الأب رفيق جريش هو كاهن رعية القديس كيرلس للروم الكاثوليك التى تعتبر من أقدم كنائس مصر الجديدة، ويشغل أيضا منصب المتحدث الإعلامى للكنيسة الكاثوليكية المصرية. وبين حياته كشاب فى وسط القاهرة وواجباته الكهنوتية، العديد من الذكريات الرمضانية التى قبل أن يرويها لنا بكل محبة.
ما هى ذكرياتك يا أبونا عن رمضان؟
قبل أن أتحدث من منطلق المنصب الدينى والصحفى الذى أشغله، أتحدث من كونى شخصا مسيحيا يرى أن رمضان هو شهر روحى فى المقام الأول. وهو شهر روحى ليس فقط للمسلمين، لكن أيضا للمسيحيين. الحقيقة أننى أشعر بأن البلد كلها تكون فى حالة صيام وصلاة. وعندما أرى المسلمين يصومون بهذه الكثافة العددية وبهذه الشدة، خاصة عندما يطول النهار وتشتد الحرارة، فإن هذا يشجع المسيحيين أن يفعلوا الشىء نفسه عندما يحين ميعاد صيامهم. أنا فخور بأن نقلد بعضنا البعض فى طقس إلهى إيجابى.
هل ترى أن صيام المسلمين أصعب من صيام المسيحيين؟
هو فى الحقيقة أصعب، لأن المسلمين لا يستطيعون شرب الماء أثناء الصيام. وفى الصيف بالذات هذا قاس جدا. الحرمان من الطعام هو أقل صعوبة من الحرمان من المياه.
هل لك ذكريات مع أصدقاء مسلمين أو جيران؟
قبل أن أصبح كاهنا، كنت أعيش فى بيت عائلتى وكان جيرانى مسلمين، وكنا أصدقاء حميمين جدا لدرجة أننا كنا نعيش وكأننا أسرة واحدة.
ما اسم هذه الأسرة المسلمة؟
أٍسرة عدلى ثروت المحامى. كان مكتبه فى شارع سليمان باشا وعائلتى كانت تسكن فى ممر بهلر بوسط القاهرة. كان - الله يرحمه – يقوم بتدريسى اللغة العربية وكان لطيفا للغاية. أتذكر أنهم كانوا فى رمضان يستقبلون العديد من الضيوف وكان والدى ووالدتى ضيوفا "يوميين" على مائدة رمضانهم. كانت والدتى تحضر بعض الأطباق الشامية المحببة إلى نفس جيراننا. أتذكر أيضا حرب 6 أكتوبر 1973 التى كانت موافقة للعاشر من رمضان. فرغم أنه كان رمضان، إلا أن الحديث كله كان يدور حول المعركة، وعن انتصار المصريين التاريخى. كنا جميعا مصريين ولم نكن ننظر لجيراننا كمسلمين أو هم ينظرون إلينا كمسيحيين. الحقيقة أنه فى فترة السبعينيات لم يكن هذا السؤال مطروحا من الأساس. كان كل واحد يحترم دينه ودين الآخر. لم يحاولوا أسلمتنا ولم نحاول تبشيرهم.
إذاً بماذا تفسر التغيير الذى يحدث هذه الأيام؟
الجو العام فى البلد يميل إلى التعصب. لكن لا يمكننى القول إن كل الناس متعصبة. أناس عديدون من الطرفين ما زالوا يعاملون بعضهم البعض بكياسة، ولا يضعون أى تفرقة فى التعامل. لكن التليفزيون والفضائيات الدينية والجرعة الزائدة عن اللازم، فى بعض الأحيان، هى التى تصنع التعصب. اليوم قبل أن يتعامل معك أى شخص، يتم سؤالك: "أنت مسيحى ولا مسلم؟". ويكون السائل مسيحيا ومسلما على حد سواء! وأنا أريد تغيير السؤال إلى: هل أنا إنسان فاضل أم لا؟ وهذا ليس له علاقة بالدين.
ما هى ذكرياتك الأخرى؟
فى شبابى، كنت من رعية كنيسة مريم سيدة السلام فى جاردن سيتى، وهى كائنة فى شارع قصر العينى أمام مقر مجلس الوزراء. وفى إحدى قاعات الكنيسة كان يقام اجتماع تقيمه "جماعة الإخاء الدينى" وهى جماعة أسسها الشيخ حسن الباقورى رحمه الله، مع د. لويس ماسينيون وأبونا قنواتى وأبونا كريستيان فان نسبن. كان الاجتماع ينعقد كل 3 أسابيع. وتأسس هذا الاجتماع فى أوائل الخمسينيات. أنا كطفل وكشاب، كنت أرى الشيوخ يدخلون ويخرجون من قاعة الكنيسة، وفيما بعد بدأت أحضر هذه الاجتماعات بتشجيع من راعى الكنيسة. هكذا تعرفت على د. شحاتة قنواتى ود. محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف الحالى ووزراء سابقين، ود. ميلاد حنا وشخصيات كثيرة من أقطاب المسيحيين والمسلمين رأيتها تحضر إلى الكنيسة لحضور هذه الاجتماعات. وجاء اليوم الذى أصبحت فيه عضوا عاملا فى جماعة الإخاء الدينى أشارك مشاركة كاملة فى أنشطتها.
ما هى أهم الأشياء التى تهتم بها هذه الجماعة؟
كنا نتحاور فى الأشياء المشتركة بين المسيحية والإسلام. المواضيع التى تجمعنا لا المواضيع التى تبث الفرقة بيننا. كنا نستعرض عقائدنا وثقافتنا بكل احترام ومودة. أنا إذا تربيت فى كنيستى فى جو من التسامح والإخاء والانفتاح على اليدن الآخر، وكان الدكتور عبده سلام الله يرحمه هو رئيس الجمعية فى ذلك الوقت.
هل مازالت اجتماعات هذه الجماعة مستمرة؟
نعم. أتذكر أيضا أن راعى الكنيسة الأب عيد أقام في قاعات الكنبسة أول حفل إفطار مسيحى-إسلامي، أو بلغة اليوم إفطار "وحدة وطنية"، وكان يحضره بين 200-250 شخصا. وأستطيع أن أقول بكل شجاعة إن هذا الحفل استحدث قبل حفل إفطار البابا شنودة الذى يقام فى بطريركية الأقباط الأرثوذكس كل عام.
هل أنت متأكد أن حفلكم أقدم من حفل البابا شنودة الذى – بالمناسبة - ألغى هذا العام؟
نعم، الإخاء الدينى هو صاحب أول حفل إفطار جماعى فى مصر، وكان أبونا عيد يشرف على المأدبة وسيدات الرعية المسيحيات هن اللاتى يحضرن الطعام للإخوة المسلمين. من ضمن ضيوفنا الكبار جاء فرج فودة والأنبا بسنتى وأسماء أخرى كثيرة معروفة.
ما الذى يعجبك من روحانيات الإسلام؟
الجانب الروحانى الذى يعجبنى فى الإسلام هو أن الشخص المؤمن إيمانا حقيقيا يكون جادا فى روحانياته ويبتعد بشكل تلقائى عن المظاهر. وبمناسبة رمضان، أتمنى أن تبتعد موائد الرحمن وموائد الوحدة الوطنية هذا العام عن الشكل الاستهلاكى الذى أصبح يلازمها أكثر من المضمون الأصلى الذى أقيمت من أجله، سواء المآدب التى يقيمها مسيحيون أو مسلمون. فكيف تقام فى أفخم الفنادق أو المطاعم وتتكلف الآلاف فى بلد به فقراء كثيرون جدا؟ فى شهر روحانى مثل رمضان، لابد من الابتعاد عن الشكل الاستهلاكى والرجوع للهدف الأصلى للصيام. الإخوان المسلمين يقيمون حفلات إفطار تكلف الكثير والمدعوين يزيدون عن 2000 فرد، بخلاف الكتب والإعلانات والبوسترات التى تكلف أيضا الكثير. أنا لا أسأل من أين جاءت الأموال (يبتسم). لكنى أعتقد أن هناك من هم أولى بهذه الألوف.
بمعنى؟
ممكن أن يقيموا حفلا رمزيا بمصروفات أقل ويهتموا أكثر بالفقراء.
أنت ككاهن مع رعيتك فى وسط مصر الجديدة.. هل هناك أى تغيير فى برنامجك اليومى بمناسبة شهر رمضان؟
في رمضان نقيم الأنشطة الكنسية "اللى فيها دوشة" بعد الإفطار، مع أن مواعيدها تكون عادة فى الصباح، مثل لقاءات الكشافة، حتى لا نضايق الصائمين. كثيرا ما ألبى دعوات الإفطار، رغم أننى كما قلت لا أحب طابعها الاستهلاكى ولا المظهرى. نحن أيضا فى الكنيسة نقيم ندوات ثقافية فى رمضان إليها شخصيات إسلامية مشهورة. ورمضان كريم يا ستى!!
الأب رفيق جريش
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة