د. خميس الهلباوى

سلوك المجتمع .. بين الالتزام والعفوية

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008 10:56 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سؤال: هل المجتمع المصرى على مستوى الأفراد والإدارة يميل إلى الفوضى والعشوائية والإهمال فى هذه الأيام؟
الإجابة: نعم.

لأننا فى واقع الحال إذا نظرنا حولنا الآن حيث شئنا سنجد الأمثلة على صدق الإجابة، فتجد أننا نرفض النظام، والناس ينتهزون الفرصة ليسيروا عكس الاتجاه، ولا يحترمون إشارات المرور ويتزاحمون على أبواب الأوتوبيسات ويقومون بمخالفة النظام أمام أى طابور لقضاء أى من حاجاتهم، ويتحايلون على النظام للحصول على ما يحتاجون بسرعة، ويخرجون بسياراتهم عن مسارها لكى يسرعوا، فيتسببوا فى الحوادث وتعطيل المرور.

أما النظافة: فحدث ولا حرج، ستجدها فى كل مكان بدون الالتزام بأى قواعد قانونية أو عرفية، حيث أكوام الزبالة فى كل ركن وعلى الكثير من النواصى، وإلقاء المخلفات من الورق وخلافه فى الشوارع وحيثما كان المواطن.

وانعدام الإتقان فتجده فى كل مهنة من المهن اليدوية مثل الكهربائى والسباك والنجار والحداد، وحتى المهن ذات العلاقة بالبشر مثل الطبيب الذى يترك الفوطة فى بطن المريض، أو الذى يكتب الأدوية غير الضرورية، وغيرهم الكثير والكثير.. والكثير.

وهذا لا يعنى أن نسبة 100% من المجتمع يوافقون على هذا ولكن هناك القلة التى تعودت على عكس ذلك وترفضه.

حتى القرارات الحكومية العشوائية تسيطر على جميع نواحى القاهرة من كل ناحية وتحيط بحياتنا إحاطة كاملة، فكل قراراتنا تميل إلى العشوائية، فنلغى سنين دراسية فى المدارس، ونعيد سنوات أخرى سبق إلغاؤها، ونقبل أعداداً من الطلبة بدون دراسة ولا معايير موضوعية، ويتم تخريج دفعات ليس لها لازمة فى سوق العمل ولا مكان، نغير نظم الثانوية العامة ونعيد تلك النظم مرة أخرى، بغير معيار موضوعية.

فما هى الأسباب لتلك المظاهر فى سلوك المجتمع المصرى والإدارة المصرية هذه الأيام؟

يوجد عدة أسباب ترتبط بهذه الظواهر:
أولاً: نوع الثقافة، حيث يوجد نوعان من الثقافة وهما ثقافة البيئة العليا: الارتباط العاطفى الأقوى بالبيئة وبالمجتمع (Hall's High-Context)، وثقافة البيئة المنخفضة: وهى تمثل الارتباط العاطفى الأضعف بالبيئة وبالمجتمعHall's) Low-Context).

ومصر تدخل ضمن ثقافة البيئة العليا، وهى تعنى ثقافة الشعوب التى ترتبط أكثر بالبيئة المحيطة بها، حيث تتأثر بالمناخ والطبيعة، كما قال هول سنة 1976، والعادات والتقاليد الاجتماعية للمجتمع، وتؤدى إلى غلبة العواطف الشخصية على لغة العقل، حيث تعتمد الثقافة على البيئة، وتنعكس على مخ وطرق تبادل المعلومات والاتصالات والسلوك الفردى والإدارى، وحيث القادة فى المجتمع ذى ثقافة البيئة العليا، يهتمون بالبيئة المحيطة بهم، ويعتمدون على تلك البيئة، ويستخدمون التلميحات والإشارات غير الكلامية كما قال هانتر سنة 1993، ويعتمدون على العلاقات الشخصية لبناء الاتصالات، وفهم العالم المحيط بهم، وبالعوامل المتعلقة بالمواقف فى حالة الاتصال بالآخرين، ولا يستخدمون النظام المستندى كثيراً، وهذا أحد أسباب اعتماد الأفراد على اتصالاتهم الشخصية عند ارتكاب الأخطاء أو فى إنهاء بعض الإجراءات، وحتى فى محاولات الفكاك من بعض المآزِق، فتجد من يخالف المرور مثلاً: يعتمد على علاقاته بمسئولين يعيدون له الرخصة المسحوبة بدون محاكمة، وتجد الحكوميين لا يهتمون بالمستندات والالتزام بالأداء المستندى ويفضلون الأداء الشفهى.

ذلك عكس ثقافة البيئة المنخفضة فى المجتمع الغربى، حيث إن الشعوب ترتبط أقل بالبيئة المحيطة بها، وتتغلب لغة العقل على لغة العاطفة، وفيها يركزون على الوضوح والكلمات المحددة، والتعامل بالرسائل المكتوبة لفهم الناس والمواقف، ويعتمدون على المستندات الكتابية فى توصيل المعلومات داخل المؤسسات.

ثانياً: عدم حوكمة النظام الإدارى الحاكم، بمعنى التسيب فى تطبيق القانون: فالقوانين المصرية تتضمن العقوبات المفروضة وواجبة التطبيق لتطبيق السلوكيات الفردية فى المجتمع والواجبة التطبيق على كل من يخرق القواعد المتعلقة بالسلوك العام الظاهر وتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع، مثل قانون المرور ومجموعة القوانين المنظمة للحياة، ولكن هل تطبق القوانين بالشفافية المطلوبة والكافية لمنع أو التقليل من التجاوزات الفردية أو الإدارية؟
إن التسيب والعشوائية والفوضى تنتج أيضاً من عدم وجود الحوكمة المعتمدة على المحاسبة الدقيقة الملزمة لجميع الأطراف أفرادا وحكومة وإدارة، وتطبيق القانون بدون محاولات وبشفافية بدون رشاوى ولا تعاطف شخصى.

ثالثاً: الإنسان يميل بطبعه إلى مخالفة المجتمع وعدم الالتزام باحترام حريته، فتراه يخرق القوانين فى حال تأكده منعدم مراقبة ولا محاسبة، وقد سبق أن زارنى أجانب من ألمانيا، وكانوا يفعلون مثل ما يفعل أى مصرى خرق النظام فى قضاء حاجته، أو فى القيادة إذا لزم الأمر، بالرغم من أنه فى بلده لا يجرؤ على خرق النظام والقانون حتى لو لم يره أحد، لأنه يتوقع أن يراه فجأة وأن العقوبة قاسية بدرجة رادعة، لهذا فإن وجود الرادع القوى وتطبيقه بحزم هو أمر هام للالتزام .. هذا بالنسبة للأفراد العاديين أو الحكوميين.

رابعاً: غياب المنهج العلمى وتطبيق التخطيط العلمى فى الدولة، وفى الإدارة، وهذا المنهج العلمى يسود حياة الناس والأمم المتحضرة، وهو الذى يقوم عليه التقدم، والمنهج العلمى مع الأسف غير موجود فى حياتنا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة