طقوس فريدة تتميز بها سيناء فى رمضان، وهى الأرض التى عانت الكثير على مدار أعوام طويلة. أطلق عليها أرض حوريب، أى أرض الخراب، وأرض الفيروز. وهما تسميتان متناقضتان، وبالتالى شهر رمضان يحظى ببعض التناقض. يتناول الصائمون حليب النوق والعجوة والتمر فى بداية الإفطار، ثم بعد صلاة العشاء تأتى الوجبات الرئيسية المكونة أساساً من اللحوم.
والصائم الغريب يخدع: تقدم له كثيرا من العجوة فيأكلها ويشرب لبنا كثيرا فتمتلئ بطنه. وعندما يحين موعد الوجبة الأساسية لا يستطيع أن يأكل. لكنه يتعلم تحسبا للمرة القادمة. هذه عادات خاصة بأهالى الصحراء فلا تجد هذه الأمور إلا فى سيناء وفى الصحراء التى يقيم فيها البدو والقبائل العربية فى مطروح والبحر الأحمر والإسماعيلية والجنوب والوادى الجديد.
يأتى رمضان فى سيناء والناس بين أحضان الصحارى، وأشجار الخوخ وصحبة الفلسطينيين، يختلف عن رمضان فى أى مكان آخر. والمواطن السيناوى تعود على الصحبة فى الحركة وقضاء معظم الليل على مقاهى مدينة العريش، ما بين أم كلثوم، أو العماد أو ليلتى أو بعلبك على سد الوادى. عشرات الفلسطينيين يتسامرون كل ليلة على المقاهى وفى المنتديات الثقافية، وغالبا لا تخلو الدردشة من ذكر الوطن ومتابعة أخباره بالهواتف الجوالة أو عبر وسائل الإعلام المختلفة.
الوضع هذا العام اختلف عن الأعوام السابقة. فسيناء هذه الأيام بلا فلسطينيين فى رمضان، ورمضان فى العريش بلا فلسطينيين، وهو الأمر الذى لا يمكن أن يمر مرور الكرام. عبد الله السلايمة رئيس جماعة سما الأدبية بالعريش، عبر عن هذا الوضع بقوله: "بصراحة أنا مفتقد أصدقائى من الفلسطينيين. كنا نتسامر حتى الفجر: مرات نسمع الأشعار أو الأغانى الشعبية، ومرات نتحدث عن القضية وما أكثر "لوك" الألسنة لها، لكن صدقنى رمضان ما له طعم بدون الصحبة". عبد الله قال أيضا: "طالبت أصدقائى بالبقاء فى العريش، لكنهم أصروا على العودة خوفا من أن يغلق معبر رفح أبوابه بلا إمكانية عودة، ويظلون محرومين من الوطن". السلايمة أنهى حديثة باللهجة السيناوية قائلا: "والله يا شيخ كنت عايز نقضى أيام بالشيخ زويد عند الوالد اشتقت لحليب النياق والعجوة".
العريش شبة خالية من الفلسطينيين هذا العام، وبصراحة حالة الرواج التى كانت بالمدينة انتهت. الفلسطينيون اشتروا الكثير خلال اليومين فتح المعبر، وعادت الأمور للركود مرة أخرى. والحديث هنا لمحمد أبو عيطة وهو إعلامى سيناوى، وينتمى لقبيلة السواركة أعرق قبائل سيناء. يقول أبو عيطة: "الجو الطلق فى الصحراء يميز رمضان فى سيناء عن أى مكان آخر، خاصة جلسات الشباب مع الشيوخ حول القهوة و الشاى.
ويبدو أن افتقاد الفلسطينيين قد ترك علامة غائرة فى القلوب السيناوية، الأمر الذى أكده حسن غريب (قاص وروائى) عندما قال: "افتقد صديقى رياض على وجه التحديد، وهو فلسطينى يجيد استخدام الإنترنت، سبق أن سجل لنا قصصا وأشعارا ونشرها على طريقته فى اليوتيوب". شيء مدهش طلبت من رياض البقاء، إلا أنه فضل قضاء رمضان فى تل السلطان. لديه صحبة أخرى ويسهرون جميعهم بخان يونس. بصراحة لم ألح عليه لعلمى بصعوبة فتح معبر رفح مرة أخرى. حسن أضاف أن أهم ما يميز رمضان فى سيناء، الجلسات الكبيرة فى الإفطار أمام الدواوين وفى الزراعات الكبيرة، "ويا سلام على شوية قهوة العربية بعد الإفطار".
خلت العريش تقريبا لأول مرة منهم، لحرصهم على العودة لغزة وبصراحة رمضان فى غزة جميل، "أنا نفسى قضيت ليالى طويلة أنا وزميلى بركات معبد شاعر رفح المصرية، وكنا نعود فجرا، لكن أيام وراحت بعد وضع الحدود الجديدة" وفقا لما قاله حاتم عبد الهادى السيد باحث فى التراث السيناوى وعضو اتحاد كتاب مصر، "لكن هم مازالوا معنا، فالزى الفلسطينى يرتديه معظم شباب سيناء".
منذ سنوات طويلة سيناء بلا فلسطينيين
رمضان فى الصحارى.. وحليب النوق والتمر مذاق مختلف
الخميس، 11 سبتمبر 2008 02:06 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة