لكل عصر أمراضه، وفى معظم العصور الماضية كانت تلك الأمراض تنتقل بالعدوى، غير أن عصرنا الحديث نجح فى السيطرة على جميع تلك الأمراض المعدية، عدا مرض الإيدز، كما أصبح مرض السرطان المرض الوحيد غير المعدى الذى يتفشى بين البشر ويستعصى على أى علاج ناجح، فقد مر حتى الآن 37 عاماً منذ أن أعلن الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون الحرب على السرطان، وأثناء تلك الفترة، تقدمت وسائل العلاج من خلال حملات الوعى الصحى، ولعل أهمها وأنجحها الحملة ضد التدخين الذى تبين أنه أكثر أسباب الإصابة بالمرض اللعين.
ومع ذلك، فلا يزال مرض السرطان أبعد ما يكون عن السيطرة، غير أن ثمة بادرة أمل بدأت تظهر فى الأفق، من خلال بحوث تم إجراؤها على الخلايا الجزعية، والتى أنتجت آفاقاً جديدة، قد تكون نقطة الانطلاق فى المستقبل للقضاء على مرض السرطان.
الصدفة والطريق نحو الاكتشافات
لطالما لعب الخطر ولعبت الصدفة دوراً فى بعض الاكتشافات العلمية الكبرى، فقد اكتشف لويس باستير بالصدفة العلاقة بين الجراثيم والتلوث، عندما عمل للحيلولة دون تعفن الطعام. ومع أبحاث روبرت كوخ، جاء اكتشاف المضادات الحيوية للقضاء على الميكروبات.
أما تشارلز داروين فقد توصل إلى نظرية الانتخاب الطبيعى من خلال هوايته بمراقبة الطيور.
ولقد حانت الآن لحظة الكشف عن أسباب الإصابة بالسرطان، وإن كانت مرحلة الوصول إلى العلاج لا تزال بعيدة المنال، فقد تبين لعلماء الأورام أن معظم، إن لم يكن كل، أنواع الأمراض السرطانية له علاقة بالخلايا الجزعية. بمعنى أن أمراض السرطان تنشأ وتتكاثر بواسطة بضعة خلايا جزعية قليلة، وتتسبب فى إيجاد خلايا سرطانية، بدلاً من الخلايا الصحيحة التى تعمل على بناء الجسد الصحى. ويبدو أن بعض الخلايا الجزعية التى تسبب السرطان تقاوم العلاج الإشعاعى، حيث إن آليات مقاومة الحمض النووى DNA لهذه الخلايا، أكثر قدرة وقوة على إعادة بناء تلك الخلايا السرطانية. لذا فإن العلاج الإشعاعى يصبح أكثر فعالية فى القضاء على تلك الخلايا بمصاحبة أدوية تعمل على كبح مقاومة الحمض النووى.
البحث العلمى المنظم أمل البشرية فى القضاء على السرطان
إذا كانت بعض الاكتشافات العلمية الماضية قد تحققت من باب الصدقة، فإن البشرية الآن أصبحت تنعم بالبحوث العلمية المنظمة والممولة من خلال برامج كبرى، ولعل معظمها يدور الآن حول السيطرة على أمراض السرطان، ومن بينها مشروع معالج الذرات الضخم فى سويسرا، والذى سوف تنتج عنه اكتشافات علمية ضخمة.
كان الكشف عن الخلايا الجذعية السرطانية أهم اكتشافات البحث العلمى المنظم، وانطلقت الصناعات الكيميائية فى خلال عشر سنوات بعد أن قام ديمترى منديليف بتصنيف العناصر الكيميائية فى جدول نظامى متكرر، مثلما جاءت اتصالات الراديو عقب قيام كلارك ماكسويل بتوحيد الكهرباء والمغناطيسية، وتم اكتشاف المضادات الحيوية عقب اكتشافات باستير وكوخ.
ولعل خريطة الجينات الوراثية البشرية سيتلوها اقتراحات كبرى. كما يعد الكشف الخارق عن الخلايا الجزعية السرطانية خطوة فى بناء نظرية شاملة توضح كيفية نمو وتكاثر الكائنات الحية، وتلك ستكون حلقة من حلقات الحرب على السرطان وإنقاذ حياة الملايين من البشر.
