سعيد الشحات يكتب: أكاذيب حمادة حسنى حول جمال عبد الناصر

الخميس، 18 سبتمبر 2008 05:20 م
سعيد الشحات يكتب: أكاذيب حمادة حسنى حول جمال عبد الناصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"أنا أفخر بأننى واحد من أهالى بنى مر، وأفخر أكثر من هذا بأنى واحد من عائلة فقيرة، وأنا أقول هذا لأسجل أن جمال عبد الناصر سيستمر حتى يموت فقيراً فى هذا الوطن". كانت هذه الكلمات وغيرها مما قالها جمال عبد الناصر فى توصيف انتمائه الاجتماعى والطبقى مثار فخره الدائم، واعتزازه بكونه ابن موظف بريد، وكان هذا من أسرار ارتباط الجماهير به.

قال عبد الناصر ذلك بصراحة الكبرياء والاعتزاز وفتح بهذا طاقة الأمل أمام الطبقات الفقيرة، التى عاشت محرومة لآلاف السنين، لكن المصيبة أن تجد باحثاً أو كاتباً يعتبر الفقر سبة أو عيباً من عيوب شخصية عبد الناصر.

ومن هذه العينة، ما يكتبه المؤرخ الدكتور حمادة حسنى الذى افتقد موضوعية ورصانة الباحث فى مقاله حول مسلسل "ناصر"، وبدا فى لغته، أن له ثأراً شخصياً مع الزعيم الراحل، ويبدو أن هذا الثأر أفقده الموضوعية أكثر فبعث بقذائفه شمالا ويمينا دون اعتبار.

ومما يحيرنى أننى كثيرا ما سمعت منه كلاما حول مواصفات الباحث الأكاديمى، والمؤرخ الموضوعى، الذى ينحاز فقط للحقيقة، ولا أعرف أين الحقيقة والموضوعية فى تهكمه مثلا على المؤرخين الدكتور يونان لبيب رزق، والدكتور جمال شقرا، اللذين قاما بمراجعة حلقات ناصر، وذلك بقوله عنهما "جوز مراجعين".

أين الحقيقة والموضوعية فى تهكمه على الأصول الطبقية لجمال عبد الناصر فى أكثر من موضع فى المقال، حيث يقول "بفضل حكومة الوفد والظروف الداخلية دخل أبناء البوسطجية الكلية الحربية"، بل والأدهى من ذلك ربطه قيم وثقافة الديمقراطية لدى الشخص بأصوله الاجتماعية، وتأسيسا على هذه النظرة يرى أن أسرة عبد الناصر الصعيدية البسيطة، ما كان لها أن تغرس فيه ثقافة وقيم الديمقراطية.

وبقدر ما تبدو هذه النظرة متهافتة واستعلائية بقدر ما تبدو ساذجة، فالديمقراطية وممارستها ليست حكراً على طبقة بعينها أو عرقاً بعينه فليس من المعقول اعتبار أبناء الصعيد غير مؤهلين للديمقراطية لكونهم "صعايدة "، وفى المقابل ليس من المعقول اعتبار أهل بحرى ديمقراطيين لكونهم من بحرى، وليس من المعقول أن الفقراء غير قادرين على ممارسة الديمقراطية لأنهم فقراء.

أما حكاية أنه بفضل حكومة الوفد دخل أبناء البوسطجية الكلية الحربية، فليس من العدل أن تتم معايرة الناس بأصولهم الطبقية، تلك الأصول التى افتخر بها جمال عبد الناصر مما عظم وقتها فخر الفقراء بفقرهم، طالما يكون دافعا للأمل والعمل والارتقاء وليس الاستكانة. وبالإحالة إلى دراسة أحمد حمروش "قصة ثورة يوليو"، يتبين أن الأسر الإقطاعية والرأسمالية قبل ثورة يوليو كانت تتعالى على الجيش، ولا تقوم بإدخال أبنائها فيه.

ويضيف حمروش أنه لم يكن هناك فى الجيش ضابط من أسرة البدراوى عاشور أو شعراوى أو سلطان أو لملوم أو الطرازى، حتى زكى شقيق فؤاد سراج الدين الذى دخل الكلية الحربية عام 1942خرج هاربا منها بعد عام واحد، حتى كبار الضباط الذين وصلوا إلى مراكز عليا لم يقوموا بإلحاق أبنائهم بالجيش، والمعنى المقصود من كل ذلك أن الالتحاق بالجيش وقتئذ لم يكن مدعاة فخر من الطبقات العليا، أو كان حكرا عليها ثم جاءت حكومة الوفد لتتيح الأمر للفقراء.

يستخدم الدكتور حمادة حسنى فى مقاله قراءات أخرى مغلوطة لقضايا متعددة مثل مجانية التعليم، التى يقول عنها إن الناصريين يصدعون رؤوسنا بأن عبد الناصر هو الذى أتى بالمجانية، فى حين أن الفترة الليبرالية هى التى قررتها عام 1944 للمرحلة الابتدائية والتعليم الثانوى عام 1951.

ولست هنا فى مجال النفى عما فعله الوفد أو الانتقاص من حقه التاريخى، ولن ألجأ إلى نفس اللغة التى استخدمها الباحث فى مقاله السئ، فقط سأقول إن التعليم عملية اجتماعية شاملة لا تقف عند مجرد قرار بالمجانية، فكيف تكون للمجانية فائدة ما لم يكن هناك مدارس فى كل قرية وكيف تكون للمجانية فائدة ما لم يكن هناك حرص من الأسرة على التعليم.

والحرص على التعليم لا يأتى إلا فى مجتمع يعرف أولوياته جيداً، كان النظام التعليمى قبل الثورة يتسم بضيق قاعدته، بحيث لم يكن يستفيد من الفرص التعليمية المتاحة سوى القادرين. وحتى أقرب الحقيقة للدكتور حمادة، أقول له أنا من قرية وحتى قيام الثورة كان المتعلمون فيها خمسة أفراد بالعدد، وتعليمهم كان أزهريا فى القاهرة لأن الفرصة لم تكن متاحة فى كل أرجاء محافظة القليوبية.

وحين رفعت الثورة شعار المجانية، واستكملت أدواتها تدافع الآباء فى إلحاق أبنائهم بالمدرسة التى شيدتها الثورة على مساحة أربعين قيراطا تبرع بهم عمد ة قريتنا لأنه وجد المجانية بجد.

وكانت النتيجة أطباء ومهندسين ومدرسين وضباط ومحامين، لم يكن هؤلاء جهلة يا دكتور حمادة، فقد خانك التقدير وتغلب على كلامك روح الثأر، وأنت تقول إن مصر كان فيها أربع جامعات خرجت علماء وليس جهلة كما حدث بعد ثورة 1952.

ألست معى فى أن هذا تطاول يرتد إليك شخصياً، وينكر قامات علمية تخرجت بفضل ثورة يوليو مثل أحمد زويل ومجدى يعقوب وذهنى فراج وفاروق الباز، وعشرات آخرين ممن هم أساتذة لك يا دكتور حمادة، ولا يليق أن تصفهم بالجهلة لمجرد أنك تكره عبد الناصر ولا تتعامل معه بموضوعية الباحث وإنما بنفسية الرافض لأى شىء يأتى من رائحته. وعلى كل الأحوال فليعلم الدكتور حمادة أن اللغة التى يستخدمها فى ذلك لا تصمد كثيرا لأنها لا تفيد فى شئ يذكر، وكم من عشرات المقالات المماثلة ولا يتذكرها أحد.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة