"التاريخ الآخر" ليس ترفاً ثقافياً أو حكياً مجانياً، بل محاكمة للتاريخ ومحاولة لاستنطاق الماضى، لمعرفة الحاضر واستشراف المستقبل.
فنحن لم نصحوا من النوم لنجد أنفسنا هكذا..
نتنافس دائماً على لقب الأسوء ونفوز به بالتزكية والانتخاب، وليس الأسوء فقط .. بل الأجهل والأفقر والأكسل والأضعف والأكثر مرضاً والأعظم تخلفاً والأقل مكانة، حتى لم نترك فى هذا الأمر زيادة لمستزيد.
ولم نصحوا من النوم لنجد أنفسنا هكذا..
عشوائيين إن فكرنا، همجيين إن نفذنا، مكبوتين إن حلمنا، مقهورين إن صرخنا ضعفاء البصر إن نظرنا إلى الحاضر، فاقدى البصيرة إن تطلعنا إلى المستقبل، مفتقدى الهوية، منزوعى الأمل، مبتورى الأرحام، يتسائل الواحد منا: من أنا؟ فلا يأتيه رد، يصرخ: ماذا حدث؟ فلا يأتيه إلا صدى الصرخة عالياً طويلاً مريراً مستمراً.
خطوة بعد خطوة وجدنا أنفسنا أمام حائط كبير قوى متين، لا ندرى من بناه ولا نعرف كيف نهدمه، و"بفعل فاعل" هرب حاضرنا من بين أيدينا، وأصبحنا الأخفض صوتاً والأدنى شأناً، سياستنا الداخلية لا تخرج عن قاموس القهر والكبت والترهيب، وسياستنا الخارجية لا تخرج من دائرة الشجب والإدانة والاستنكار. ولأنه لا يوجد شىء يأتى من اللاشىء، ولأنه لكل شىء سبب، حاولنا أن نعرف ما الذى أدى بنا إلى هذا الحال، بحثاً عن الحقيقة وأملاً فى مستقبل أكثر تنظيماً وأقل عشوائية، ولأن "التاريخ يكتبه المنتصرون"، ولأن الحقائق "منزوعة الحماية" غالباً ما تسقط سهواً، حاولنا أن نفتش بين السطور، وأن نرتب الأحداث وأن نقيم الأشخاص، وأن نفهم الملابسات لتتكشف الشبهات، راجين أن نعرف كيف أثر ماضينا فى تشكيل حاضرنا، وكيف نتعلم من أخطائنا لنبنى مستقبلنا، فالغبى ليس من لا يخطأ، إنما هو ذلك الذى لا يتعلم من أخطائه.
ولأننا نحاول أن نلزم أنفسنا بما نحب أن يلتزم به الآخرون، ولأننا لا ندعى معرفة الغيب ولا امتلاك الحقيقة، ولأن البشر مفطورون على الوقوع فى الخطأ أكثر من إصابة الصواب، نفتح باب المناقشة والأخذ والرد، والبينة على من ادعى، والبينة أيضاً على من أنكر، فالهدف ليس إثارة الغبار وإنما تحريك الماء الراقد، وقديماً قالوا يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، ولا نأمل فى أكثر من معرفة الحقيقة سواء قلناها نحن أو قالها غيرنا.
ولذلك نقول إن "التاريخ الآخر" ليس ترفاً ثقافياً أو حكياً مجانياً، بل محاكمة للتاريخ ومحاولة لاستنطاق الماضى لمعرفة الحاضر واستشراف المستقبل.
فهل من مجيب؟
التاريخ الآخر محاولة لاستنطاق الماضى لمعرفة الحاضر واستشراف المستقبل
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة