديم معونات للفقراء من الشعب المصرى فى العشر الأواخر من رمضان، لم تفعل مثله المؤسسات الحكومية المنوطه بذلك ولا حتى المؤسسات الأهلية والخيرية التى تلبس عباءة الدين وعندما تعطى .. تغلف عطاءها بمعاملة سيئة لتؤكد أن الفقير ليس من حقه أن يحافظ على كرامته أمام حقه فى الحياة.

وهنا يظل التساؤل، أليست وزارة التضامن الاجتماعى هى وزارة الفقراء والمعدومين؟! أليست هذه الوزارة من واجبها مراعاة هؤلاء الذين يموتون كل يوم، إما تحت عجلات العربات أو حرقاً فى القطارات أو تسقط عليهم الصخور؟!!

هل سيأتى رمضان المقبل حاملاً معه الأهالى من يكدس موائد الرحمن ومن المحتاجين من يصطفوا على أبواب السفارة؟!! هل سيأتى رمضان المقبل بمزيد من الكرامة لفقراء هذا الشعب؟!! هل سيأتى رمضان المقبل وقد تحرك المسئولون ممن يهمهم الأمر؟!! إنه سؤال تجيب عنه الأيام!!
وأخيراً.. وبالرغم من الأسى لحال الفقراء منا .. لا نملك سوى التقدم بالشكر للسفارة القطرية، التى أحست بمعاناة أهلنا .. وكانت خيراً منا فى التعامل معهم.



نموذج لاستمارة مساعدة اجتماعية





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة