الحكومة تذرف الدموع .. رجال الأعمال يتبارون بالتبرع .. الجمعيات الأهلية تشجب وتستغيث وتسعى لمعاونة المتضررين قدر استطاعتها والتمويلات التى تحصل عليها من الخارج ... رؤساء الدول يرسلون برقيات للتعازى .. المواطنون والأهالى يشمتون فى الحكومة وتسيل دموعهم على رفقائهم فى الوطن والكوارث والمصائب.
إذا تابع أى شخص ما تقدم .. فعلى الفور يفطن أن هذا باختصار هو ما يحدث كلما وقعت مصيبة أو كارثة على أرض المحروسة ... تأوهات .. شجب .. ذرف الدموع .. تصريحات .. شماتة ... استعراض .. بعض رجال أعمال الحزب الوطنى يعلنون استعدادهم للتبرع لإعادة ترميم وبناء مجلس الشورى بعد الحريق الأخير .. رغم أنهم هم أنفسهم لم يعلنوا تضامنهم مع ضحايا حى الدويقة الأخير .. والسبب بالطبع معروف ... وتعلن الحكومة أنها هى المسئول الوحيد المنوط به ترميم مجلس الشورى – بعد قرار رئيس الجمهورية نفسه – وهى أيضاً التى تعلن أنها المسئول عن توفير سكن ملائم لضحايا كارثة الدويقة ولغيرهم من القاطنين هناك .. وأيضاً بعدما أعلن الرئيس نفسه بذلك.
والسؤال المحير بل والمدهش أين رجال المال والأعمال فى الحزب الوطنى الذى هو حزب الحكومة من هذا، وما هى الآليات التى تحكم علاقة رجال المال والأعمال بالحزب والحكومة ومجلس الشورى .. وما هى المكاسب التى حققها الحزب من انضمام رجال المال إليه .. وما هى الخسائر التى منى بها جراء سلوك البعض منهم، خاصة وأننا نشاهد سقوط الواحد تلو الآخر فى قضايا تتعلق بالفساد والرشاوى حيناً وبجرائم القتل حيناً آخر.
إن لرأس المال ولرجال الأعمال دوراً لا يستهان به فى إحداث التنمية والحداثة، خاصة فى مجتمع قيد التحول الديمقراطى وقيد التحول الرأسمالى الرشيد، وإن لرجال المال مساهمات فعالة فى جميع النظم السياسية الرأسمالية فى العالم .. ولكن فى نفس الوقت ليس شرطاً ولا ضرورياً أن يساهموا فى صنع القرار السياسى أو يستأثروا بالتوجهات السياسية لأى نظام .. فما بالنا بنظام سياسى يحبو نحو دولة الحداثة والحريات ... دولة ما زال الحزب الحاكم هو الوحيد القادر على جذب رجال المال إليه بحكم أنه الحزب الحاكم وليس فقط قناعة ببرامجه السياسية، ولكن فى المقابل هل استفاد الحزب من انضمام هؤلاء إليه أم فقد الكثير جراء العديد من سلوكيات هؤلاء الرجال.
أتصور إذا كان الحزب الوطنى بالفعل يريد أن يكون حزباً جماهيرياً حقيقياً وأن يكون حزباً سياسياً بالمعنى الحقيقى وأن يكون حزباً فعالاً تجاه الشعب التى تتولى حكومته رعايته عبر سياساتها المختلفة، فمن المهم أن يعيد ترتيب أوراقه بل والأصح أن يعيد هيكلته .. فحتى ينأى الحزب الوطنى عن هذه الهزات عليه فوراً البدء ليس فقط بدعوة رجال الأعمال الأعضاء فى الحزب بالالتزام بالقانون وعدم مخالفته، حرصاً على سمعة الحزب، بل عليه إعادة هيكلة علاقة الحزب برجال الأعمال هؤلاء وتصفيتهم من المراكز القيادية بالحزب ولجانه المؤثرة.. وإذا كان لهؤلاء الرجال الرغبة والحرص على الانتماء للحزب فليكونوا أعضاء فقط ولا يتبوأون أى مواقع قيادية ولا ضمن اللجان المؤثرة .. فقط أعضاء عاديين مثل آلاف وملايين أعضاء الحزب فى جميع محافظات مصر ... ومع قناعتى بأن هذا الطرح لن يناسبهم ومن المؤكد أنهم لن يدخلوا الحزب كأفراد، وبذلك تتأكد نواياهم من أن انتماءهم للحزب الوطنى الحاكم ليس قناعة بمبادئ الحزب قدر ما يوفره الحزب لهم من نفوذ.
الأمر الآخر، على الحزب أن ينأى بنفسه عن ترشيح رجال الأعمال أعضاءً لمجلس الشعب والشورى، وأن يتم عبر المجمع الانتخابى اختيار عناصر مهنية أخرى تتمتع بكفاءة على المستوى الإدارى أو السياسى سواء أساتذة جامعات أو مهندسين أو مهنيين وأن تكون أموال رجال الأعمال لتنفيذ برامج الحزب إذا كانوا مؤمنين بها فعلاً، دون ترشيحهم لمجلس الشعب والشورى.. وهذا الإجراء ليس اختراعاً، بل نجده فى معظم الأنظمة الديمقراطية فى العالم وفى النظم الرأسمالية نفسها، فليس معظم أعضاء مجلس العموم البريطانى من رجال الأعمال وليس أعضاء مجلس الكونجرس الأمريكى من رجال الأعمال، بل وحتى ليس المرشحون لرئاسة الجمهورية من رجال الأعمال، بل يتم ترشيح من هو ذى كفاءة علمية أو سياسية أو دبلوماسية، ثم يكون دور رجال الأعمال هو دعمه فى الإنفاق على حملته الانتخابية وليس من الضرورى أن يحتكموا للمثل الشعبى المصرى الشهير "فيها لا أخفيها".
فمتى نتعلم أن نفصل بين السلطة ورأس المال .. إن اندماج الاثنين لا يفضى ولا يعبر عن نظام رأسمالى صحى، قدر تعبيره عن نظام فوضوى متوحش يسيطر فيه رجال المال على السياسة ويسود منطق بيع السياسة فى سوق منافسات رجال المال والأعمال، وليس العكس والصحيح وهو أن السياسة هى التى تدير الأموال والأعمال بل ورجال الأعمال أنفسهم.
فهل سيفعل الحزب الوطنى ذلك ويقوم بتطهير لجانه المؤثرة من سطوة رجال المال والأعمال، حتى وإن كانوا قلة لا يعبرون عن الأغلبية، وأن يكتفى فقط باستقطاب المؤهلين سياسياً وفكرياً للتعبير عن برنامج الحزب والتفاعل مع المواطنين والذين لهم باع فى العمل الجماهيرى والمصداقية السياسية والفكرية .. أم سيظل أسيراً لسطوة البعض من رجال المال الذين أفسدوا سمعة الحزب والحكومة والوطن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة