د. أحمد راسم النفيس يكتب: ديمقراطية الغنم ـ بوى

السبت، 13 سبتمبر 2008 11:27 ص
د. أحمد راسم النفيس يكتب: ديمقراطية الغنم ـ بوى النفيس يختلف مع البدرى حول الحاكم الظالم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الغضبة المضرية التى أعلنها بعض العرب فى مواجهة محاولة الرئيس الأمريكى جورج بوش فرض الديمقراطية عليهم على طريقة "الكاوبوى"، ترجع بالتأكيد لتفضيلهم ديمقراطية "الغنم بوي" على ديمقراطية الكاوبوى المستوردة، والتى تتنافى أصولها مع التقاليد العربية العريقة ومع رؤيتهم لهذه الشعوب التى لا يرقى مستواها، من وجهة نظرهم ، إلى مستوى بقر جورج بوش!

قبل أكثر من 1300 عام من الآن كان لشاعرنا العربى الكميت بن زيد الأسدى موقف عظيم دفع حياته ثمنا له عندما وصف "الديمقراطية الأموية" بقوله:
"ساسة لا كمن يرعى الناس سواء ورعية الأنعام
لا كعبد المليك أو كوليد أو كسليمان بعد أو كهشام
رأيه فيهم كرأى ذوى الثلة فى الثائجات جنح الظلام
جز ذى الصوف وانتقاء لذى المخة نعقا ودعدعا بالبهام"

الآن وبعد كل هذه القرون المتطاولة يخرج علينا الشيخ يوسف البدرى بعدة فتاوى سياسية لها العجب، حيث قال الرجل فى حواره المنشور بجريدة صوت الأمة بتاريخ 1-9-2008 "أنا قلت إن الله يعين الحاكم الظالم على الشعب الظالم فينتقم بالحاكم الظالم من الشعب الظالم، وقلت إن الفقر وقلة الرزق بسبب معصية الله لا بسبب الحكام كما يرى الشيخ أن العامة (الثلة أو القطيع) لا يحق لهم معارضة نظام "الغنم البوي" بأية وسيلة حتى ولو كانت سلمية مثل (المظاهرات والاعتصامات لأنها بدع وضلالات جاءت إلينا من الغرب)!

الآن يمكننا أن نشرح أبيات الكميت لغويا فى ضوء الشرح التطبيقى الذى قدمه لنا فضيلة الشيخ لديمقراطية (الغنم البوي) حيث يجلس أمير المؤمنين الأموى الظالم المكلف من الله عز وجل بظلم العباد فى عليائه مطلا على حظيرة أغنامه التى يتمتع فيها هؤلاء الضحايا المساكين الذين يجرى تسمينهم إما للذبح (ذى المخة السمين) أو لجز صوفهم لصناعة العباءة الصوفية الفاخرة التى يرتديها أمراء المؤمنين وحاشيتهم من وعاظ السلاطين بحق الصياح (الثائجات, نعقا ودعدعا) بالبهام (ليلا)!
لنا حق التصايح ولهم حق الذبح والجز!

أما عن حق التصويت فلا تسل فليس لهذا القطيع المسكين إلا حق الصراخ والصويت عندما يرى حد السكين!

أما المواطن النبيه الذى يريد أن يحظى بمهلة أطول للبقاء فعليه أن يسعى جاهدا ألا يتحول إلى كبش حنيذ فيمتنع عن تناول الطعام لئلا يثير شهية الآكلين للحمه السمين ولا طمع الطامعين فى صوفه الثمين وليجلس فى أقصى حظيرة أمير المؤمنين فلا يراه أحد ولا يسمع له صوتا ولا ركزا سائلا الله أن يكشف الغمة عن هذه الأمة، وأن يرسل لها أميرا للمؤمنين يكون من النباتيين أو ممن يفضلون اللحوم البيضاء على أختها الحمراء أو أن ينتهز مناسبة ليلة القدر فيدعو الله قائلا اللهم اجعلنى سمكة تسبح فى بحارك ولا تشمت بى الشامتين ولا تجعلنى مضغة للآكلين آمين آمين!

هل حقا أن الله يأتى بالحاكم الظالم ليظلم كما يزعم المرجئة القدامى والجدد؟!
يقول تعالى:
(وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) الأعراف 28-29.

الله تبارك وتعالى يأمر بالقسط أى بالعدل، ومن ثم فالظلم صناعة بشرية وكل من أسهم فى صناعة الظلم بالفعل أو بالقول فهو آثم وظالم ويأتى فى مقدمة هؤلاء وعاظ السلاطين الذين يزعمون أن (الله تبارك وتعالى هو من أمر بهذا الظلم انتقاما من المستضعفين) الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
ولا شك أن هذا المنطق المعوج الذى يروج له هذا الصنف من وعاظ السوء منذ بزوغ فجر (ديمقراطية الغنم بوى) هو الفجور بعينه لأن الله تبارك وتعالى لا يأمر بالفحشاء!!.
أتقولون على الله ما لا تعلمون؟!

الله تبارك وتعالى يقول فى محكم كتابه (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد, ويقول سبحانه (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) هود (113) (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِى الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ) هود (116).
فمن أين جاء هؤلاء الشيوخ بتلك النظرية التى تسوى بين البشر والغنم وتجعل مصيرهم معلقا على مزاج الراعى إن شاء ذبح وأكل وإن شاء جز الصوف ولبس.

لو كان الأمر كما يقول هؤلاء الشيوخ فلماذا أرسل الله موسى إلى فرعون يطالبه بالتوقف عن ظلم بنى إسرائيل؟!. (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ) طه 47, بدلا من أن يطلب من بنى إسرائيل أن يقيموا مجالس الدعاء سائلين الله أن يرسل إليهم فرعونا آخر يكون أرق قلبا وأكثر احتراما لحقوق الإنسان من هذا الفرعون الهالك؟!

ثم!! من أين علم الشيخ البدرى أن الشعب ظالم ويستحق كل ما يجرى عليه من ظلم وإهانة وامتهان للكرامة وحقوق البشر؟!.
هل أطلعه الله على السجل والكتب والموازين القسط ومفاتح الغيب كما أطلع الخضر عليه السلام فعلم الحكمة والأسرار فكان أن أسقط الأحجار على رؤوس سكان الدويقة لتقتل المئات من المستضعفين الجياع بعد أن حرمهم (عقابا لهم على ظلمهم) من شاليهات مارينا ومراقيا؟!

عدو عاقل خير من صديق جاهل
أخشى ما أخشاه أن البعض يرى فى هذا الصنف من المخلوقات أصدقاء ومؤيدين يمكن الركون إليهم، دعما للاستقرار والاستمرار لأن الرجل من حيث يفهم أو لا يفهم يقدم أسوأ دعاية لمن يقوم بتأييدهم وإصدار الفتاوى لصالحهم وهو من خلال هذا الكلام يقول للعالم: ظلمة ولكنكم تستحقون أسوأ منهم!
وبدلا من أن يأمر بالمعروف وينهى عن الظلم والمنكر إذا به يقر بنسبة كل هذه النقائص إليهم ويزيد على ذلك بنسبتها إلى الله عز وجل.
ألم يسمع الرجل بقول الله تبارك وتعالى:
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل (90).






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة