أشرف الليثى

هل آن الآوان للقاهرة أن تستريح

الثلاثاء، 02 سبتمبر 2008 12:35 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت زيارة قصيرة إلى ميلانو فى إيطاليا، إلا أنها جعلتنى أفكر فيما رأيت هناك لمدة طويلة، فهى من المدن الإيطالية الجميلة التى تتميز بالحيوية والنشاط، وتستطيع أن تجد فيها أى شىء تريده، علاوة على أنها مدينة تجارية وصناعيه لا تهدأ، وفى تلك الزيارة التى عايشتها فى شهر أغسطس كانت المدينة على غير عادتها، فالصمت يلفها من كل جانب، والهدوء يخيم على شوارعها التى بدت لى شبه خاوية، أو هى بالفعل خاوية تماماً، والمحلات مغلقة فيما عدا عدد قليل من محلات الطعام، عند هذه الصورة يعتقد الزائر للمدينة، أنها أصبحت مدينة أشباح!!.. فماذا حدث؟؟

استفسرت من صديقى محمد حلمى "المستشار التجارى المصرى" فى ميلانو فقال: إن المدينة بالكامل تحصل على إجازة فى شهر أغسطس، وجميع المصالح والمحلات تغلق أبوابها لمدة شهر بمناسبة إجازة أغسطس، فالجميع فى إجازة .. الغنى والفقير وصاحب العمل والعامل، وعلى الزائر لميلانو أن يعرف قبل أن يأتى إليها؛ بأن شهر أغسطس بالكامل تغلق فيه ميلانو أبوابها، وتخلع فيه ثوب العمل، وتسترخى تماماً، استعداداً لموسم عمل شاق يستمر لمدة أحد عشر شهراً.

أحسستُ أن جميع عناصر المدينة تسير وفقاً لنظام دقيق، فساعات العمل مقدسة ومعروفة للجميع، وحتى العطلات السنوية والأسبوعية أيضاً معروفة، وتستطيع أن تعد جدول أعمالك بسهولة ويسر، وفقاً للثوابت التى تسير عليها تلك المدينة الإيطالية الهامة، وكذلك باقى المدن الإيطالية والأوربية بصفه عامة.

وانتقلنا على الفور إلى مصر، والحديث عن الأوضاع الآن، وعن حالة الفوضى التى أصبحت تعم حياتنا، فلا موسم إجازات، ولا موسم عمل، وليس هناك نظام، وأصبح اللانظام هو المسيطر، فمتى تنام القاهرة، ومتى تستيقظ، والحكومة تغير الساعة فى الصيف لتوفير الكهرباء؛ أى كهرباء هذه التى توفرها والقاهرة لم تنم على الإطلاق، وأصبحت تلك الظاهرة مقلقة للجميع، فالمحال التجارية لها الحرية كاملة لتحديد موعد مزاولة النشاط، وموعد الإغلاق، والناس فى الشوارع ليل نهار، والكافيهات تلك الآفة الجديدة مفتوحة 24 ساعة فى اليوم، ومحلات المشروبات والأطعمة تفخر بأنها تعمل على مدى اليوم، وحتى كبار المسئولين لا نعرف موعد إجازاتهم، وعطلاتهم السنوية التى هى مقدسة فى جميع دول العالم كما نرى.

وأى إنسان يشعر أن المصريين لا يحصلون على إجازات حقيقية، وهذه فعلاً حقيقة لا تقبل المناقشة، بل هناك فئة كبيرة تعتبر الإجازات رفاهية خاصة من جانب العمال، وعلى الرغم من ذلك إنتاجيتهم العامة ضعيفة وغير متقنة، والسبب أنهم يعتقدون أن لقمة العيش تحتاج أن يعملوا ليل نهار، وطوال أيام الأسبوع، وحتى الإجازة الأسبوعية شبه محرمة عليهم، ولا أدرى أى منطق هذا الذى يسيرون عليه ويفكرون به، والنتيجة أمراض عديدة تقعدهم عن العمل أياماً وأسابيع كثيرة، وإنتاجية ضعيفة، ولا يوجد إتقان فى العمل.

فى جميع دول العالم تشعر أن الحكومة متواجدة بشكل دائم ومستمر فى حياة الدول وشعوبها دون أى تدخل مباشر، حيث هناك مؤسسات غالبيتها أهلية تعمل على تسيير جميع شئون الحياة؛ بدءاً من تحديد موعد العطلات، حتى السيطرة على الأسواق، وعدم السماح بدخول بضائع ضارة بالصحة إلى الأسواق، والسيطرة الحكومية غير المرئية شاملة جميع نواحى الحياة.

وفى المقابل فى مصر لا تجد للحكومة تواجداً يذكر، فالشارع غير منضبط، والعشوائيات والعشوائيون يسيطرون على الشارع بشكل كبير، وأى مستورد يستطيع أن يستورد أى سلعة يريدها، سواءً كانت صالحة للاستخدام الآدمى أو لا تصلح، والأسعار ترتفع وفقاً لأهواء ومزاج التجار، ويمكن القول أن الشارع المصرى أصبح الآن بلا صاحب ولا رادع.

حقيقة نحتاج إلى وقفة جادة وقوية، ونحتاج إلى تنظيم جميع نواحى حياتنا، فحقيقة الشعب المصرى المطحون المظلوم يحتاج إلى من يفرض عليه الإجازة، والمدن المصرية جميعها، وبصفة خاصة القاهرة تحتاج إلى نوع من أنواع التبريد الجزئى، والتوقف قليلاً عن الحياة الصاخبة، وإلى قليل من الهدوء، نحتاج إلى تحديد فترة سنوية تتوقف القاهرة فيها عن نمط الحياة المتسارع، وتخلع فيها ثوب العمل، وتلبس ملابس السكينة، بل والنوم إذا لزم الأمر، نحتاج إلى شهر يتوقف فيه الضجيج والصخب، وحتى إذا استلزم فرض ذلك بالقوة؛ مثل اليابان التى تفرض الإجازات بقوة القانون.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة