"المستهلكون الأصحاء خير ألف مرة من المستهلكين المرضى"، هذه المقولة الاقتصادية يؤمن بها رجال الأعمال الكبار فى جميع أنحاء العالم، وكذلك المنظمات المالية والاقتصادية الدولية، ومن غير المستغرب أن تخصص تلك المنظمات ميزانيات ضخمة للمشروعات الصحية والتعليمية والاجتماعيه فى العديد من دول العالم، من أجل الارتفاع بالمستوى الصحى والاجتماعى لهؤلاء الشعوب، حتى يصبح لديهم القدرة على الاستهلاك، ويصبحوا قوة شرائية ضخمة.
وعلى مستوى العالم تقوم الشركات العالمية الكبرى قبل الدخول إلى أسواق أية دولة بإجراء أبحاث مركزة ومكثفة على طبيعة الأسواق وقدرة شعوب تلك الدولة على الشراء والقوة الشرائية، والصحة العامة، والحالة الاجتماعية، والاقتصادية، وأيضاً المزاج العام للأفراد، وهل هنالك أمراض مزمنة لدى تلك الشعوب، وما أهم الأمراض المستوطنة فى المدن والقرى المختلفة، وقرار الاستثمار فى النهاية يتخذ بناءً على تلك الأبحاث والنتائج جميعاً.
ومن الصعب على الشركات الكبرى التى تعتمد على الانتاج الضخم أن تفكر فى الاستثمار فى دولة شعبها فقير، أو مريض، أو القوة الشرائية ضعيفه، أو حتى الحالة المزاجية للشعب غير مستقرة، أو هناك أوبئه فتاكة تضرب البلد.
وهناك نسبة كبيرة من ميزانيات الشركات تخصص للبعد الاجتماعى والبيئى لتنمية وتطوير المجتمع الذى تعمل فيه الشركات أو المجتمع الذى تنوى العمل فيه، وقررت هيئة المعونة الأمريكية تخصيص نسبة كبيرة من تلك المساعدات التى تقدمها لمصر لتطوير شبكة الصرف الصحى وإنشاء المدارس وإدخال مياه الشرب النقية إلى القرى المحرومه، كل هذا يصب فى النهاية لمصلحة الاقتصاد الأمريكى والشركات الأمريكية التى تنوى الاستثمار فى مصر، حيث سيكون من السهل عليها العمل وتصريف إنتاجها لشعب يتمتع بصحة جيدة ولديه قدرة على الفهم والتعليم أفضل من الشعب الجاهل المريض.
فهل هذا البعد الاجتماعى موجود بالصورة الكافيه فى ذهن رجال الأعمال والشركات المصرية؟، وهل تخصص الشركات الكبرى جزءاً من ميزانياتها لتطوير المجمتع الذى تعمل فيه؟، وهل هناك مؤسسات خيرية تعمل لصالح المجتمع ككل أو لصالح الفقراء أو حتى لصالح القرية أو المدينة التى تعمل فيها الشركة؟، هل هذا الفكر الشامل لتطوير القدرة الشرائية للشعب المصرى موجود لدى الشركات المصرية؟ هل هناك استراتيجية لدى الشركات الكبرى لتطوير الذوق المصرى وجعله يتوافق مع الأذواق العالمية المتطورة؟.
لا أحد ينكر أن هناك بالفعل عدداً من رجال الأعمال، إلا أنه ليس كافياً، يؤمن بالدور الاجتماعى وبحق الفقراء فيما رزق من أموال وعلى سبيل المثال بنك الفقراء الذى يقوم عليه عدد من رجال الأعمال الشرفاء تبنوا الفكرة ونفذوها فى صمت ودون ضجيج إعلامى، وأصبح هذا المشروع الاجتماعى الضخم يخدم أكثر من مليونى أسرة فقيرة ويقدم وجبات للفقراء على مدى العام، وبدأت فكرة بنك الطعام التى تبناها رجل الأعمال "نيازى سلام" منذ أكثر من أربع سنوات تم خلالها فى البداية الاتفاق مع الفنادق الكبرى على تعبئة وتغليف ما تبقى من طعام الحفلات، ثم تقوم سيارات يقودها شباب بعضهم من المتطوعين والبعض الأخر يعملون بأجر بجمع هذا الطعام ثم يتم بعد ذلك تقسيمه إلى وجبات ساخنة وتعبئتها وتغليفها بصورة جيدة، ثم يتم تقديمها إلى أسر فقيرة تم تحديدها وتحديد أماكنهم، وهناك بيانات كاملة لدى هذا البنك بهؤلاء الفقراء.
وهناك أمثلة أخرى من رجال الأعمال الذين يتبنون مؤسسات خيرية تعمل على تطوير المجتمعات التى يعملون فيها منها على سبيل المثال "مؤسسة خميس الخيرية" التى يتولاها رجل الأعمال محمد فريد خميس، والتى تعمل لتطوير مجتمع مدينة العاشر من رمضان والمناطق التى من حولها، حيث تتولى تلك المؤسسة تقديم نوعية مميزة من التعليم لعدد من الأسر الفقيرة التى لا تقدر على تعليم أولادها واستقدام المدرسين المميزين من الأزهر ومن وزارة التعليم وعلى نفقه المؤسسة، وجزء آخر يتولى تقديم المساعدات الخيرية للبنات والشباب الفقير المقبل على الزواج، وهى بحق مؤسسة خيرية شاملة تتبنى رعاية الأيتام والمحتاجين وذوى الاحتياجات الخاصة.
وهناك كذلك "مؤسسة العربى" التى أقامها رجل الأعمال محمود العربى فى محافظة المنوفية، والتى تضم مستشفى ضخم لعلاج الفقراء من أهل قريه شطانوف بالمنوفيه، بالإضافة إلى مؤسسات خيرية شاملة لتطوير القرية، وهناك أمثلة كثيرة لمشروعات ينفذها عدد من رجال أعمال لم يعلنوا عنها.
والحقيقه أن المجتمع ينتظر الكثير من رجال الأعمال، خاصةً أن الفقراء يتزايدون بنسبة كبيرة، والمشاكل والمعاناة التى يعانونها ضخمة، وفشلت الحكومة فى حل الكثير منها، بل وأصبح أمل الفقراء فى رقاب هؤلاء الأغنياء وأصحاب القلوب الرحيمة، وعلينا فى كافة الأحوال أن ننظر إلى الجوانب المضيئة فى حياة رجال الأعمال، ومن غير المنطقى أن نسلط الضوء فقط على الجوانب السلبية والنزوات العابرة فى حياتهم، خاصةً أن نسبة كبيرة منهم يلعبون دوراً اجتماعياً مؤثراً فى مجتمعاتهم دون الإعلان عنها، ولذلك ليس من حق الإعلام أن يدمر مجتمع الأعمال لمجرد أن هناك بعضاً منهم تحركه نزواته وشهواته، ويوجد بكل مجتمع الطالح والصالح، وعلينا أن نحافظ على الصالح، بل ونركز عليهم، لأنهم هم القادرون الأن دون سواهم على الحفاظ على الاستقرار الاجتماعى للمجتمع.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "إن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم للخير، وحبب الخير إليهم، هم الأمنون من عذاب الله يوم القيامة" صدق رسول الله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة