دراما رمضان تشبه تصفيات المونديال
بقلم: محمد بركة
مواصفات جسمانية خاصة تتمثل فى القوام البدين والقامة القصيرة نسبياً، منذ اللحظة الأولى، والكوميديا قدر أحمد رزق الجميل! خفة الظل فى جيناته، والسخرية الحادة اللاذعة مكتوبة على جبينه.. ولأن أحمد يملك المواصفات فقد كان أمامه خياران: الأول أن يمشى فى سكة علاء ولى الدين ويونس شلبى -عليهما رحمة الله – حيث الاستظراف والتهريج واستغلال البدانة المفرطة فى تقديم نموذج الكوميديان الأبله، وتحويل الفكاهة إلى فاصل من "الإفيهات" المكررة التى تستجدى ضحكة من الجمهور، والخيار الثانى: تقديم كوميديا محترمة تنبع من الموقف الدرامى نفسه وتبتعد عن الافتعال، ولا يتاجر فيها الممثل بـ "كرشه" الذى يسبقه أو شكله "الملخبط"!
والسؤال: أى طريق اختاره الفتى الموهوب؟
والإجابة: أحمد لا يزال تائهاً بين السكتين، فتارة يقدم الكوميديا الأجمل والأصعب، لكنها الأبقى فى الوجدان، على نحو ما فعل فى "فيلم ثقافى"، وتارة أخرى يقع فى فخ الاستسهال واللهاث الحار وراء البطولة والنجومية كما فى فيلم "لخمة رأس"، وليست تجربة البطولة المطلقة فى فيلم "حمادة يلعب" – الفاشل تجارياً وفنياً– عنا ببعيد!
ويأتى مسلسل "هيمه"، ليستعيد فيه النجم الموهوب شيئاً من توازنه المفقود، ويقدم الكوميديا على طريقة "شر البلية ما يضحك"، بملامحه المصرية الخالصة، وقدرته على الإقناع، وبراعته فى تجسيد الحالة النفسية لشاب مصرى يعانى من البطالة، ولا يكف عن السخرية من مفارقات واقع يفتقد للحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، وتتجمع فى أفقه سحب رمادية كثيفة تدعو للإحباط.
نعم، أنت لا تحتاج إلى كثير من الجهد لكى تصدق أحمد رزق الشهير بـ "هيمه"، وسرعان ما تتورط معه عاطفياً، تتعاطف معه وتعجب بقدرته على رؤية نقطة ضوء فى آخر النفق المظلم. ويحسب لمؤلف العمل بلال فضل، محاولة الخروج من أسر المثلث التقليدى، الذى طالما حاصر الدراما المصرية: "المدينة – ريف الدلتا – الصعيد".
فالمكان هنا – جزيرة الوراق – بطل أساسى والاشتغال عليه درامياً توجه مشكور، لأن أهالى الجزيرة المنكوبة معظمهم دون خط الفقر ومهددون بالطرد من العشش والأكواخ لصالح حيتان البزنس، والمشاريع الاستثمارية إياها!.. واختيار الوراق ينطوى على قيمة فنية، تتمثل فى الاستفادة من تنوع وثراء البيئات والاقاليم المختلفة فى مصر، فحتى الآن لم نجد مسلسلاً يتناول حياة أهل الواحات على أطراف الصحراء الغربية، والأمر نفسه بالنسبة لحياة البدو وأهالينا فى النوبة. وبالطبع لا أتحدث هنا عن ظهور هؤلاء كخلفية "فولكلورية" فى فيلم سينمائى هنا، أو فى حلقة عابرة من مسلسل هناك.
موضوعات متعلقة..
◄محمد بركة يكتب.. تامر وشوقية ينافسان أبو تريكة
◄الصحافة المصرية ليست فى "فى إيد أمينة"
◄يسرا "فى إيد أمينة" ليست شيطاناً وإنما ملاكاً
◄لعنة داليا البحيرى فى "بنت من الزمن ده"
◄محمد بركة يكتب .. أسمهان تكسب!
◄الدالى ضحية نجاحه
◄وفاء عامر .. دراما غنية من العرى إلى الإبداع
◄محمد بركة يكتب: آسف على الخوف من المغامرة
◄حكاية الفتاة التى تزوجها محمود درويش سراً!
◄محمد بركة يكتب:مثقفون للبيع وأشياء أخرى(2من 3)
◄محمد بركة يكتب عن أمراض المثقفين (1 من 3)
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مواصفات جسمانية خاصة تتمثل فى القوام البدين والقامة القصيرة نسبياً، منذ اللحظة الأولى، والكوميديا قدر أحمد رزق الجميل! خفة الظل فى جيناته، والسخرية الحادة اللاذعة مكتوبة على جبينه.. ولأن أحمد يملك المواصفات فقد كان أمامه خياران: الأول أن يمشى فى سكة علاء ولى الدين ويونس شلبى -عليهما رحمة الله – حيث الاستظراف والتهريج واستغلال البدانة المفرطة فى تقديم نموذج الكوميديان الأبله، وتحويل الفكاهة إلى فاصل من "الإفيهات" المكررة التى تستجدى ضحكة من الجمهور، والخيار الثانى: تقديم كوميديا محترمة تنبع من الموقف الدرامى نفسه وتبتعد عن الافتعال، ولا يتاجر فيها الممثل بـ "كرشه" الذى يسبقه أو شكله "الملخبط"!
والسؤال: أى طريق اختاره الفتى الموهوب؟
والإجابة: أحمد لا يزال تائهاً بين السكتين، فتارة يقدم الكوميديا الأجمل والأصعب، لكنها الأبقى فى الوجدان، على نحو ما فعل فى "فيلم ثقافى"، وتارة أخرى يقع فى فخ الاستسهال واللهاث الحار وراء البطولة والنجومية كما فى فيلم "لخمة رأس"، وليست تجربة البطولة المطلقة فى فيلم "حمادة يلعب" – الفاشل تجارياً وفنياً– عنا ببعيد!
ويأتى مسلسل "هيمه"، ليستعيد فيه النجم الموهوب شيئاً من توازنه المفقود، ويقدم الكوميديا على طريقة "شر البلية ما يضحك"، بملامحه المصرية الخالصة، وقدرته على الإقناع، وبراعته فى تجسيد الحالة النفسية لشاب مصرى يعانى من البطالة، ولا يكف عن السخرية من مفارقات واقع يفتقد للحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، وتتجمع فى أفقه سحب رمادية كثيفة تدعو للإحباط.
نعم، أنت لا تحتاج إلى كثير من الجهد لكى تصدق أحمد رزق الشهير بـ "هيمه"، وسرعان ما تتورط معه عاطفياً، تتعاطف معه وتعجب بقدرته على رؤية نقطة ضوء فى آخر النفق المظلم. ويحسب لمؤلف العمل بلال فضل، محاولة الخروج من أسر المثلث التقليدى، الذى طالما حاصر الدراما المصرية: "المدينة – ريف الدلتا – الصعيد".
فالمكان هنا – جزيرة الوراق – بطل أساسى والاشتغال عليه درامياً توجه مشكور، لأن أهالى الجزيرة المنكوبة معظمهم دون خط الفقر ومهددون بالطرد من العشش والأكواخ لصالح حيتان البزنس، والمشاريع الاستثمارية إياها!.. واختيار الوراق ينطوى على قيمة فنية، تتمثل فى الاستفادة من تنوع وثراء البيئات والاقاليم المختلفة فى مصر، فحتى الآن لم نجد مسلسلاً يتناول حياة أهل الواحات على أطراف الصحراء الغربية، والأمر نفسه بالنسبة لحياة البدو وأهالينا فى النوبة. وبالطبع لا أتحدث هنا عن ظهور هؤلاء كخلفية "فولكلورية" فى فيلم سينمائى هنا، أو فى حلقة عابرة من مسلسل هناك.
موضوعات متعلقة..
◄محمد بركة يكتب.. تامر وشوقية ينافسان أبو تريكة
◄الصحافة المصرية ليست فى "فى إيد أمينة"
◄يسرا "فى إيد أمينة" ليست شيطاناً وإنما ملاكاً
◄لعنة داليا البحيرى فى "بنت من الزمن ده"
◄محمد بركة يكتب .. أسمهان تكسب!
◄الدالى ضحية نجاحه
◄وفاء عامر .. دراما غنية من العرى إلى الإبداع
◄محمد بركة يكتب: آسف على الخوف من المغامرة
◄حكاية الفتاة التى تزوجها محمود درويش سراً!
◄محمد بركة يكتب:مثقفون للبيع وأشياء أخرى(2من 3)
◄محمد بركة يكتب عن أمراض المثقفين (1 من 3)
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة