شهر رمضان له طابع خاص لدى المسلمين فى كل البلدان وفى مصر له طابع مختلف وفى مطروح له طابع أكثر اختلافاً وخصوصية، ورغم زحف المدنية والتقدم على الصحراء الغربية وتأثر قبائل البدو بها وتأثيرها على العادات والتقاليد الرمضانية فى مدينة مطروح ومدن المحافظة المختلفة وتشابهها مع معظم مدن مصر، إلا أن كثيراً من البدو فى المدن والقرى والنجوع المترامية فى الصحراء ما زالوا يتمسكون بكثير من العادات والتقاليد التى يعرف عنها الكثيرون.
وهنا نغوص فى هذا العالم الفطرى والساحرى مع الباحث حمد خالد شعيب البدوى الأصل لنكتشف بعض من جوانبه.
استطلاع الهلال
يؤكد حمد شعيب بأن البدو يستطلعون هلال شهر رمضان بأنفسهم رغم كل وسائل الاستطلاع والاتصال الحديثة، فهى عادة توارثوها منذ الفتح الإسلامى، حيث تخرج مجموعة من أهل الثقة والمشهود لهم بحدة البصر إلى مكان مرتفع لاستطلاع الهلال ويظل أهالى المنقطة يترقبون إشارة رؤية الهلال وعند رؤيته يشعلون ناراً عالية ليعلم بدو المنطقة والمناطق المجاورة بثبوت رؤية هلال شهر رمضان، ثم يأتى دور إحدى عجائز النجع "كبيرة النجع" غالباً ما تكون زوجة شيخ القبيلة.
التى تقوم بجمع (30 حصى) لعد الأيام التى تنقضى من الشهر الكريم وإحصاء ما تبقى منه حتى استطلاع هلال عيد الفطر بنفس الطريقة.
استعدادات رمضان
قبل رمضان تقوم النساء بإعداد "القديد" بسبب عدم وجود كهرباء أو ثلاجات لدى معظم أهل الصحراء، حيث تذبح كل عائلة شاة من قطيعها ويوضع الملح على لحمها وينشر فى الشمس لفترات طويلة ليكون خزين الشهر من اللحوم وكذلك تخزين "الرُب" الذى يصنع من التمر وهو يشبه العسل الأسود فى الشكل والطعم.
أوقات الطعام عند البدو
فى غير رمضان يأكل البدو 5 وجبات هى الإفطار الخفيف والضحوية، وهى الإفطار الأساسى وقت الضحى ووجبة الغداء وقت الظهر ووجبة العصور وقت العصر ووجبة العشاء، وفى رمضان يتناولون 3 وجبات الأولى وقت الإفطار يتناولون فيها التمر واللبن الحامض القريب من الرايب من حيث القوام والماء، ثم يذهبون لصلاة القيام التى لا يتخلف عنها أحد وعند عودتهم يتناولون الوجبة الرئيسية التى يسمونها "الضحوية"، قياساً على الوجبة التى تتبع الإفطار فى غير رمضان وتشتمل على شربة مغربى وكسكسى وأرز أحمر وأرز أصفر ولحم الضأن البرقى الذى يمتاز بجودته العالية وقلة الشحوم، وهو سيد الموائد طوال شهر رمضان، ثم تأتى بعد ذلك وجبة السحور.
خبز وحلو البدو
يصنعون الخبز السريع "المجردق" الذى لا يحتاج إلى وقت للاختمار ولا تضاف إليه الخميرة فقط (ماء ودقيق وملح) ويعد وقت الطعام لأنه لا يحتاج إلى وقت كبير ويمكن أكله كخبز أو وضعه بعد تقطيعه مع السمن والتمر ليصبح (مفروكة) وهى من أشهر حلويات البدو حيث إنها دسمة ويستخدم معها اللبن الحامض.
ومن الحلو أيضا "البقينة" التى تصنع من الشعير بعد تحميصه وطحنه، ويضاف إليه زيت الزيتون والسكر والحليب.
تبادل الطعام
هناك عادات طيبة كثيرة عند البدو منها "الذواقة" التى تدعم روح التكافل والمحبة بين الأقارب والجيران، حيث تقوم كل سيدة بتوزيع جزء من طعامها مهما كان نوعه على باقى سيدات البيوت الأخرى وتطلب منها تذوقه، وبذلك يتبادل الجميع الأطعمة وتمتلئ كل الموائد بالأصناف المختلفة.
تسالى وألعاب
من أهم وأشهر ألعاب شيوخ وشباب البدو هى "السيجا "، حيث يتجمعون بعد صلاة العصر فى الأماكن الفسيحة تحت الظل ويلعبون السيجا إلى ما قبل أذان المغرب وينظمون دورات وهناك مشاهير للعبة فى كل منطقة يتجمع الكثيرون لمشاهدة مهارتهم فى السيجا ويتطلعون للعب معهم.
أما الأطفال فتبدأ ألعابهم الرمضانية عند ثبوت هلال رمضان بالتسابق جماعات للطواف على البيوت للتهنئة بشهر رمضان وعند كل بيت يغنون باسم ابن صاحبة البيت ليحصلوا منها على هدايا أو نقود، وإن لم يحصلوا على شىء يغنون ذماً فى أهل البيت، لذلك الجميع يعطيهم، فمثلا عند الوقوف بباب بيت يكون اسم ابن صاحبته حميدة يقولون (حالو يا حالو رمضان كريم ياحالو .. لولا حميدة ماجينا ولا تعبنا كراعينا حل الكيسة تدينا) ـ الكراعين هى الرجلين، فإذا كانت صاحبة البيت غير سخية ولم تعطهم شيئاً غنوا (عود كبريت على عود كبريت .. هذا البيت مليان عفاريت)، أما إذا نهرتهم صاحبة البيت غنوا (حط طوبة فوق الطوبة ..صاحبة البيت المكلوبة) أى المجنونة.
وفى أمسيات رمضان يلعب الأطفال ألعاباً كثيرة منها لعبة "صياد سمك" ولعبة "حلا بودى" التى تشبه الاستغماية.
وبعد اللعب يتجمع الأطفال حول الجدات لتحكى لهم حكايات سالف الزمان (حجاوى) التى تتناول القيم والأحداث والعادات الطيبة التى يتعلم منها الصغار، ومن أشهر الحكايات "السيرة الهلالية" التى تجيد الجدات روايتها شعراً.
مساجد ومصلون
تكتظ مساجد مطروح بالمصلين فى كل الصلوات طوال شهر رمضان وأكثر ما تكون فى صلاة القيام، ولكل مسجد طابعه الخاص ورواده يتوافدون عليه حسب طابعه وطول أو قصر وقت صلاة القيام فى كل مسجد.
يوجد فى مطروح شريحة عريضة من السلفيين الذين يتجمعون فى عدد من المساجد تعرف بمساجد السنية ومن أشهرها "مسجد الفتح" وهو المسجد الأكبر والأشهر فى مطروح وأكثر المساجد تطويلاً فى صلاة القيام التى تمتد لأكثر من ساعتين، ومثله باقى مساجد السنية التى تكتظ بأعداد كبيرة.
أما باقى المساجد فواحد منها يتخذ الطابع الصوفى وهو مسجد الروضة، ويرتاده عدد كبير معظمهم لا يلتفت لكون القائمين عليه صوفيين وهو يخفف ولا يطيل فى صلاة القيام.
أما المساجد الوسط التى لا تطيل الصلاة ولا تخفف، فهى كثيرة مثل المسجد الكبير الذى يعتبر المسجد الرسمى حيث تقام فيه احتفالات المناسبات الدينية التى يحضرها المسئولون ومساجد سيدى العوام والدفراوى والتقوى وغيرهم من المساجد التى تضيق بالمصلين فتمتد الصفوف إلى خارجها.
أما المساجد الشهيرة بسرعتها فى أداء صلاة القيام وكأنها فى سباق، فهى معروفة للجميع ويرتادها عدد كبير من الناس لدرجة إغلاق الشوارع المحيطة للمسجد بصفوف المصلين مثل مسجد مساكن السنترال وهو الأسرع على الإطلاق فى أداء الصلاة، حيث ينتهى من صلوات العشاء والقيام قبل أن ينتهى مسجد الفتح من صلاة العشاء ثم يليه مسجد التنعيم وفيه يقرأ الإمام قصار السور أو بضع آيات فى كل ركعة وينتهى قبل المساجد الأخرى ثم يليه مسجد الشبان المسلمين، حيث تقرأ قصار السور فى الركعات وتعتبر هذه المساجد هى الأكثر ازدحاماً.
أهالى مطروح يصنفون هذه المساجد والمصلين فيها، فالمساجد السريعة يقصدها التجار وأصحاب المحلات وأصحاب الحاجات المتعجلين، وكذلك الذين لا يتحملون طول الوقوف فى الصلاة كما يقصدها غير المعتادين على الانتظام فى الصلاة فى غير رمضان، فيجدون فى هذه المساجد صلاة خفيفة وسريعة وترضى قناعتهم بأنهم يؤدون صلاة القيام رغم اعتراض بعض المشايخ على السرعة المبالغ فيه فى أداء الصلاة فى هذه المساجد.
