ساد الاعتقاد بأن مشكلة غزة تتلخص فى فتح معبر رفح، نظراً لما يعنيه المعبر بالنسبة لهذه المشكلة من نواحٍ عديدة، أولها أن غزة محاطة بمصر وإسرائيل، وأن معظم احتياجات القطاع تأتى من إسرائيل، بما فى ذلك العالم الواسع عبر مصر، حيث يشعر الفلسطينيون بدرجة عالية من الثقة فى مشاعرهم الإنسانية والقومية، ويتصور الفلسطينيون أن مصر تختلف عما يشعرون به نحوها، ولكن المحقق أن مأساة غزة أكبر بكثير من معبر رفح، وهى تتعلق أساساً بالاحتلال، وهو الأصل الذى أثمر كل هذه الفروع والآثار القاسية.
فالمأساة لها مظاهر وأسباب، كما أن الحل ليس له مفتاح واحد، ولذلك فإن تحميل طرف واحد للمعاناة يجافى الحقيقة، فمظاهر المأساة تتبدى فيما نراه من معاناة يومية مادية ومعنوية وإذلال للشعب وإحراج لقياداته، ولكن السبب الرئيسى فى نشأة المأساة واستمرارها، هو المخطط الإسرائيلى الذى أسعده أن تغلق حماس مهما كانت الأسباب والدوافع، القطاع عليها، وترتفع أسوار الانفصال بين غزة ورام الله، كما ترتفع أسوار العداء والقطيعة.
ثم وجدت إسرائيل أن إنشاء هذا الوضع الضاغط على حماس يحقق ما تريده إسرائيل من إبادة لشعب تريد فناءه، وضغط على عدو لا تطيق وجوده، لا يمكن أن ينجح إلا بأمرين آخرين:
الأول: إرهاب الدول العربية، ومصر فى المقدمة، بالضغط الأمريكى المباشر، وتخويفهم جميعاً من مغبة نمو حماس "وكر الإرهاب والنفوذ الإيرانى وامتداداً للإخوان المسلمين".
أما الأمر الثانى: فهو التحالف مع أبو مازن بشكل خاص، وقيادات فتح بشكل عام، على أساس اتحاد المصلحة فى إضعاف حماس أو إخراجها من المعادلة، بحيث بدأ السكوت على الموقف، بما يعنى زيادة المعاناة، وهذا هو الحد الأدنى المطلوب من أبو مازن والعالم العربى.
وبقطع النظر عمن المسئول أو العلاقة بين المأساة والممر، فإن إلحاح المأساة وسقوط ضحايا يستغل من قبل أطراف معينة، ولكنه يدفع المراقب إلى محاولة البحث السريع عن تخفيف المعاناة، أو إزالتها بالكامل، وهذا الحل الكامل لن يتحقق ما دامت الخطة الإسرائيلية مسكونة بأهداف الإبادة والوقيعة وتمزيق النسيج الفلسطينى، لتتهم فتح حماس بأنها السبب، وكأن إنهاء سيطرة حماس على غزة هو الحل السحرى للمشكلة؛ لأن إسرائيل هى المستفيد الوحيد من هذه الورطة، وأظن أنها تقاوم إنهاء السيطرة الأحادية، حتى تظل الذريعة للإبادة مستمرة.
لكن خطة الإبادة لغزة سابقة على انفراد حماس بحكم غزة، ولذلك فإن إنهاء هذا الانفراد، لن ينهى خطة إسرائيل التى تمنى رئيسها أن يرى غزة غارقة فى بحرها.
وهناك من يرى أن إسرائيل هى المشكلة الأساسية التى تسببت فيما حدث فى غزة من مآسٍ وانشقاقات وصراعات وهذا هو الصحيح، ومن ثم فإن إسرائيل تعمدت أن تترك وضع غزة غير محدد، فلا هو خاضع رسمياً للاحتلال، ولا هو إقليم تحرر من الاحتلال، حيث تملك إسرائيل كل السلطة على الأرض والسكان.
ولذلك يجب على العالم العربى أن يتمسك بأن الإقليم خاضع للاحتلال، حتى يتمتع بالحماية القانونية المقررة للأرض والسكان تحت الاحتلال الحربى، رغم أن إسرائيل لا تريد ذلك، وإنما تخترع قانوناً دولياً جديداً فتعلن غزة إقليماً معادياً، حتى تبرر استباحته، وهو أمر لا يعرفه القانون الدولى الذى تطبقه الدول المتمدينة.
من ناحية ثالثة، قال البعض: إن مصر هى التى تتحمل المسئولية عما يعانيه سكان غزة، لأن بوسعها أن تفتح معبر رفح حتى يفلت سكان غزة من القهر الإسرائيلى، ويجدوا احتياجاتهم من خلال مصر، وأن مصر بإغلاق المعبر إنما تساعد الخطة الإسرائيلية، وبذلك حشر أهل القطاع بين إسرائيل ومصر، وكلاهما حريص على علاقته بالآخر على حساب الشعب الفلسطينى.
وقد سبق أن شرحنا فى مناسبات سابقة، الموقف المصرى الذى نفهمه، لكننا لا نوافق تماماً عليه، وملخصه "أن معبر رفح ملك خالص لمصر، ولمصر قرار فتحه دون أى التزام قانونى بإغلاقه، ولكن إسرائيل هى التى تضغط على مصر، حتى يظل إغلاق المعبر أداة ضغط ضد سكان غزة لصالح إسرائيل، بل إن فتح المعابر جميعاً كان جزءاً من اتفاق التهدئة، ولكن معبر رفح المصرى أصبح ورقة فى يد إسرائيل، ليس مقابل التهدئة، ولكن مقابل إطلاق سراح شاليط الجندى الإسرائيلى الأسير".
وإذا أرادت مصر أن تفتح المعبر بصرف النظر عن الطرف المسيطر عليه فى الجانب الآخر، فإن ذلك سوف يخلق تعقيدات أمنية وسياسية، ولذلك نرى أن مصر لابد أن تحدد استراتجيتها العامة تجاه إسرائيل، فإما أن تمارس إرادتها على المعبر دون اكتراث لتبعات ذلك مع إسرائيل وأمريكا، وإما أن تخضع نفسها لحسابات المكسب والخسارة، ولكن ذلك كله لا يعفى من اعتبار إسرائيل ومصر وأمريكا، والسلطة شركاء فى مأساة غزة، بصرف النظر عن مواقفهم جميعاً من حماس، فهناك جريمة مستمرة، يشترك الجميع فى تحمل وزرها الدنيوى وأمام الله.
وإذا كانت مصر، كما يبدو، هى مفتاح الحل عن طريق معبر رفح، فإن أبو مازن فى الواقع هو صاحب المفتاح والتحدى الذى أطرحه لاختبار الموقف المصرى، وموقف أبو مازن هو أن يطلب أبو مازن رسمياً من مصر فتح معبر رفح، فإن تخلفت عن الطلب وجب أن تتحمل المسئولية.
ومادام أبو مازن هو رئيس كل الشعب الفلسطينى بمن فيهم سكان غزة، فيجب أن يسعى لإنقاذ غزة، ويستعلى على خِلافِهِ مع حماس، وألا يتأخر لحظة واحدة، مادام الحل فى يده، حتى يدفع عن نفسه تهمة إبادة غزة نكاية فى حماس خصمه السياسى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة