لم يكن الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بالسعودية، يتوقع أن تثير فتواه بجواز قتل أصحاب الفضائيات "الماجنة" كل ردود الفعل هذه، لأنه ببساطة نسى فى طرفة عين، أنه طالب بتقديم رقبة الأمير الوليد بن طلال لحد السيف السعودى.
الشيخ صالح الفوزان زميل اللحيدان فى المجلس، سار على نهج رئيسه، وأصدر هو الآخر فتوى بقتل أصحاب القنوات التى تهتم بالفلك والأبراج، قائلاً: إن هذه شعوذة بينة، ولهذا يستحقون القتل هم أيضاً.
وفى ذات الوقت، اعترض أكبر وأشهر علماء السعودية على الفتوى، ومن أبرزهم الشيخ "العبيكان" والشيخ "القرنى"، واتهم المعترضون "اللحيدان"، بأنه يدعم الإرهاب بتلك الآراء، هذا ما جعله يتراجع عن فتواه، متهماً وسائل الإعلام بتحريفها واستقطاعها من سياقها. وقال إنه لم يفت بقتل أصحاب القنوات الفضائية فى الحال، وإنما بعد العرض على القضاء الذى يشغل هو رئيس مجلسه الأعلى.
الغريب فى الأمر، أن أشهر القنوات الفضائية العربية يملكها سعوديون، وأغلبهم على علاقات وطيدة بالأسرة الحاكمة، إن لم يكونوا منها، حيث يملك قنوات "إم. بى. سى" رجل الأعمال الوليد الإبراهيم قريب الأسرة الحاكمة بالمصاهرة، فيما يملك رجل الأعمال السعودى صالح كامل مجموعة "إيه. آر. تى"، ويملك مجموعة قنوات روتانا الملياردير السعودى الأمير الوليد بن طلال.
كما يملك الوليد حصة كبرى فى الفضائية اللبنانية "إل. بى. سى"، وبهذا يكون الوليد هو أكثر رجال الأعمال السعوديين والعرب امتلاكاً للقنوات الفضائية. ويبدو أن الشيخ "اللحيدان" استشعر خطورة فتواه ومساسها ـ بشكل غير مباشرـ بالعائلة المالكة، فصرح بعد اشتعال ردود الفعل، بأنه لا يخشى من إساءة فهم البعض لفتواه، ما دام ولاة الأمر فى البلاد راضين، مشيداً بالملك عبد الله وولى عهده الأمير سلطان، ومتمنياً من الله أن "يديم ثبات هذه الدولة".
تناقض كبير وقع فيه الشيخ صاحب الفتوى، ومن هنا سألنا الدكتور مصطفى الشكعة، عضو مجمع البحوث الإسلامية، عنها، فقال: إن مثل هذه الفتاوى تحتاج لنوع من المشاورة والإجماع، وبالتالى لا يمكن الأخذ بها، وإنما يتم عرض القضية على المجامع الإسلامية لإبلاغ الرأى فيها. الشكعة برر رأيه بأن القضية لا تتعلق بشخص واحد أو شخصين، وإنما بعدد كبير من القائمين على تلك القنوات التى تذيع أعمالاً منكرة وبشعة، على حد قوله.
وتمهيداً للإجماع على صحة الفتوى، يرى الشكعة أن رؤساء القنوات الفضائية الذين تمكنوا من إفساد الإسلام عن طريق هذه القنوات "الخليعة" يستحقون المحاكمة أمام لفيف من علماء المسلمين، على أن توضع أمامهم أسماء رؤساء القنوات ومدى مشاركتهم وتسببهم فى إفساد الإسلام، أمثال الوليد بن طلال وغيره ممن يتخذون هذه القنوات تجارةً ولهواً.
من جهته، أضاف الدكتور محمد رأفت عثمان، رئيس اللجنة الفقهية بمجمع البحوث، رأياً آخر، حيث أكد أن جريمة القتل من أقصى العقوبات التى أقرتها الشريعة الإسلامية، وكل الشرائع تحتاط لإثبات الجريمة المستحقة لهذه العقوبة، "ومن يحكم بمثل هذه العقوبة يجب أن يتأكد من انتفاء جميع الشبهات التى قد تدرأ العقوبة".
وأوضح الدكتور محمد رأفت عثمان أن الإفتاء بقتل أصحاب هذه الفضائيات، وإن كانت تبث مواد مخالفة للشريعة الإسلامية، فهى فتوى متسرعة، "وإن كنا لسنا بصدد تصحيحها أو إثبات خطئها لأن الشريعة لم تحدد لها عقوبة، وتركت تقديرها للقاضى أو الحاكم، لأنها تدخل فيما يسمى بـالتعذير فى الشريعة الإسلامية".
على أبو الحسن، رئيس لجنه الفتوى الأسبق، اتفق مع فتوى رئيس مجلس القضاء الأعلى السعودى، بجواز قتل أصحاب القنوات الفضائية، شرط أن يكونوا قد تلقوا النصح فى وقت سابق، "فإذا لم يستجيبوا للنصح، وجب عقوبتهم بـالجلد والحبس، ويحدد على قدر الضرر الذى أحدثوه فى المجتمع". أما إذا أصر هؤلاء على فعلتهم – والحديث لا يزال للشيخ على أبو الحسن- وثبت أنهم يعملون لصالح أعداء الدين والإسلام، فيجب قتلهم.
وقال أبو الحسن، إنه إذا ثبت أن الوليد بن طلال له حق الولاية والسلطة على مثل هذه القنوات، وفى استطاعته أن يضع حداً لها، فلابد من تطبيق الفتوى عليه، "شرط أن ينصح أولاً، فربما يكون لديه اعتقاد أو تأويل آخر كما يسرى هذه الأيام بأن ما يحدث ما هو إلا لون من ألوان التقدم الثقافى وتغير للثقافة القديمة.
الهجوم على الفتوى وعدم الاتفاق معها، هو ما فعله الشيخ يوسف البدرى قائلاً: إن أى فتوى لابد من أن تكون لها حيثيات، ولابد من أن تكون إجابة على سؤال، فإذا كان أحد الناس قد سأل سؤالاً للشيخ اللحيدان، وأجابه بأن قتل رؤساء القنوات الفضائية التى تبث المنكر وجب شرعاً، فهذا كلام غير صحيح ولا يمكن تعميمه، "لأنه ليس من الصواب أن يقتل شخص دون محاكمته، ولابد من أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه".
البدرى أكد أنه لابد لكل من الشيخين – اللحيدان والفوزان – من مراجعة نفسيهما فى هذه الفتوى، حتى لا يبوءا بها أمام الله، لأن قتل النفس لا يجوز إلا فى ثلاث حالات حددتها الشريعة الإسلامية، هى من وجهة نظره: الثيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة، مفيداً أن رؤساء القنوات الفضائية يفعلون منكرا عظيما، "بل منكرات كثيرة، إلا أنهم لم يصلوا إلى واحدة من الثلاث".
محمد مختار المهدى، عضو مجمع البحوث، قال إن هذه الفتوى تعنى حد الحرابة، وهو ما لا ينطبق فى هذه الحالة، إلا أن المهدى أكد أن صحة الفتوى من عدمها لا يعنى انتفاء الإثم الذى يرتكبه أصحاب مثل هذه القنوات، فنشر الرذيلة والخلاعة يعتبر افسادا فى الأرض ويستحق العقاب، وهو متروك لولى الأمر. والأولى بالوليد بن طلال وأمثاله من الأثرياء أن يوجهوا أموالهم للخير وليس نشر الخلاعة والفحشاء.
من جهته، أوضح د. فرحات المنجى، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الشيخ اللحيدان بفتواه الأخيرة ينشر الفتن ويثير البلبلة ويعطى ذريعة لغير المسلمين لأن يتقولوا على الدين كما يشاءون، وهو بهذه الفتوى يضر الدين أكثر من أن يفيده، لأنه بذلك يؤكد ما يقوله الغرب على الإسلام بأنه دين قتل وسفك وحجر على الرأى، والأحرى أن يفرض على جميع القنوات ميثاق شرف أخلاقى يراعى فيه أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها من خلال لجنة مكونة من مجموعة من العلماء الذين لا ينتمون إلى أى تيار أصولى أو سلفى، وبهذا نكون قضينا على كل منكر.
