قبل اثنى عشر عاماً عندما عرض فيلم "ناصر 56" الذى أخرجه محمد فاضل وكتبه محفوظ عبد الرحمن، كانت المرة الأولى فى حياتى التى تحول عبارة كامل العدد بينى وبين دخول السينما، وقتها حاول البعض تفسير نجاح الفيلم بسبب أهمية شخصية جمال عبد الناصر معشوق الناس. لكن بعد عام واحد عرض فيلم "جمال عبد الناصر" للمخرج السورى أنور قوادرى، لكنه لم يحظ بأى اهتمام جماهيرى، مثلما حدث مع فيلم "ناصر 56".
وهذا هو نفسه ما حدث مع مسلسل أم كلثوم الذى أخرجته إنعام محمد على وكتبه محفوظ عبد الرحمن منذ عدة سنوات، فالمسلسل حظى بمشاهدة ضخمة على مستوى العالم العربى، وبعده بقليل تم عرض فيلم عن حياة أم كلثوم لم يشاهده جمهور السينما.
إذن فسحر الشخصية التاريخية قد يكون عامل جذب لانتباه المتفرج، لكنه لا يكفى أبداً كى ينجح العمل. وقد تساهم الدعاية المكثفة فى لفت الأنظار نحو العمل، لكنها لن تضيف له ما لا يمتلكه من الأساس. وهذا ما حدث تحديداً مع مسلسل "ناصر" الذى كتبه يسرى الجندى، وأخرجه السورى باسل الخطيب. فقد تمت إثارة ضجة تبدو مفتعلة قبل بداية عرضه الرمضانى، بسبب ما تردد عن منع عرضه على القنوات الأرضية المصرية، وهو ما نفاه منتج المسلسل إسماعيل كتكت، مؤكداً أن المسلسل لم يعرض من الأساس على لجان المشاهدة.
وبسبب تلك الضجة انتظر المشاهدون المسلسل بلهفة، لكن المباغتة جاءت سريعة فقد خيم جو من الكآبة على أحداث المسلسل منذ حلقته الأولى، وعززتها الإضاءة الخافتة طوال الأحداث، مما يعطى إيحاءً بقتامة شديدة تهيمن على المسلسل وهو أمر غريب، لكن ما هو أكثر غرابة هو ما جاء بعد ذلك، فقد سعى المخرج ومن قبله السيناريست للتأكيد على "كاريزما" جمال عبد الناصر، التى تدفع الجميع لاتخاذه زعيماً منذ نعومة أظفاره. وهو ما وضع العمل فى مأزق المبالغات الغير منطقية، كما حدث فى إحدى الحلقات، عندما قام طلاب المدرسة الثانوية بعمل مظاهرة ليلاً والوقوف تحت منزل جمال يهتفون له.
قد تكون واقعة فصل جمال من مدرسته، بسبب مناهضته للاحتلال الإنجليزى حقيقية، وقد نقبل بموقف ناظر المدرسة كما جاء بالمسلسل، وحتى يمكننا التعامل برحابة صدر مع تضامن الطلبة المتهور للغاية مع زميلهم، لكن أن تسير مظاهرة ليلاً تهتف باسم طالب تم التراجع عن قرار فصله، فهو أمر غير معقول بالمرة. وهو يؤكد أن مسلسل ناصر يعانى مما تعانيه مسلسلاتنا التى تتناول حياة الشخصيات العامة، وهى الأزمة التى توقع بالعمل فى فخ تقديس الشخصية.
أما المدهش حقاً هو إغفال المسلسل حقيقة اشتراك جمال عبد الناصر فى عدة تنظيمات سرية قبل تكوينه لتنظيم الضباط الأحرار، لقد أشار المسلسل بشكل عابر لرفض جمال لطريقة وأداء التنظيمات السرية التى كانت منتشرة فى الأربعينيات، ولم يذكر أن ذلك قد جاء بعد عدة تجارب كونت قناعته الشخصية بعدم جدوى تلك التنظيمات، ذلك على الرغم من أن المسلسل اهتم بتفاصيل أخرى فى منتهى الدقة فى حياة الراحل جمال عبد الناصر.
لكن يحسب للمسلسل أنه قدم لمحات شديدة الإنسانية فى حياته، فبدا أمامنا فى بعض اللحظات إنسان من لحم ودم وليس إلهاً كما كان يظهر فى أعمال أخرى. والأهم هو ذلك التسجيل الجيد لأحداث حرب فلسطين عام 1948، تلك الحرب التى طالما تعاملت معها الدراما المصرية بضبابية فى التعبير عن أسباب هزيمة الجيوش العربية. والتى طالما أرجعتها سواء فى السينما والتليفزيون لصفقات الأسلحة الفاسدة.
أما مسلسل ناصر فقد أرجع الأمور لأصلها، هناك جيوش عربية انسحبت أثناء المعركة، ومن قبلها غاب التخطيط السليم عن القيادة العامة للجيش المصرى، وهو ما ظهر فى ارتباك الأوامر الصادرة عنها للضباط على الجبهة.
على كل حال من الصعب الحكم على مسلسل مكون من ثلاثين حلقة، من خلال عشر حلقات فحسب، لكنها قد تمنحنا بعض المؤشرات لما سنراه قادماً، فقط نتمنى أن يكون ما هو آت أفضل مما سبق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة