الصحفية المصرية أمل سرور دخلت الأراضى الفلسطينية (بلد زوجها) لاستخراج شهادة ميلاد لابنها إسلام، وخرجت بسلسلة مشاهدات تصف فيها مأساة الشعب الفلسطينى، أطلقت عليها "مشاهدات عائدة من الوطن الجريح"، ولكن وصفت زيارتها على أنها تطبيع، مما دفعها لسرد أحداثها فى حوار مع اليوم السابع..
استقبلنى على باب الشقة بطل القصة ابنها إسلام وزوجها الدكتور ماجد، كان لقائى بها فى غرفة المكتب الذى زينت حوائطه بالعلم الفلسطينى وبعض الصور للصغير وهو يحمل العلم، أجمل مشهد قد تراه عيناك يقع فى أحد أركان هذه الغرفة، وهو الذى يجمع بين مصحف كبير إلى جواره صورة للعذراء مريم، فى سماحة غير مصطنعة.
ما تعليقك على ما أثارته مقالاتك الأخيرة عن رحلتك إلى فلسطين؟
قبل أن أغادر مصر وأنا أعلم جيدا أن هناك جدلا سيثار حول موقف النقابة من سفرى، وقراراتها حيال ذلك، لكننى لم أكن أتوقع أن يحدث أثناء نشر المشاهدات، لأنهم فى هذه الحالة لن يعلموا مبرر سفرى.
هل كنت تتوقعين مثل هذه الضجة؟
كنت متوقعة أن يثار جدل ولكن ليس بهذه الصورة العنيفة وليس فى هذا التوقيت، فقد أثيرت الضجة بعد الحلقة الثانية مباشرة.
يرى البعض أن ما قمت به يعد تطبيعا، ما ردك على هذا الاتهام؟
أولا أنا لست فى موضع اتهام حتى أدافع عن نفسى، وثانيا من اتهمنى لم يقرأ مقالاتى، وأنا أحترم المؤيد والمعارض فى الفكر أو فى العمل نفسه، وأيضا أحترم أى شخص يقف ضدى، ولكن عندما يملك القناعات والنقاط التى يمكن مناقشتها. وأطالب من اتهمنى بالتطبيع بأن يقرأ فقط أول حلقة من مشاهداتى ثم يطلق حكمه.
يشير البعض إلى أن ما أثير ضدك، كان بصفتك الشخصية وليس بصفتك المهنية؟
لا أريد التفرقة بين الصفتين، ودعينا نقول إنه هجوم على صفتى المهنية، لأننى فى النهاية صحفية من بين آلاف آخرين، ولا أريد أن أظلم أحدا، وأقول إنه بصفتى الشخصية، لأن تاريخى بأكمله لم يحمل عداءً ضد أى أحد ولم أقوم بإيذاء أى شخص فى يوم من الأيام.
من الذى وجه لك هذا الاتهام؟
لا أعلم إلا من خلال ما نشر، وقيل إنهم مئات من الصحفيين المصريين، لكننى حتى الآن لم أر واحدا منهم، وأعتقد أن ما نشر ليس صحيحا، لأن آلافا من الصحفيين اتصلوا بى على هاتفى وإيميلى الشخصى وعلى موقع الصحيفة التى نشرت فيها المشاهدات، وجميعهم يناصروننى كأم ويساندوننى فى موقفى. وللأمانة، لا يهمنى معرفة من الذى وجه هذا الاتهام، لأنه فى النهاية شخص لم يقرأ ما كتبته حتى يطلق هذا الحكم، وهذا ينم عن ضيق أفق لأن المسألة ليست مسألة تأشيرة إسرائيلية يحملها جواز سفرى.
هل تقصدين أنك لا تعلمين حتى الآن شخصية من وجه لك الاتهام؟
علمت من هو، ولكن لن أتحدث عنه احتراما منى لرأيه، ولأننى أيضا لست متأكدة حتى الآن من شخصيته.
ألا تؤكد معرفتك للشخص المهاجم، أن الهجوم جاء لسبب شخصى، وليس لسبب موضوعى؟
لا أعتقد ذلك لأننى لا أعرفه معرفة شخصية، ولم يحدث بيننا أى لقاءات من قبل، ولكن فى النهاية دعونا نفترض حسن النية ونقول إن الهجوم سببه مهنيا. ولأن الدكتور ماجد زوج الصحفية أمل سرور، كان موجودا بالصدفة، فلم يخل الحوار من مداخلته، إذ قال إن زيارة زوجته إلى فلسطين لا تعد تطبيعا، لأنه لم يكن فى حسابها أنها مسافرة إلى إسرائيل.
ماذا تقصد يا دكتور ماجد؟
زيارة السجين ليست اعترافا بالسجان، لأننى مضطر للتعامل مع السجان للحصول على إذن بزيارة السجين.
قاطعته أمل قائلة: هذا صحيح، خاصة فى حالتى، وأكثر ما ضايقنى اقتران اسمى بأشخاص آخرين ذهبوا لإسرائيل لأسباب تختلف عن مبرر دخولى تماما، وعموما أنا لى موقف ثابت ضد إسرائيل بسبب احتلالها أرضاً عربية، ولن أغير هذا الموقف، وكان فى استطاعتى دخول يافا وحيفا وعكا والنصرة وتل أبيب، لكننى رفضت، على الرغم من أنه حلم أى صحفى أن ينقل صورة بلدنا المحتلة وأرضنا المغتصبة. ويرد الدكتور ماجد شارحا طريقة السفر، أمل كان فى إمكانها الذهاب بالطيران المباشر إلى تل أبيب بنصف قيمة التذاكر التى أنفقناها إلى فلسطين ولكنها رفضت.
هل طلبتك النقابة للتحقيق فى الأمر؟
لا، حتى الآن لم تطلبنى، وإن طلبتنى سأذهب لأننى أحب نقابة الصحفيين جدا لأنها نقابة قوية وعريقة وأنا أنتمى لها، وجاهدت كثيرا لألتحق بها.
من هو مرافقك فى الرحلة غير زوجك؟
الكاتب الصحفى يونس العمورى من جريدة القدس، وكان يقوم بتحديد المواعيد لى ويرافقنى دائما، خاصة فى لقاءاتى مع المسئولين، وكان يقدمنى للفلسطينيين على أننى الأم التى جاءت إلى فلسطين لتسجيل ابنها لتعطيه حق العودة، وهنا كنت أجد ترحيبا كبيرا أكثر بصفتى المهنية كصحفية. والغريب أن الفلسطينيين يفهمون معنى التطبيع ومعاييره أكثر من أى شعب آخر، ونحن لا نعلمها، فعندما علم هذا الشعب بهدفى من الزيارة وهو تسجيل ابنى، ثم استغلال صفتى الصحفية فى عمل بعض الموضوعات، كان الترحيب يزداد بي.
صرحت بأن النقابة إذا أرادت شطبك فلتفعل، هل كنت تقصدين ذلك بالفعل؟
نعم صرحت بهذا فى برنامج "العاشرة مساءً"، لكن كنت أقصد أن النقابة فى حال رؤيتها لما قمت به من تسجيل لابنى، ليكون له حق العودة الذى تنادى به جميع الشعوب العربية على أنه تطبيع، وتقوم بشطب اسمى من النقابة فأهلا بالمعارك.
وماذا ستفعلين إذا شطبتك النقابة؟
لا أعتقد أن الأمر سيصل لهذا الحد، وإن حدث فهناك قانون فى البلد وسأسترد حقى وحق ابنى لأننى سافرت أولا كأم، وثانيا كصحفية.
أى أنك قبل السفر كنت تعتزمين كتابة هذه السلسلة ونشرها؟
ليس بهذا الكم، والدليل أننى لم أصطحب معى أدواتى المهنية حتى الكاسيت لم أضعه فى حقيبتى، التى لم أضع فيها سوى ملابس طفلى والأوراق اللازمة لتسجيله.
ما رأيك فى العمل الصحفى فى الأراضى المحتلة، وموقف مصر منه؟
القضية شائكة، إلا أننى متفقة مع موقف مصر وأقول "أمل سرور ضد التطبيع بكافة أشكاله وألوانه"، وأنا ضد أى صحفى يسافر الى أرض محتلة، حتى وإن كانت فلسطين، إلا "بمبرر"، رغم احتياج الشعب الفلسطينى بكل فئاته وأعماره إلى دعم الدول العربية، وخاصة مصر، لأنها بالنسبة للفلسطينيين هى الرئة التى يستنشقون من خلالها الحرية، ولولا إسلام ابنى، ولن أقول لولا ماجد زوجى، ما استطعت كصحفية دخول الأراضى المحتلة وممارسة عملى الصحفى.
كيف تكونين ضد التطبيع، وفى نفس الوقت مع نقل صورة هذا الشعب المقهور؟
هذه القضية لها أكثر من رد، فتجدهم يقولون يكفى أن الفضائيات تنقلها فليست أمل سرور أو غيرها من الصحفيين هى التى ستنقل مأساة فلسطين، وقانون النقابة هو الذى يحكمنى ولابد من احترامه، والأمر شائك بالنسبة لمصر لأنها وقعت اتفاقية كامب ديفيد التى تنادى بالتطبيع مع إسرائيل .
هل تجدين أن قانون العمل الصحفى يحتاج إلى تغيير لوضع كلمة "مبرر" التى ذكرتيها؟
بالطبع القانون يحتاج لتغيير، وأنا أطالب بهذا من خلال وضع بند استثنائى فى القانون للصحفية المتزوجة من فلسطينى لتعطى لأبنائها حق العودة، وأحتاج أيضا منهم أن يفسروا لى ما هو معنى التطبيع من وجهة نظرهم.
أثار الفنان جورج البهجورى جدلا فى نقابة الصحفيين بسبب سفره ضمن معرض لفنانين يدعون للسلام.. ما رأيك فى أن التجارب تتوالى رغم رفض النقابة للتطبيع، هل هذا مؤشر للتمرد على الوضع الحالى والمطالبة بتغيير القانون؟
لا أعلم ولا أتوقع حركة بهذا الشكل، لأن القانون هو القانون وأنا كما سبق وأشرت ضد فكرة السفر لأى صحفى، ولكن لابد أن يكون هناك نظرة لسبب السفر، وكان فى يدى فرصة للسفر منذ 10 سنوات، وأقوم بعمل صحفى أفضل من هذا بمراحل عن طريق الدعوات التى ترسلها السفارة الإسرائيلية للمشاركة فى احتفالات قيام دولة إسرائيل، ولكننى كنت أمزق هذه الدعوات لأننى ضد التطبيع.
وماذا عن موقفك من مسابقة سمير القصير اللبنانية؟
تقدمت لجائزة الصحفى سمير القصير للمشاركة فى المسابقة هذا العام، واكتشفت بعد ذلك أن إسرائيل مشتركة أيضا فأرسلت للقائمين على المسابقة إيميل شديد اللهجة أعيب عليهم الموافقة على مشاركة إسرائيل فى جائزة باسم الصحفى المناضل الذى اغتيل على أرض لبنان، وأننى لن أشترك فى هذه المسابقة، وطالبتهم بمحو اسم هذا المناضل الشريف من على الجائزة، وكان رد المفوضية الأوروبية على رسالتى أنهم ليسوا ضد أى دولة تشترك فى المسابقة.
تقييما لمشوارك وإنجازاتك كأول صحفية عربية تذهب لجنوب لبنان عام 1997، وخبطاتك الصحفية المتوالية، هل تشعرين أنك لم تنالى القدر الكافى من التقدير، وأن هناك من هم أقل منك تم تقديرهم أكثر؟
نعم هذا صحيح، ولكن كل إنسان فى هذه الدنيا له 24 قيراطا، ولابد أن يحصل عليها مقسمين ما بين العمل والعائلة والصحة والأولاد والزوج والأب والأم، ولذلك أنا راضية بهذا الوضع وأحمد الله لأنه منحنى الـ24 فى عائلتى، ولكن عندما أختلى بنفسى أقول إننى كنت أستحق مكانة أفضل فى عملى بعد كل هذا المشوار والجهد والعرق والكتابة بالدماء، وكنت أنتظر من مصر أن تقدرنى أكثر، وللأسف لم أصدر أى كتاب أجمع فيه أعمالى حتى الآن.
ولماذا لم تصدرى هذا الكتاب؟
لأننى منتظرة مكالمة تليفونية تأتينى من أى دار نشر تطلب هذا، ولا يهمنى فى هذا العائد المادى، وللأسف لم تأت هذه المكالمة، وطالت حالة الانتظار، لذلك قررت أننى لن أستمر فيها كثيرا حتى لا تضيع أعمالى، وأفكر الآن بشكل جاد أن أجمع أعمالى فى كتاب، على الأقل من أجل ابنى وقرائى الذين اكتشفت أننى أملك قاعدة عريضة منهم، وهذا ما أسعدنى جدا من خلال التعليقات التى كشفت أن الناس تتذكرنى وتتذكر أعمالى، ومن أجلهم جميعا سأصدر الكتاب ولن أخجلهم.
أمل سرور دخلت فلسطين لتسجيل طفلها، فاتهمت بالتطبيع - تصوير عمرو دياب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة